|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 50367
|
الإنتساب : May 2010
|
المشاركات : 299
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
هل ستعيد المعارضة السورية حذائي المسروق؟
بتاريخ : 18-07-2013 الساعة : 10:02 PM
هل ستعيد المعارضة السورية حذائي المسروق؟
د.حامد العطية كنت في زيارة قصيرة للأهل، اضطرهم الإرهاب في بغداد لسكنى الشام، رافقتهم في زيارة للمسجد الأموي، عند المدخل مكان لاستلام الأحذية، إن اختار الزائر ذلك، لكني فضلت الابقاء على حذائي، بعد إلقاء نظرة على باحة المسجد، وبالتحديد البساط الممدود لمرور الزوار والمصلين، وقد بهت لونه الأزرق نتيجه تلوثه بفضلات حمام المسجد، عند مدخل المزار خلعت حذائي وأودعته في المكان المخصص لذلك، وأديت صلاة التحية، ثم عدت لالتقط حذائي، فلم أجده.
لم يفاجأ المسؤولون عند مدخل المسجد، أخبرونا بأن سرقة الأحذية من المسجد حدث معتاد، وغير بعيد عن المدخل كان هنالك متجر لبيع الأحذية، محض صدفة ربما.
ذكرتني سرقة الحذاء بذلك التاجر الدمشقي، كنت قد كلفت كهربائياً ببعض الاصلاحات في الشقة التي سكنتها في دمشق أثناء إقامتي في المنفى في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وثقت بالكهربائي، كان يشتري ما يحتاجه ويقدم لي قائمة فأدفع له بالكامل، وبعد تغليب حسن الظن جاء دور نقيضه، قصدت سوق تجار الكهرباء، ليطمأن قلبي، وقفت أمام واجهة المتجر الذي يشتري منه الكهربائي، ورأيت بعض ما اشتراه الكهربائي معروضاً في الواجهة الزجاجية، بأسعار أدنى بكثير من أسعارها في قائمة الكهربائي، في داخل المتجر وجدت صاحب المتجر وابنه الصغير يصليان، فانتظرت حتى فرغا من الصلاة، وبعد شرحي للموضوع سألته: لم أسعار المواد في القائمة التي زودت بها الكهربائي أعلى بكثير من اسعارها في متجرك؟ اجابني من دون تردد أو تلعثم: عندما يشتري منا كهربائي لحساب عميل لديه نزوده بقائمة فارغة ليملؤها هو كما يشاء وبالأسعار التي يقررها. قلت مستنكراً: ولكن الرجل سرقني وأنت ساعدته على ذلك. فرد علي: هذا ما يفعله كل التجار في الشام. قالها ولم تمض سوى دقائق على انتهاءه من الصلاة، وعلى مسمع من ولده.
هنالك حالات مماثلة، يعايشها أو يسمع بها القاطنون في سورية، وهي تقود إلى نتيجتين محتملتين: أولها وجود خلل بدرجة أو أخرى في منظومة القيم والقواعد الأخلاقية في المجتمع، وهو ما تجمع عليه الحكومة والمعارضة في الوقت الحاضر، إذ الطرفان يقران أو يستشعران حاجة ملحة للإصلاح، لكنهما يختلفان حول الوسائل والتفاصيل، والمعارضة بالذات تصر على أن الفساد مستفحل إلى درجة تحتم اسقاط النظام كشرط لازم ومدخل وحيد للبدأ بعملية الإصلاح، وبالمقابل فإن وقوف قطاع مجتمعي لا يستهان به مع الحكومة هو في حكم منطق المعارضة دليل على استشراء الفساد في المجتمع، كما أن العنف الدائر حالياً وما تخلله من فظائع شاهد قوي آخر على وجود فكر وسلوكيات فاسدة ومفسدة، تتمثل في الاستهانة بالأرواح والقسوة المفرطة واحتكار الأرزاق والاستغلال والابتزاز والخطف والسرقة وغيرها من أصناف الفساد.
النتيجة الثانية هي الازدواجية الواضحة في منظومة القيم والمعايير السلوكية في المجتمع، والتي تبرز جلية في التناقض الحاد بين السلوك الفردي والقيم الدينية، والمتمثل في الحالتين المسرودتين في اعتبار السرقة من مسجد ظاهرة اعتيادية، وتواطؤ أو تستر التاجر المحافظ على صلاته مع الكهربائي السارق، وبالنتيجة فلا نجد في المثالين لأوامر ونواهي الدين أي تأثير فعال، بل يبدو أن الأسوأ قد حدث، وهو تعايش التدين ( أي فكر ووممارسة المنتسب لهذا الدين) مع الفساد، وكأن كل واحد منهما يشغل إقنيماً مختلفاً، لا تنافذ بينهما، وهكذا يسوغ المرء المصلي لنفسه السرقة أو التستر على سارق.
الازدواجية والتناقض ماثلان أيضاً في فكر وسلوك المعارضة السورية، ونجدها بالتحديد في أقوال وأفعال السيد أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني المعارض المستقيل، والذي خلفه الشمري الجربا قبل فترة قصيرة.
نقرأ في سيرة الشيخ الخطيب بأنه ورث مهام الوعظ في المسجد الأموي من والده، وإذا كانت إمامة المسجد وظيفة متوارثة في مجتمع ما فلم يستغربون وراثة الإبن بشار لأبيه حافظ الأسد في رئاسة الدولة، ويكتب الشيخ الخطيب مستذكراً سيرة والده بأنه: ( قضى على منبر الأموي أكثر من أربعين عاماً ما لوث عمامته بنفاق أحد)، وهو تاريخ مجيد يستحق الإشادة، ولكن في الوقت ذاته دليل على أن النظام السوري لم يكن يجبر مشايخ الدين مثل أبيه على تملق النظام، وكنت أتوقع العكس من ذلك، قياساً على طبيعة النظام البعثي البائد في العراق مثلاً، وللمرحوم والده موقف يحمد عليه أيضاً أثناء "فتنة الثمانينات"، حسب تعبير معاذ الخطيب، وهو ( رفض الوالد أن يكون هناك صف إسلامي يحمل السلاح في الأمة)، وفي مقال للكاتب علاء الدين آل رشي بعنوان (أحمد معاذ الخطيب كلمة الدين والعقل والإنسان) منشور في موقع رابطة أدباء الشام: (http://www.odabasham.net/show.php?sid=1709)
يؤكد فيه تطابق المواقف بين معاذ الخطيب ووالده، إذ ينقل عن الخطيب الابن قوله: (لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب) وهنا يبرز تناقض صارخ آخر، بين رفضه هو وأبيه الفتنة وحمل السلاح بين المسلمين ورئاسته للمعارضة ودفاعه عن العمليات العسكرية التي تنفذها المعارضة المسلحة، ولا ينتهي التناقض هنا، فالمعروف أن معاذ الخطيب طرد من وظيفة الوعظ لمعارضته حرب أمريكا وحلفائها بما فيهم سورية لتخليص الكويت من الاحتلال العراقي، ولكنه اليوم وبقية أعضاء الائتلاف الوطني المعارض يكررون الدعوة لأمريكا والقوى الغربية للتدخل العسكري من خلال القصف الجوي وفرض منطقة حظر طيران للتعجيل بسقوط النظام السوري الحاكم.
وتتوالى التناقضات والمواقف الإزدواجية، إذ ذكر آل رشي في مقاله المشار إليه آنفاً تفاصيل عن لقاء بين معاذ الخطيب وبشار الأسد بعد تنصيب الأسد خلفاً لأبيه فكتب (التقى الشيخ المتحرر في مسجد الرفاعي بعد خطبة الجمعة السيد رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد وخرج الشيخ بانطباع يبشر بأمل قادم على يدي الرئيس الشاب الذي يعقد الشعب السوري الأماني الكبيرة في خطواته القريبة والواعدة و التي ستقدم سورية الى منتدى الفعل الحضاري الذي سيعيد لعاصمة الأمويين ألق العلم والسلم والتعددية والحرية والخير)، ولا ندري على أي قاعدة شرعية استند الشيخ معاذ الخطيب في تفائله بالرئيس الجديد ولكننا نعرف بأنه اليوم يعمل على إزاحته عن السلطة بالقوة وبالاستعانة بالأجانب وبشلال من الدماء، وهو الذي يكتب في موقعه بأن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم.
جذور الفساد في سورية كامنة وظاهرة في هذه الإزدواجية، ما بين القيم الدينية والأخلاقية والسلوكيات المخالفة لها، والتي تبرز في سلوك ومواقف النخبة، مثل معاذ الخطيب، وتنتشر بين عامة الناس في المجتمع، ولا يتحمل النظام السياسي الحاكم في سورية أو أي بلد إسلامي آخر وزر نشأتها، وإن كان يشجعها ويستغلها بالتأكيد، والإزدواجية ناتجة عن موقف الفرد من القيم الدينية والأخلاقية بأنها "مثالية"، فهو يقرّ بأنها جديرة بالتطبيق، لكن يرى الإلتزام بها صعباً جداً إن لم يكن مستحيلاً في ظل الظروف الموضوعية للمجتمعات البشرية، التي تتحكم الأنانية وغلبة المصالح الشخصية بسلوك جماعاتها وأفرادها، وبالتالي تتقدم المصلحة على القيم ، ويصبح تطبيق القيم والأخلاق انتقائياً، فالمسؤول الحكومي يجاهر بمبدأ النزاهة والعدالة لكنه يغض الطرف عن الارتشاء ويجاري المحسوبية، وكذلك يعظ رجل الدين غيره باحترام عصمة الدماء لكنه يخالف نفسه في مواقف أخرى، إن اقتضت ذلك مصالحه أومصالح جماعته، ويعلم الأب اولاده فضيلة الصدق بالكلام ويعودهم على الكذب بسلوكه، ولذلك يتعجب مردد المثل الدارج من الأفعال المناقضة للأقوال، وهكذا نتج وتفشى النفاق والفساد، وغدا التدين سطحياً وشكلياً لا جوهرياً، وهو حال سورية وكافة المجتمعات الإسلامية بدون استثناء، وأحد الأسباب الرئيسية لتدهور أوضاع هذه المجتمعات، بما في ذلك نظمها السياسية.
ليس بالسياسة وحدها تفسد أو تنصلح المجتمعات، فالإمام علي عليه السلام كان حاكماً صالحاً، حتى بإعتراف معظم مخالفيه، لكن ذلك لم يكن كافياً لإصلاح المجتمع الإسلامي، الذي تجاذبته الأحزاب والمصالح، وعصفت به الفتن، كما لا يكمن الحل في تغيير النظام السياسي، لأن هذا التغيير لن ينتج وحده مجتمعاً صالحاً، فقد استبشر كثير من العراقيين بسقوط الطاغوت البعثي، لكن سرعان ما خابت آمالهم، بسبب تهالك الحكام الجدد على السلطة والمصالح والأموال، وما زالت الازدواجية بين القيم والسلوك ظاهرة في سلوك العراقيين، حكاماً ومحكومين، وقد ثبت بأن بعض قادة الأحزاب الإسلامية لا يقيمون وزناً للقيم الدينية، كما أن العراقيين الذين يتذمرون من انحرافات قادتهم السياسيين عن القيم الدينية والمباديء الأخلاقية يصوتون لهم أو لأمثالهم في الانتخابات لاعتبارات طائفية أو عشائرية أو مناطقية أو عائلية.
بعد 14 قرناً على نزول رسالة الإسلام ما زلنا نأسف على الهوة الكبيرة بين خلق الإسلام وأخلاق المسلمين، وتشهد هذه الحقيقة على فشل الحكام والنخب وغيرهم من القوى الفاعلة بما في ذلك رجال الدين في إصلاح مجتمعاتنا وتقويم سلوك أفرادها، أو أنها لا تسعى بجد للإصلاح، وكل ما تصبو إليه هي القوة والسلطة والنفوذ وثمارها.
الغاية العليا للمصلحين، العلمانيون منهم والمتدينون، إصلاح الفرد والمجتمع، وهي غاية لا تتحقق بالقوة والقهر السلطوي، ولا يمر الطريق إلى الإصلاح عبر بحيرات من الدم المسفوح، ومن المفيد أن يكون الحاكم أو نظام الحكم صالحاً ومصلحاً، لكن ذلك وحده غير كاف، والأجدر البدأ بالفرد، وباستعمال طرق ووسائل فعالة، وعلى سبيل المثال لن يكون لرجل الدين، مهما بلغ من علم ومكانة، تأثيراً إصلاحياً مستداماً على فكر وسلوك الناس، إذا اكتفى بالوعظ وتوزيع أموال الزكاة والصدقات، بل المطلوب نزوله من منبره ليتفاعل مع احتياجات الناس ومطالبهم ومشاكلهم، وهذا لم يتحقق بما لديه من معرفة دينية ومهارات تقليدية، لذا لا بد أن تكون له مهنة أو حرفة، مثل الطب أو التعليم أو الهندسة أو المعمار أو العمل الاجتماعي، لكي يكون عطاءه ملامساً لاحتياجات الناس، يداوي مرضاهم مجاناً، ويساعدهم في بناء مسكن صحي، ويعلم الأميين منهم القراءة والكتابة، وينمي مهارات العاطلين عن العمل، وبالتعاون مع غيره من المصلحين، ولو كانوا علمانيين أو لا دينيين، بهذه الطريقة يكون قدوة لغيره من المصلحين، وينشر قيم التعاون والتكافل والإيثار وحسن الظن، وهي قيم أساسية وضرورية لصلاح الفرد والمجتمع، ويعكس الصورة الحقيقية والمشرقة للإسلام.
حاجة المجتمعات العربية والإسلامية للإصلاح ماسة وملحة، ولن يحققها ربيع عربي من دون رؤية واضحة، وحتى لو كانت هنالك صحوة إسلامية بالفعل فقد ثبت أن الإسلاميين لا يتقنون سوى وسائلهم التقليدية ذات الفاعلية المحدودة، وهمهم الأول الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، لذا نحن بحاجة إلى رؤية جديدة، تكون فيها الأولوية للغايتين العظيمتين للخلق ورسالة الإسلام، وهما إحياء النفس البشرية وإصلاحها، واعتماد التعلم وسيلة أساسية لذلك، وإرساء القيم العليا للدين في المجتمع بالفعل والعمل، أنذاك فقط يضمحل الفساد ويتوقف العنف وتنمو المعرفة ويحل السلام وتطبق العدالة الاجتماعية وينعم الناس بالحياة الطيبة.
17 تموز 2013م
|
|
|
|
|