|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 51434
|
الإنتساب : Jun 2010
|
المشاركات : 301
|
بمعدل : 0.06 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
وقفة مع أثار النية الخالصة ونمائها
بتاريخ : 07-08-2010 الساعة : 08:16 PM
لنقرا هذه الآية جيدا :
((أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ {الرعد/17} ))
إن للأفعال أثرًا من حيث ترابطها في دائرة الوجود ، لأن أي أثر يعتمد في عمقه في دائرة الوجود على الفعل المعتمد على مولداته . ومن الحقائق المجهولة لدى الإنسان تفاوت آثار الأفعال في عالم المادة وعالم المعنى فهو ولا يميز بين الأفعال طولا وقصرًا في تلك نتائجها ومن هنا كان من الأفعال من يكون لها تسلسل ا ثري سواء كان بتجديد الدافع أو نفس الدافع الأول .
الإنسان يجهل ذلك ولا يفرق بين هذه الأفعال إلا حين يكون أمامه الأثر المادي والله تعالى جعل الأفعال البشرية من الأسس المؤثرة في النظام العام من خلال ما تخلفه تلك الأفعال في خطوط وسبل الترابط الناتجة عنها ومقاماتها .
ومن هنا كان لكل الأفعال على اختلاف مستوياتها من حيث النوايا والإرادة والقوة الفعلية وحجم الفعل المادي وما يصاحبه من تلازم وملابسات وما كان منه ما يوافق طريق العطاء الإلهي المستهدف للغاية وما كان يمثل انحرافًا عن تلك الغاية ، فكان لكل فعل قيمته من كل ذلك .
ومن تمام ذلك أن يبين الله تعالى و يصنف الأفعال من عمق الأثر وضحالته وعدم أثريته في الوجود وعلى ذلك فقد أعطى الله تعالى موازين لكل أفعال البشر وقيمها على أساس أثرها لا على أساس حجمها .
ولهذا السبب نرى بعض الأفعال و التي ليست لها قيمة كبيرة ظاهرًا حسب المقاييس والاعتبارات الدنيوية ولكننا نراها تحظى باستحباب الهي عالي ، وعلى العكس فان بعض الأفعال الكبرى ظاهرًا ودنيويا لم تحظ بتلك القيمة مما أدى إلى إرباك في المقاييس المعتبرة في العقول الذي يكون نظامهامعتمدا على الأثر المادي.
فالنتيجة هي اختلاف المقاييس الإلهية عن المقاييس
البشرية وهذا نابع من الاختلاف الكمالي حيث صدور
المقاييس الالهية من الكمال المطلق والمقاييس البشرية صادرة عن النقص المطلق .
والموازيين الإلهية قائمة على أساس ما يراه الله تعالى من تخطيط النظام وغايته , وأما البشر فهم قاصرون عن تلك الرؤية إنما يرون بتلك الأسس الموجودة في عقولهم وهي ليست دائمة العطاء إنما هي أسس مرحلية تعطي حين مرحلتها ، ولكل مرحلة
موازينها ، ومن امثلة ذلك ما سمعنا من قصة موسى ( ع ) والعبد الصالح (ع ) وهي قضية اختلاف الموازين بين هذين الشخصين العظيمين وكلاهما على حق وإنما يرى موسى (ع) بالموازين التي هو مقيد بها وهي موازين عقلية شرعية وما رآه العبد الصالح (ع) فهي موازين في مرتبة أخرى .
لايعنينا الآن ما هي الموازين الأصلح والأكمل بالنظرة الإلهية الواقعية بل ما يهمنا هي الموازين المطالبون بها ألان والتي يجب أن نبني أفعالنا على أساسها وما هو ميزان قبول الإعمال من قبل الله تعالى ؟ وكيف نرتقي بنفس الفعل مرتبة أعلى في الرضا الإلهي ؟ .
إن مستوى قبول الفعل يعتمد على مستوى تأثير الفعل في دائرة الوجود من جهة التكامل والتكميل ماديا ومعنويا .
تتأثر دائرة الوجود بالنوايا والتي هي حقائق الأفعال وليس بحجم الأفعال أو سعتها فمهما كانت كمية ما نقدمه لله تعالى من أمور وغيرها كبيرة فليست هي الهدف إنما الهدف هو الجانب القلبي أو المعنوي الذي وراء هذه لان النظام هو معنى يحرك عالم المادة كما إن الفكرة تحرك الإنسان .
إن المهم هي الموازين التي يعتمدها الله تعالى والتي ينبغي أن نعتمدها نحن ان كنا نروم التخلق بأخلاقه أو كعبيد نبتغي مرضاته و هي الموازين المعنوية .
لان تأثير الأفعال يكون على أساس نواياها وكذلك قبولها , وقد جعل الله تعالى الميزان لقبول الأعمال هي النية والنية تشمل حقيقة الفعل ومستواه فيتصاعد مستوى الفعل ويتسافل بمستوى نيته وعلى قدر خلوص النية وصفاءها يكون نفاذها وتأثيرها في الوجود , حيث إن النظام العام مؤسس على أساس الخير وكلما كانت نية العبدفي الفعل اخلص واطهر كان لها التأثير الأعمقوالأدوم وكلما كانت نية الفعل اقل طهارة توقف تأثيرهفي مستوى محدود وان كانت النوايا سيئة أيليس لله فيها ذكر فتلك أفعال مقطوعة لا ترقىإلى التأثير ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ) لأننا قلنا إن النية هي حقيقة الفعل والفعل الذي يخلو من نية لله تعالى ليس له وجود .
الأفعال المكونة من نوايا سيئة لها اثر لكن من جهة أخرى قال تعالى : ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) أي إن لها تأثيرا سيئًا على صاحبها .
اوجب الله تعالى النية في كل فعل أريد منه التقرب إلى الله تعالى سواء كان عباديًا أو غير عبادي , واسقط الأفعال التي خلت من ذلك ولو كانت عبادية ،
ومثالها العبادات التي يكون فيها نية الرياء مهما بلغت من الكثرة فإنها ساقطة عن الاعتبار وليس لصاحبها إلا التعب وذلك لسوء نيته .
من عقبات الوصول إلى نية طاهرة وخالصة لله تعالى هو عدم توحيد الإرادة وتشتتها في جوانب عديدة من دنيا مغرية وأهواء ومصالح خاصة وغيرها , فكل ذلك له اثر في تضعيف الجانب الإلهي في نية الفعل وتلويث خلوصها .
يحتاج الإنسان إلى التصاعد المستمر في مستوى نيته وذلك بتجريدها حين الفعل من المصالح الدنية والمفسدات النفسية حتى يصل بها إلى ما يريده الحق تعالى منه وهو أن يكون فعله خالصًا لله تعالى ، بل إن رأى أن هنالك ذرة رياء في فعله توقف إلى أن يجرده من ذلك .
بل بعض الأفعال المستحبة إن كانت نيته شائبة ولا يستطيع أن يطهرها ويخلصها لله تعالى فليترك الفعل فيكون تركه لله تعالى بنيه خالصة إن لم تكن هنالك مفسدة في قناعته بترك الفعل .
ويجب أن يستمر الإنسان بمسالة التطهير ولا يتوقف
عند حد معين فان موارد الإشراك كثيرة جدًا ومن اليقين إن الله تعالى سيوفق العبد إن رأى ذلك من نيته لأن نية التطهير هي التطهير وتؤدي إلى تطهير .
الفعل المبني على نية الله تعالى سواء نية القرب لله أو نية العمل لله تعالى لا يتوقف عند القبول والتأثير بل له من مراتب النمو والانتشار ما لا يعلمها إلا الله تعالى , قال أمير المؤمنين (عليه السلام : ( ( ما كان لله ينمو ) وينمو تارة في البشر فيؤثر فيهم وفي نواياهم ، وعندما نقول يؤثر أي يؤثر تطهيرا لان النية الطاهرة تكون لها قابلية التطهير فيكون لهذا الفعل نموًا في قلوب البشر على نحو التطهير أو داعيته , لذلك قال الأمير ( ع): (ما يخرج من القلب يصل إلى القلب ) أي إذا كان الصادر مجردًا من تأثيرات النفس والناس إنما هو قلبي خالص فسوف يجد طريقه إلى قلوب الخلق .
وتارة ينمو الفعل الطاهر النية في نفس الفاعل فيفتح له أبوابًا جديدة لطهارة نيته أي مراتب أدق من تلك
الطهارة .
أما الأفعال المبنية على سوء النية وطلب غير الله تعالى في ذلك فان هذه الأفعال ليس لها من الأثر ما يذكر إنما هي حسرات على أهلها وان جلبت لهم بعض حطام الدنيا لكنها ستكون سببا وداعيًا لنزول مستواهم وتسافل نواياهم , وكما إن النية الصالحة تكون استعدادًا لنزول مرتبة جديدة من عالم الطهارة وكذلك تكون النية الفاسدة داعية لنزول مستوى النية .
ابو فاطمة العذاري
|
|
|
|
|