التحالف بين أمريكا والاسلام السياسي ممثلا بجماعة الاخوان المسلمين كان شاملا ويغطي المنطقة العربية بأكملها، فهو تحالف مع التنظيم الدولي للجماعة، وليس مع فرع هنا، وجيب هناك.
هذا التحالف وما تضمنه من اتفاقيات وتفاهمات في هذا البلد أو ذاك نجد ذروته، وقمة التعاون بين أمريكا والجماعة كان مع وصول الاخوان الى الحكم في مصر. ووصول ممثل الاخوان الى مقر الرئاسة المصري شكل نقطة مهمة وعلامة مطمئنة للقائمين على وضع ومتابعة السياسة الخارجية الامريكية، الذين عملوا جاهدين من أجل ضمان سيطرة الاسلام السياسي على حالة الفراغ الأمني والسياسي التي سادت الدول العربية في اعقاب هبوب رياح ما يسمى بالربيع العربي.
لكن، سقوط حكم الاخوان في مصر كان مفاجئا الى حد كبير للولايات المتحدة، وبعكس ما كان يرد اليها من القاهرة حول تقييم حكم الاخوان ومدى قدرة الجماعة على البقاء في الحكم. وشكل هذا السقوط الانتكاسة الحقيقية لهذا التحالف وهذه التفاهمات التي تم التوصل اليها بين الجماعة وواشنطن.
لكن، نشاطات الجماعة خلال فترة التحالف وازدهار عمل الاسلام السياسي لم يقتصر على مصر بل تجاوزها الى أكثر من ساحة في المنطقة، وأخذ هذا الدعم والتعاون الأمريكي مع الاخوان اشكالا مختلفة من دولة الى اخرى، وكان هناك تفاوت بين درجات الدعم العلني والدعم الخفي.
وتؤكد دوائر سياسية مطلعة لـ (المنــار) أن بعض فروع وجيوب جماعة الاخوان كانت فاعلة ونشطة، وعملت على مستويات مختلفة، ميدانية وشعبية واطلاق التظاهرات والعمل ضد الانظمة، واتباع محاولات للتغلغل في مؤسسات الحكم، لكن، هناك فروع وجيوب اخوانية يمكن وصفها بـ “غير النشطة” فهي لم تتحرك ولم تظهر تأثيرات عملها ونشاطاتها كما هو الحال في دول أخرى وبشكل خاص في دول الخليج.
وتضيف الدوائر أن فروع الاخوان في منطقة الخليج التي جرت محاولات لتنشيطها في الامارات والكويت، بقيت نائمة ولم تتحرك في دول اخرى كالسعودية التي لم تصل فيها هذه الفروع الى درجة العمل العلني الصريح.
وعلى الرغم من أن النظام السعودي تعاون بصورة كبيرة مع أمريكا ـ وما زال ـ لتحقيق رغبتها في اسقاط بعض الانظمة في المنطقة وبشكل خاص النظام السوري، الا أن الرياض أدركت أن هناك خصما أيديولوجيا بات “حليفا” للولايات المتحدة لن يتردد في اثارة حالة عدم الاستقرار في الدول الخليجية مما يؤثر سلبا على الاستقرار في المنطقة، خاصة وأن هناك الكثير من بؤر عدم الاستقرار التي قد تستغل أي تدهور للاوضاع في المحيط الخليجي لاثارة حالة من الفوضى داخل السعودية التي رأت في التحالف بين أمريكا والاسلام السياسي خطوة أولى في شراكة بينهما، وستليها شراكة أخرى، ومرحلة ثانية تقضي بادخال الجماعة الى منطقة الخليج، وكانت الرياض تأمل في أن تتمكن من نزع فتيل هذا الخطر في وقت لاحق بعد أن تنتهي الولايات المتحدة من معالجة الموضوع الايراني، وبعد أن يتم القضاء على النظام السوري المتحالف مع ايران، غير أن سقوط سوريا لم يتحقق، وجاء سقوط الاخوان في مصر، وتداخلت الأمور وتبعثرت الأوراق.
وترى الدوائر أن الخطاب الايراني المعتدل غير المتوقع من جانب الرئيس الجديد حسن روحاني وجه صفعة قوية للسعودية التي اعتقدت أن طهران في طريقها الى الانهيار والفوضى وعدم الاستقرار في ظل محيط متقلب وحصار دولي تسبب بوضع اقتصادي صعب، لكن، جميع تلك السيناريوهات التي تمنتها السعودية لم تتحقق، بعد أن مرت الانتخابات الايرانية بسلام، ووصل وجه أكثر اعتدالا الى مؤسسة الرئاسة الايرانية، ساهم خطابه في خلق انفراج، وفتح الباب أمام المفاوضات بين طهران والغرب، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة.
وتقول الدوائر السياسية أنه في ظل هذا الواقع والتطور والتراجع والتقدم في السياسة الامريكية، والتغيرات في المواقف اتجاه الأزمات فان السعودية تواجه وضعا صعبا، وهي لا تخفي عدم رضاها عن السياسة الأمريكية.
وتبقى السياسة السعودية غير واضحة وغير متزنة، ومتقلبة تخطو خطوة الى الأمام وتتراجع عشرات الخطوات الى الوراء. وهذه السياسة، أسبابها شخصية في المرتبة الاولى.
ان عدم سقوط النظام السوري هو ما يجعل السياسة السعودية غير متزنة، كما أن الشخصيات التي تحالفت داخل السعودية مع أمريكا ومع خطتها في المنطقة من أجل ابعاد الاضطرابات عن المملكة خلقت حالة صعبة للسياسة السعودية وأدخلت الرياض في العديد من الصراعات.
ويرفض هؤلاء الاعتراف بفشلهم، ولا يدركون أنهم يقودون أنفسهم نحو الهاوية، وأن عليهم أن يقرأوا التطورات والتقلبات التي تحدث، ولا يمكنهم مواصلة التمسك بمواقف لم تعد ملائمة للواقع الجديد، وهم يرفضون قراءة حقيقة أن هناك تفاهما روسيا ـ امريكيا، وأن مواصلة السعودية المشاغبة والتعطيل لسير قطار الحل السياسي في سوريا سيعود على هؤلاء المسؤولين بالضرر وتؤكد الدوائر أن على السعودية أن تدرك بأنها قد تدفع ثمن الوقوف في وجه “الكبار”.
وتنقل الدوائر عن مسؤول أمريكي كبير قوله، أن الغضب من التصرفات الطائشة للتيار المؤثر داخل السعودية لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة، وانما يمتد ليشمل أنظمة في الاقليم، وتصرفات هذا التيار الذي يقوده بندر بن سلطان غير مسؤولة وغير حضارية، مما جعل الانظمة المحسوبة على أمريكا تشعر بحالة من خيبة الأمل، وهذا ما أثارته بعض الجهات الصديقة مع أمريكا بضرورة لجم هذا التيار السعودي الذي باتت خطواته غير المتزنة وتأثيرات خيبة أمله من الانفتاح الغربي على ايران وعدم حسم المعركة مع الدولة السورية يهدد الاستقرار في الدول الخليجية مما يستدعي ضرورة أن تشرح أمريكا هذا الخطر وتصرفات هذا التيار الذي عمل مع الادارة الأمريكية منذ اللحظة الاولى لهبوب رياح الربيع العربي.
ويكشف المسؤول الامريكي أن الولايات المتحدة سحبت قواتها من العراق، وتستعد لسحبها من افغانستان، وستقدم على تخفيض تواجدها العسكري في منطقة الخليج، وهذا تغير استراتيجي يخيف السعودية، فغياب الولايات المتحدة عن المنطقة يفسح المجال أمام ايران لتقوية نفوذها في المنطقة، لذلك، يرغب أمراء السعودية المحسوبون على التيار المتنفذ في اقامة تحالفات اقليمية في مواجهة ايران، ولا يستثني هذا التيار مشاركة اسرائيل في ذلك.
ويكشف المسؤول الأمريكي أن الولايات المتحدة لم تعد رهينة للنفط والغاز في الخليج، فلديها ما يكفي من مصادر الطاقة، ويقول المسؤول الامريكي أن السعودية تشعر بأن امريكا قد خانتها، فما عملته الرياض والمال الذي أنفقته والتعاون لاسقاط أنظمة عربية، وزيادة ضخ النفط في السنوات الاخيرة، جميعها كانت خطوات حسن نية سعودية تهدف الى عدم التفات الذئب الأمريكي الى الحمل السعودي وابعاد رياح التغيير الامريكية عن الجزيرة العربية.