|
بــاحــث مهدوي
|
رقم العضوية : 65883
|
الإنتساب : May 2011
|
المشاركات : 1,191
|
بمعدل : 0.24 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
(( مفهوم المُحكَم والمُتشابَه في القرآن الكريم ))
بتاريخ : 13-04-2012 الساعة : 12:47 PM
(( مفهوم المُحكَم والمُتشابَه في القرآن الكريم ))
==========================
:وقفةٌ معرفية في دلالتهما المَفادية ومُعطياتهما القيَميَّة:
:مدخل معرفي إلى البحث:
=================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
إنَّ القرآن الكريم تَوفَّرَ في منظومته المعرفية والقيَميَّة على مفاهيم عديدة أغلبها حاكتْ أساليب المحاورة والبيان عند أهل اللغة من العرب آنذاك
ووقت نزول القرآن الكريم وأعجزتهم في طروحاته الجديدة لتدلُ بذاتها على أنَّها منزّلةٌ من لدنِ حكيم عليم.
ومن أبرز هذه المفاهيم المُتكثّرة نصيَّاً في القرآن الكريم هي العام والخاص والناسخ والمنسوخ والمُحكم والمتشابه والمُجمل والمُبيَّن والمُطلق والمُقيَّد وغيرها
فجاءت هذه المفاهيم لتُشكّل وعيا جديدا لنصوص ومرادات القرآن الكريم ولتصوغ العقلية الجديدة بصبغة ربانية حكيمة وفق نظام القرآن الكريم ومفرداته الراقية القيمة والمعنى والعميقة البلاغة والفصاحة.
والغرض الرئيسي من وراء تأسيس الله تعالى لتلك المفاهيم هو لأجل شحذ العقول وتحريرها من الموروث الجاهلي آنذاك
وشدّهم معرفيا ووجدانياً لتلقي النصوص القرآنية الجديدة وجعلهم في دوامة التفكير والتأمل في المفاهيم الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم كإعجاز بياني وتشريعي وعَقدي وأخلاقي لماهو مألوف آنذاك عند العرب خاصة والأمم من غيرهم عامة.
وعلى هذا الإساس القرآني الحكيم إذا ما أردنا إستيعاب دلالات النصوص القرآنية
فما علينا إلاّ فهم تلك المفاهيم أعلاه وأخص منها المُحكَم والمُتشابه والَذان أخذا حيزاً كبيراً في تشكيل ماهية وهوية العقيدة الإسلامية للمسلمين .
فالبعض منهم وخاصة من فَهَمَ حقيقة المُحكم والمتشابه وتمكن من إرجاع المتشابهات من النصوص إلى محكمات القرآن الكريم
إستطاع صياغة العقيدة الإسلامية بصورتها الحقة والعقلانية قبولا ورفضا
وأقصد مدرسة أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
أماّ الأخرون فقد إشتبه عليهم الأمر فوقعوا في المحذورات الدينية من التجسيم لله تعالى ودعوى إمكانيّة رؤيته حسياً
بحكم فهمهم الساذج لمفهوم المحكم والمتشابه
ولذا علينا اليوم أن نقرأ المُحكم والمتشابة من طرق أهل البيت المعصومين :ع:
الذين نزل القرآن الكريم في حجراتهم وكما يقول المثل
(وأهل مكةَ أدرى بشِعَابِها)
فمن هنا مرة أخرى علينا الأخذ في فهم القرآن بشكل عام وخاص من مدرسة المعصومين:ع:
فإنِّها لاتضل من إسترشدَ بها .
وكما قال رسول الله :صلى الهم عليه وآله وسلّم:
(( إنِّي تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي
ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))
:المُستَرشد: محمد بن جرير الطبري(الشيعي) :ص559.
وقال الله تعالى في مُحكم كتابه العزيز:
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7
بمعنى:
هو وحده سبحانه وتعالى الذي أنزل عليك القرآن:
منه آيات مُحكمات واضحات الدلالة هُنَّ أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه ويُرَدُّ ما خالفه إليه
ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المٌحكم
فأصحاب القلوب المريضة الزائغة لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها
ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة.
ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله.
والمتمكنون في العلم كالنبي محمد:ص: وأهل بيته المعصومين:ع:
يقولون: آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم
ويردُّون مُتشابهه إلى مُحكمه
وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.
مفهوم المُحكََم والمُتشابه في القرآن الكريم
=======================
وقفةٌ معرفيّة في بيان مفهومي (المُحكم والمُتشابه)
في القرآن الكريم ومُعطياتهما دلاليا :
==============================
(المُحكََم لغةً):
وجذره اللغوي ينص على أنَّ أصله (حَكَمَ)
بمعنى أتقن الشيء ومنعه من الخبط والفساد
تقول أحكمتُ الشيء إذا أتقنته فجعلته مُحكما
: المحيط في اللغة:الصاحب بن عباد: مادة حكم:
ويظهر مِن تتبع كلمات اللغويين أنَّ مفهوم المُحكم لغة وإصطلاحا يتطابق بحد كبير في دلالته المفادية
فلذا قال ابن منظور في معجمه :لسان العرب:
في مادة:حكم:
أنَّ المُحكمَ هو الذي لاإختلاف فيه ولاإضطراب فتقول أحكمَ فهو مُحكم
وقيل هو مالم يكن متشابها لأنه اُحكِمَ بيانه بنفسه ولم يفتَقر إلى غيره في البيان.
وكيف ما كان فيكون مفهوم ومعنى المُحكم
هو الضبط للشيء وإتقانه من جميع الجهات والأغراض.
:: والإحكام اُستُعمِلَ في القرآن الكريم في موردين :
:الأول :
بالنسبة إلى جميع القرآن الكريم المشتمل على الإسلوب المُحكم والمٌتقن والصادر من الحكيم العليم الله تعالى
بحيث وصف الإحكام هذا يشمل حتى المتشابهات بإعتبارها صادرة من الله تعالى
وهي أيضا بهذا المعنى الأول مُحكمة من تمام الجهات من حيث كونها صادرة من الله تعالى وبإسلوبه الحكيم سبحانه وبإعجازه
فلذا قال تعالى مُفصحا عن هذه الحقيقة الحكمية
((كتابٌ اُحكمت آياته ثم فُصِلَت من لدن حكيم خبير)):2:هود.
::والمعنى الثاني ::
للمُحكم هو في مقابل المتشابه
فتصير بهذا المعنى الآيات القرآنية على قسمين
:محكمة ومتشابهة:
والمراد من المُحكمات في هذه الآية الشريفة معلومة الدلالة ومفهومة المراد أي مصونة عن أي طرو التردد والإحتمال عند الأذهان المستقيمة ::
: مواهب الرحمن في تفسير القرآن: السيد عبد الأعلى السبزواري: ج5:ص36. بتصرف مني.
:التحديد اللغوي والإصطلاحي لمعنى المتشابه:
===========================
ذكر ابن منظور في لسان العرب في مادة (شبه) وتعني مِثلْ والجمع أشباه
وأشبه الشيءُ الشيءَ أي ماثلهُ
والمُتشابهات هي المُتماثلات أي المُختلَطات بغيرها في الفهم والدلالة.
وقال أيضا (والمتشابهات في التنزيل )
قيل في معناها (يُشبه بعضها بعضا)
وذكر ايضاً في معنى المتشابه (إصطلاحا) في مادة المتشابه
فقال هو مالم يُلَّقَ معناه من لفظه وهو على ضربين:
أحدهما:
إذا رُدَّ إلى المُحكَم عُرِفَ معناه
وثانيهما:
مالاسبيل إلى معرفة حقيقته فالمتتبع له مُبتَغِ للفتنة لايكاد ينتهي إلى شيء
تسكن نفسه إليه.
هذا بحسب تحديد اللغويين لمفهوم المتشابه
أما المفسّرون فقد وضّحوا المفهوم أكثر في تطبيقاته.
فقذ ذكر السيد الطباطبائي في هذا المجال بيانه فقال:
:: والمراد من المتشابه القرآني هو كون الآية بحيث
لايتعيَّن مرادها لفهم السامع بمجرد سماعها
بل يتردد بين معنى ومعنى حتى يَرجع إلى مُحكمات الكتاب فتعيِّن هي معناها وتبينها بيانا
فتصير الآية المتشابه عند ذلك محكمة بواسطة الرجوع إلى الآية المحكمة الأصلية.
ومثال ذلك : عندما تسمع قوله تعالى :
(( الرحمن على العرش استوى)) :5: طه.
فهذه آية متشابه ففيها يشتبه المراد على السامع من معنى استواء الرحمن على العرش أو ل مايسمعه
ولكن عندما يُرجعها إلى المحكم الأصلي وهو قوله تعالى
((ليس كمثله شيء)):11:الشورى.
فحينها يستقر الذهن على أنّ المراد
ب(الرحمن على العرش استوى)
هو التسلط على الملك والإحاطة على الخَلق دون التمكن والإعتماد على المكان المُستَلزم للتجسيم
المستحيل عليه تعالى::
: الميزان في تفسير القرآن:السيد الطباطبائي:ج3:ص19.
:: الوظيفة الشرعية للإنسان المسلم تجاه المُحَكم والمتشابه::
==============================
من المعلوم قرآنيا أنَّ الآية الشريفة في قوله تعالى::
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7
هي ذاتها حددتْ الموقف العملي تجاه التعاطي مع المُحكم والمتشابه في الفهم الدلالي لهما
فصنَّفَتْ المُتلقين للنصوص القرآنية إلى صنفين رئيسين :
::أحدهما::
هم أصحاب الرأي والإستحسان والمريضي القلب والعقيمي الفهم وهولاء يتبعون المتشابه بمعزل عن إرجاعه إلى محكمات الكتاب العزيز
إبتغاءً وطلباً للفتنة والضلالة
وهذا إنما يحصل منهم بسبب زيغهم وميلهم فكرا وعملا وإعتقادا عن الحق وشريعته.
وأما ::ثانيهما::
فهم النخبة المعصومة من النبي والأئمة المعصومين :عليهم الصلاة والسلام:
وأتباعهم الذين يرجعون إليهم في فهم المتشابه قرآنيا ويُسلّمون به تعبديا
فلذا قال الله تعالى حكاية عنهم.
((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ )).
وقد حددت الروايات الموقف العملي لنا تجاه المُحكم والمتشابه قرآنيا.
فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق :ع:
أنه قال::
::: إنَّ القرآن مُحكم ومتشابه
فأما المُحكم فتؤمن به وتعمل به وتدين به
وأما المتشابه فتؤمن به ولاتعمل به
وهو قوله تعالى:
((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ))
والراسخون في العلم هم آل محمد:ص: ::
: تفسير العياشي: محمد بن مسعود العياشي: ج1:
ص 162.
وعلى هذا الأساس القرآني والروائي في كيفية التعاطي مع القرآن الكريم وخاصة في محكمه ومتشابه
يجب علينا تدبُر آيات الله تعالى من خلال إرجاع المتشابه إلى المحكم إرجاعا مستقيما
يحفظ لنا مراد القرآن الكريم في متشابهاته
ولايجعلنا نقع في الضلالة والفتنة
كما وقع الآخرون حينما تمسكوا بظواهر الألفاظ القرآنية فجسموا الله تعالى
وقالوا أنّ له يد وعرش ومكان معاذ الله من ذلك وتعالى سبحانه علوا كبيرا.
:: الحكمة من إشتمال القرآن الكريم على المتشابه::
===========================
بعد ما نعلم إنَّ القرآن الحكيم بمجمله نزل تبيانا لكل شيء وبيانا واضحا
قد يرد سؤال على الذهن البشري وهو
ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم
وهو غير متضح الدلالة في حد ذاته لأول وهلة ؟
إلاّ بعد إرجاعه إلى المُحكم كي تتضح دلالته ومفاده
وقد أجاب العلماء والمفسّرون عن ذلك فقالوا :
:: إنَّ القصور حقيقة هو في عقولنا وعدم قدرتها على فهم المتشابه لوحده من دون إرجاعه إلى المحكم القرآني المبين
وإلاّ ففي الواقع لايوجد قصور في القرآن ولامتشابهه
فاللبس في فهم مراد ومعنى المتشابه يحصل عندنا بشكل شك غير مقترن بعلم
سرعان ما يتلاشى هذا الشك بمجرد الرجوع إلى المحكم وتحكيمه في تحديد دلالة المتشابه ::
:: مواهب الرحمن في تفسير القرآن: السيد السبزواري:ج5:ص70.: بتصرف مني:
وقد يُراد من تضمين القرآن الكريم للمتشابه
هو لأجل تحريك ذهن المتلقي وجعله يُفكّر ويتعاطى علميا مع نصوص القرآن الكريم
كمحفز للوعي الجديد الذي يؤسس له القرآن الكريم في منظومته الخالدة للبشرية جمعاء.
حالها حال التعاطي مع فواتح السور القرآنية من الحروف المقطعة والتي هي الأخرى إخترقت نظام اللغة العربية وغايرتها تأسيسيا
غرضاً منها لبث قيم جديدة وإبتكارات بيانية تعجزهم وتدلل على أنها من الله تعالى .
فوجود المتشابهات قرآنيا لايتعارض مع كونه تبيان لكل شيء كما في قوله تعالى:
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89.
بمعنى:
وقد نَزَّلْنا عليك القرآن توضيحًا لكل أمر يحتاج إلى بيان
كأحكام الحلال والحرام والثواب والعقاب وغير ذلك
وليكون هداية من الضلال, ورحمة لمن صدَّق وعمل به, وبشارة طيبة للمؤمنين بحسن مصيرهم.
وبعد ما نُرجِع المتشابهات إلى مُحكمات القرآن الكريم قد تكون من الحكمة في إختبار المتلقي للنص القرآني
وإمتحانه في مدى قدرته على فهم مراد القرآن الكريم
أو مدى قدرته على الرجوع إلى أهل العلم وفَهمة القرآن الكريم
والسلام عليكم ورحمة اللهّ وبركاته
مرتضى علي الحلي :: النجف الأشرف .
|
|
|
|
|