المدخل[القسم الأول]
لكي نغوص في أعماق البحث عن (مصحف الإمام علي(ع) ) لابد من معرفة معاني المفردات الثلاثة الواردة في عنوان البحث أولاً، كما سيتضح- من خلال البحث- أننا نبحث عن جمع الإمام علي(ع) للقرآن الكريم، وبالتالي لابد من معرفة معاني الجمع ثانياً، وسنواجه عدة عناوين مشابهة لمصحف علي(ع) كمصحف فاطمة(س) وغيره، فلابد من معرفة الفارق بين المصحف العلوي وغيره من المصاحف والكتب المشابهة له ثالثاً.
هذه ثلاث نقاط لابد من الإلمام بها قبل الولوج في صميم البحث، لكي ننقح موضوع بحثنا، فهي تشكل مدخل بحث (مصحف الإمام علي(ع))، وهي كما يلي:
أولاً: شرح مفردات العنوان (مصحف - الإمام – علي(ع)):
عنوان الكتاب: (حقيقية مصحف الإمام علي(ع) عند الفريقين)، وكلمة (الحقيقة) تشير إلى واقع المصحف، كما أن كلمة (الفريقين) تشير إلى كون البحث دراسة مقارنة تتطرق إلى أقوال الشيعة والسنة في المصحف، فالمهم إذن تسليط الضوء على (مصحف الإمام علي(ع) ) وبالتالي يصبح هو عنوان البحث، ومن الواضح أنه يتضمن ثلاث كلمات، فلابد أن نتطرق إليها تباعاً مع رعاية الاختصار قدر الإمكان، وشرح الألفاظ الثلاثة كما يلي:
الأول- مصحف: للوقوف على كنه هذه اللفظة لابد من ملاحظة معناها في اللغة والاصطلاح:
أ- المصحف في اللغة: (سُمي المصحف مُصحفاً لأنه أُصحِفَ، أي جُعِلَ جامعاً للصحف المكتوبة بين الدّفتين(1))(2)، (والصحيفة: الكتاب، والجمع صُحُف وصَحائف)(3)، (والمُصحف والمِصحف: الجامع للصُحُف المكتوبة بين الدّفتين كأنه أُصحِف، والكسر والفتح فيه لغة، قال أبو عبيد: تميم تكسرها وقيس تضمها، ولم يذكر من يفتحها ولا أنها تفتح، إنما ذلك عن اللحياني عن الكسائي، قال الأزهري: وإنما سمي المصحف مصحفاً لأنه أُصحِف أَي جُعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدّفتين، قال الفراء: يقال مُصحف و مِصحف كما يقال مُطرف ومِطرف؛ قال: وقوله مُصحف من أُصحِفَ أي جُمِعَت فيه الصحف، وأُطرف جُعِلَ في طرفيه العَلَمان، استثقلت العرب الضمة في حروف فكسرت الميم، وأصلها الضّم، فمن ضمّ جاء به على أصله، ومن كسره فلاستثقاله الضمة)(4)، وهكذا يتضح بعد مراجعة كلمات اللغويين(5)، أن المصحف في اللغة لا يختص بالقرآن الكريم، بل حقيقته مجمع الصحف، أي ما جُمِعَ بين دفتي الكتاب المشدود، وهو ما نُعَبِِّر عنه هذه الأيام بالكراسة أو الكتاب، فالمصحف في اللغة يعبر عن مجموعة الأوراق التي تُجمع وتُشد بين لوحين أو دفتين، مهما كان مضمون تلك الأوراق.
ب- المصحف في الاصطلاح: استعمل المصحف بالمعنى اللغوي المتقدم أيضاً في روايات جمع القرآن إلى عهد عثمان، فقد أطلق على مجموعة الصحف القرآنية التي بين دفتين في روايات أهل البيت (ع)، وروايات أهل السنة، وكذلك في مصطلح الأمم السابقة، ونذكر لكل منها مثالاً على سبيل الاختصار:
1- روايات أهل البيت: ذكر الكُليني(ت329هـ) في كتاب فضائل القرآن الباب السابع تحت عنوان (باب قراءة القرآن في مصحف)، وفيه هذه الرواية (عن أبي عبد الله(ع) قال: من قرأ القرآن في المصحف مُتع ببصره وخُفف عن والديه وإن كانا كافرين)(6)، والرواية يفهم منها أن القرآن قد يقرأ عن ظهر قلب، وقد يقرأ من المصحف، أي مجموعة الصحف التي كتب عليها القرآن الكريم، فالمصحف أي الكتاب المجلد قد يكون قرآناّ وقد يكون غيره، وسيأتي أن مصحف فاطمة(س) ليس قرآناً، مع أن الروايات قد أطلقت عليه لفظ المصحف.
2- روايات أهل السنة: ذكر البخاري(ت256هـ) في كتاب فضائل القرآن عندما تطرق إلى جمع عثمان للقرآن ما يلي: (فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك....)(7)، والمراد ننسخ كتباً ومجلدات من القرآن على غرارها0(8)
3- مصطلح الأمم السابقة: سميت الكتب الدينية للأمم السابقة بالمصحف أو الصحف، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}(9).
روى ابن سعد (عن سهل مولى عُتيبة أنه كان نصرانياً من أهل مريس، وأنه كان يتيماً في حجر أمه وعمّه، وأنه كان يقرأ الإنجيل، قال: فأخذت مصحفاً لعمي فقرأته حتى مرت بي ورقة، فأنكرت كتابتها حين مرّت بي ومسستها بيدي، قال: فنظرت فإذا فصول الورقة ملصق بغراء، ففتقتها فوجدت فيها نعت محمد’ أنه لا قصير ولا طويل)(10).
إذن استخدم المصحف بالمعنى اللغوي في روايات العامة والخاصة وكتب الأمم السابقة(11)، لكن في زماننا هذا (غلب استعماله في القرآن الكريم)(12)، بحيث ما إن تطرق أسماعنا لفظة المصحف إلا وتبادر إلى أذهاننا القرآن الكريم في الغالب.
الثاني- الإمام: لكي تتضح هذه المفردة، لابد من الاطلاع على معناها في اللغة والاصطلاح:
أ- اللغة: (الإمام: الطريق، قال تعالى {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ}(13))(14)، (والإمام: كل من اقتدي به وٌقدم في الامور. والنبي’ إمام الأئمة، والخليفة إمام الرّعية، والقرآن إمام المسلمين)(15)، (والإمام: كل من ائتمَّ به قومٌ كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين)(16)، (ويقال للطريق إمام، لأنه يُؤم أي ُيقصد ويُتبع)(17)، (والإمام المؤتم به إنساناً كأن يقتدي بقوله أوفعله، أو كتاباً أو غير ذلك محقاً كان أو مُبطلاً وجمعه أئمة) (18) فالإمام في اللغة كل مايُتّبع ويقتدى به، سواء كان في طريق الخير أو الشر، وجمعه أئمة وأيّمة(19).
ب- الاصطلاح: يطلق لفظ الإمام في مختلف العلوم والأبواب، ويختلف معناه بإختلاف الباب الذي يذكر فيه، فمثلاَ حينما يذكر في الفقه في باب صلاة الجماعة يراد به من يصلي بالجماعة، ويقتدون به في صلاتهم، لكن المهم هنا معرفة معنى الإمام في العقائد وعلم الكلام؛ لأننا نتكلم هنا عن الإمام علي(ع)، وتعريف الإمامة عند السنة والشيعة تقريباً متفق عليه، وإنما الخلاف في الشروط؛ ولذلك سننقل تعريف الإمامة أولاً، ثم سنشفع ذلك بما قد يشير إلى بعض الشروط وتوضيح ذلك كما يلي
أولاً: الإمامة عند السنة: (هي رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي(ص))(20)، و(الإمام الخليفة، والإمام العالم المقتدى به)(21)، فكثيراً ما تستخدم كلمة الإمام عندهم بمعنى الحاكم(22)، أو الخليفة.
ثانياً: الإمامة عند الشيعة: (رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص إنساني خلافة عن النبي)(23)، و (ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عمداً وسهواً، لأنهم حفظة الشرع والقوّامون به، حالهم في ذلك كحال النبي(ص))(24)، فالمراد بالأئمة في الفكر الشيعي هم أوصياء النبي الخاتم الإثنا عشر اللذين نص النبي(ص) على إمامتهم، والإمام يتولى الشؤون الدينية والسياسية، وطاعته واجبة ومفترضة على جميع المسلمين؛ ولذلك تشترط الإمامية العصمة في الإمام الذي يعين عن طريق النص(25).
الثالث- علي(ص): هو (أمير المؤمنين، وابن عم خاتم النبيين: علي بن أبي طالب.....، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وهي أول هاشمية ُولدت لهاشمي، وعلي أول من صدّق رسول الله(ص) من بني هاشم، وشهد المشاهد معه، وجاهد بين يديه، ومناقبه أشهر من أن تُذكر، وفضائله أكثر من أن تُحصر)(26)، والإمام علي(ع) هو وصي النبي(ص)، وأول الائمة عند الشيعة، وهو رابع الخلفاء الراشدين عند السنة، وقد تزوج بفاطمة بنت رسول الله(ص)، وقد أنجبت له الحسن والحسين(ع)، وزينب(ع)، ولد في الكعبة يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولابعده مولود في بيت الله الحرام سواه إكراماً له(27)، واستشهد في محراب الكوفة سنة 40 هجرية(28).
بعد أن اتضحت هذه المفردات الثلاث، نقول: إن البحث يدور حول الجهد الذي بذله الإمام علي(ع) في جمع القرآن في مصحف واحد، ومن هنا لابد أن نذكر معاني الجمع لكي نوضح مرادنا من جمعه (ع) للقرآن الكريم، وهذا ما سنوضحه في النقطة الثانية.
ثانياً: معاني جمع القرآن الكريم:
قبل التطرق إلى معاني الجمع، لا بأس أن نتطرق إلى الزمن الذي جمع فيه القرآن الكريم، فقد اختلف الباحثون في علوم القرآن في تحديد الزمان الذي جُمِعَ فيه القرآن، ومن الذي أمر بذلك؟..، ويمكن أن نتصور ستة وجوه أو احتمالات في ذلك كما يلي:
1- إن جمع القرآن الكريم كان في عصر النبي محمد(ص).
2- إنه جُمِعَ في عهد أبي بكر بن أبي قحافة.
3- إنه جُمِعَ في عهد عمر بن الخطاب.
4- إن ابتداء جمعه كان في عصر أبي بكر، وتمامه كان في عصر عمر بن الخطاب.
5- إنه جُمِعَ في عهد عثمان بن عفان(29).
6- إن القرآن قد دوّنه وكتبه الإمام علي بن أبي طالب(ع) في حياة الرسول الأعظم(ص)، لكن جمع الإمام علي(ع)للقرآن في مصحف واحد على أثر وصية النبي(ص)، إنما كان بعد رحيل الرسول(ص) عن الدنيا الدنية.
ونحن نتبنى الرأي السادس، وهو محل بحثنا، إذ سنثبت إن شاء الله تعالى أن الآمر بجمع القرآن كان النبي الخاتم(ص)، وأنه كان يملي القرآن على الإمام علي(ع)، وكان الإمام يكتب ما أملته الأنفاس المباركة لرسول الله(ص) في قطع متفرقة، وبعد وفاة الرسول(ص) جمع أمير المؤمنين تلك القطع المتفرقة في مصحف واحد بين لوحين في ثلاثة أيام، بعد أن رتبها، فرسول الله(ص) كان السبب وكان علي المباشر، ومكان الجمع كان المدينة المنورة؛ إذ أن الإمام علياً(ع) بعد أن جمعه جاء به إلى القوم في مسجد رسول الله(ص) بالمدينة، وزمان الجمع كان ثلاثة أيام أو سبعة أيام أو ستة شهور على اختلاف الروايات، وإن كنا نميل إلى القول الأول كما سيأتي مفصلاً في ثنايا البحث(30).
لكن ترجيح أحد هذه الوجوه(31) يتوقف على تحديد المعنى الذي نقصده بجمع القرآن، فما هي المعاني التي اسُتعمل فيها لفظ الجمع في الروايات؟ يمكن أن نذكر ستة معاني:
1- حفظ القرآن في الصدر عن ظهر قلب، ومنه يقال جُمّاع القرآن، أي حفاظه(32).
2- كتابة القرآن على الأدوات المتوفرة، ولكن مفرق الآيات والسور من دون ترتيبها.
3- كتابة القرآن، مع ترتيب الآيات دون السور، فكل سورة تكتب على رقعة من الرقاع.
4- كتابته متسلسل الآيات، مرتب السور في مصحف واحد.
5- نسخ القرآن على قراءة واحدة في مصحف واحد.
6- كتابة القرآن مرتب الآيات، مع!ضافة مايرتبط به من أسباب النزول وغير ذلك.
وأما تطبيقات هذه المعاني، فقد مرت بأكثر من عهد(33)، ففي عهد رسول الله(ع) جمع القرآن بالمعنى الأول والثاني والثالث، وأما المعنى الرابع فُيدّعى أنه تم في عهد أبي بكر أو عمر على اختلاف أهل السنة في ذلك، وأما المعنى الخامس فقد تم في عهد عثمان، فيبقى المعنى السادس والأخير وهو ما ينطبق على مصحف الإمام علي(ع)؛ إذ سيتضح _ من خلال البحث _ أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) هو أول من كتب القرآن مرتباً، وجمعه بين لوحين في مصحف واحد، فينطبق عليه المعنى الرابع أيضاً، فهو أسبق من أبي بكر وعمر وعثمان في تدوين القرآن في مصحف بعد رحلة الرسول(ص)، بل أسبق الصحابة على الإطلاق، ويضاف إلى ذلك أنه ذكر في مصحفه المبارك ما يرتبط بالقرآن من التفسير و أسباب النزول، والمحكم والمتشابه، وغير ذلك كما سيأتي؛ وبذلك يصدق عليه المعنى السادس من معاني الجمع.
والخلاصة إن المعنى الرابع والسادس للجمع ينطبق على مصحف الإمام علي(ع)، ونحن نريد كليهما، لكننا نركز على المعنى الرابع لإثبات أسبقية أمير المؤمنين على غيره في جمع القرآن بين دفتين؛ إذ أن من أدعي لهم الأسبقية، لم يذكر في حقهم أنهم أدرجوا في مصحفهم ما يرتبط بالقرآن من تفسير وغير ذلك من الأمور التي يتضمنها المعنى السادس.
ثالثاً: الفارق بين المصحف العلوي وغيره من الكتب المشابهة له:
هناك عدة كتب ومصاحف قد ذُكرت في الروايات والمؤلفات، لا بأس أن نشير إليها لبيان الفارق بينها وبين مصحف الإمام علي(ع)، حتى لا يحصل الخلط بينها، ومن أهم تلك الكتب ما يلي:
الأول- مصحف فاطمة(س):
تشير الروايات(34) إلى أن فاطمة الزهراء(س) دخلها حزن شديد بعد فراق أبيها رسول الله(ص)، فوكل الله لها ملكاً يسليها، فكان الملك يملي، وكان الإمام علي(ع) يكتب، فسمي المصحف بإسمها مع أن كاتبه أمير المؤمنين(ع)؛ لأن الإلهام كان لها، والخطاب موجه إليها، لكن هذا المصحف كان خالياً من أمرين:
1- القرآن الكريم.
2- الأحكام والحلال والحرام، فقد جاء في صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: (وإن عندنا لمصحف فاطمة÷، وما يدريهم ما مصحف فاطمة(س)؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم، قال: إنه لعلم وما هو بذاك. ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان، وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة)(35).
فالفارق بين مصحف علي(ع) و مصحف فاطمة(س) ما يلي:
أ- مصحف علي(ع) أملاه رسول الله(ص) مما أوحاه الله إليه، ومصحف فاطمة(س) أملاه ملك على علي(ع) و فاطمة(س)، وقد كتب كلا المصحفين الإمام علي(ع)؛ فلذلك قد يخلط بينهما البعض.
ب- مصحف علي(ع) جمع للقرآن وفيه الأحكام، ومصحف فاطمة خالٍِ منهما، بل فيه ذكر لما كان وما يكون، وكلا المصحفين من مصادر علوم الائمة(ع) (36).
الثاني- كتاب علي(ع):
تشير الروايات(37) إلى وجود كتاب في الحلال والحرام أملاه رسول الله’، وكتبه أمير المؤمنين(ع)، فقد جاء في رواية الصيرفي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: (إنّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس، وإن الناس ليحتاجون إلينا، وإن عندنا كتاباً إملاء رسول الله(ص) وخط علي(ع)، صحيفة فيها كل حلال وحرام، وإنكم لتأتونا بالأمر فنعرف إذا أخذتم به ونعرف إذا تركتموه)(38)، فالفارق بين كتاب علي(ع) ومصحفه(ع) ما يلي
أ- مصحف علي(ع) جمع للقرآن، وكتابه(ع) جمع للأحكام، وكلاهما كان بإملاء النبي(ص)، وخط علي (ع)؛ فلذلك خلط البعض بينهما، وكلاهما من مصادر علوم الأئمة(ع).
ب_ كلاهما كان من مختصات الأئمة، لكنهم كانوا يطلعون أصحابهم على كتاب علي(ع) بحيث ينظرون إليه، بخلاف مصحف علي(ع) _كما سيتضح من خلال البحث_ فإنهم لم يجعلوه بمرأى ومنظر خواصهم، وكلا الكتابين كان من مختصات الأئمة ومن مصادر علومهم(39).
الثالث- الجامعة:
تشير الروايات(40) إلى وجود صحيفة عند الأئمة، فقد جاء أيضاً في صحيحة أبي بصير المتقدمة عن الإمام الصادق(ع) مايلي: (يا أبامحمد! وإنّ عندنا الجامعة، ومايدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جُعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله(ص) وإملائه من فلق فيه، وخط عليّ بيمينه، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتّى الأرش في الخدش)(41)، والظاهر _بعد ملاحظة الروايات_ أن الجامعة وكتاب علي(ع) كتاب واحد(42) ويشهد لذلك أمران:
أ- وحدة حجمهما (سبعون ذراعاً).
ب- وحدة مضمونهما ومحتواهما(43).
اذن الفارق بين مصحف علي(ع)، والجامعة، هو نفس الفارق بين مصحفه(ع) وكتابه، وقد ذكرنا فارقين فيما تقدم فلاحظ.
الرابع- الجفر:
تشير الروايات(44) الى وجود الجفر عند الائمة(45)، فقد جاء في رواية أبي عبيدة (سأل أبا عبدالله(ع) بعض أصحابنا عن الجفر فقال(ع): هو جلد ثور مملوء علماً)(46)، لكن بعد التأمل يظهر أن الروايات تحدثت عن أربعة جفار عند الأئمة(ع) (47) وهي:
1- كتاب الجفر: تفيد الروايات، أن النبي(ص) كان قد أملى محتواه، وكان علي(ع) يكتب ما يمليه رسول الإنسانية، وكان الاملاء والكتابة قد حصلا في أواخر حياة الرسول الأعظم(ص)، وكان الجفر يشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ماكان وما يكون إلى يوم القيامة، فهو يغاير كتاب علي(ع) (الجامعة)، لأنه كتاب الاحكام والحلال والحرام، ويغاير مصحف فاطمة(س)؛ لأنه كان بإملاء الملك، والجفر كان بإملاء النبي(ص).
2- الجفر الأبيض: وهو وعاء جلد شاة يحتوي على كتب مقدسة وهي:
أ-زبور داود. ب- توراة موسى.
ج- إنجيل عيسى. د- صحف إبراهيم.
هـ كتب الله الاولى(لعل المراد كتب الانبياء السابقين).
و- مصحف فاطمة(س).
ولعل كتاب علي(ع) (الجامعة) أحد الصحائف الموجودة في الجفر الأبيض(48).
3- الجفر الأحمر: وهو وعاء من جلد شاة يحتوي على سلاح رسول الله(ص).
4- جلد الثور: وهو وعاء كبير يحتوي على الجفرين الأبيض والأحمر(49).
وبملاحظة ما ذكرنا أعلاه يتجلى الفارق بين الجفر ومصحف الإمام علي(ع) فيما يلي:
أ- المصحف العلوي جمع للقرآن الكريم، بخلاف الجفر فقد تضمّن أموراً كثيرة.
ب- المصحف العلوي قد جُمِعَ بعد وفاة النبي(ص) بوصية منه-كما سيتضح من خلال البحث- بخلاف الجفر، فكل من المصحف وكتاب الجفر كان بإملاء النبي(ص) وخط علي(ع)، وهذا ما قد يوجب خلط البعض بينهما، إلا أن جمع المصحف بين دفتين كان بوصيُة من النبي(ص)، وهذا ما لم يذكر في حق الجفر.
الخامس- مصاحف الصحابة والتابعين وأمهات المؤمنين:
ذكر الباحثون في علوم القرآن(50) عدة مصاحف، وهي عبارة عن مدونات بعض الأفراد للقرآن الكريم، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام كما يلي:
أ- مصاحف الصحابة: وقد نسبت بعض المصاحف إلى كل من:
1- أبوبكربن أبي قحافة. 2- عمر بن الخطاب.
3- عثمان بن عفان. 4- أبي بن كعب.
5- عبدالله بن مسعود. 6- عبدالله بن عباس.
7- عبدالله بن عمر. 8- عبدالله بن الزبير.
9- عبدالله بن عمرو بن العاص.
10- مصحف علي بن أبي طالب، وهو محل بحثنا، وهو أسبقها.
ب- مصاحف أمهات المؤمنين: وقد نسبت بعض المصاحف إلى كل من:
1- عائشة بنت أبي بكر. 2- حفصة بنت عمر. 3- أم سلمة.
ج- مصاحف التابعين: نُسِبَ (51) إلى بعض التابعين مصاحف، وممن ُذكِرت أسماؤهم مايلي:
1- سعيد بن جبير. 2-عطاء. 3- مجاهد. 4- عكرمة.
5- عبيد بن عمير. 6- صالح بن كيسان. 7- حطان بن عبدالله.
8- محمد بن أبي موسى. 9- علقمة. 10- الأعمش.
بعد ملاحظة ما ذكر بشأن هذه المصاحف، يتضح أن الفارق بينها وبين المصحف العلوي يكمن فيما يلي:
1- المصحف العلوي كان قد جمع بوصية من رسول الله(ص)، بخلاف هذه المصاحف.
2- تضمّن المصحف العلوي مايتعلق بالقرآن من تفسير وغيره، بخلاف هذه المصاحف.
3- المصحف العلوي كان بإملاء رسول الله’، ولم يذكر هذا الامتياز لهذه المصاحف.
4- مصاحف الصحابة قد أحرقها عثمان، لكن المصحف العلوي نجا من الحرق والتلف.
5- المصحف العلوي كان أول جمع للقرآن بعد رحيل رسول الله(ص)، فهو أسبقها.
وبهذا نختم النقطة الثالثة(52) من المدخل إلى مصحف الإمام علي(ع)، وخلاصة المدخل أن أمير المؤمنين(ع) عكف على جمع كتاب الله بعد وفاة الرسول(ص)، وكان جمعه للقرآن قد تميز بعدة خصائص سنتناولها في الأبواب القادمة إن شاء الله تعالى.
-----------------------
(1) (الدف والدفة: الجنب لكل شيء.... ودفتا الطبل: اللتان على رأسه. ودفتا المصحف: ضمامتاه من جانبيه).الخليل الفراهيدي(ت175هـ)، كتاب العين ج8 ص11.
(2) الخليل الفراهيدي(ت175هـ)، ترتيب كتاب العين ص440، إعداد: محمد حسن بكائي.
(3) إسماعيل الجوهري(ت393هـ)، الصحاح ج4 ص1384 تحقيق: أحمد عبدالغفور عطّار.
(4) ابن منظور(ت711هـ)، لسان العرب ج7 ص291.
(5) للاطلاع على المزيد يراجع مايلي:
1- أحمد الفيومي(ت770هـ)، قاموس المصباح المنير ص180.
2- مجد الدين الفيروز آبادي(817هـ)، القاموس المحيط ج3 ص234.
3- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ص508.
4- سعيد الشرتوني، أقرب الموارد ج3 ص180.
5- لويس معلوف، المنجد في اللغة ص 417.
(6) محمد بن يعقوب الُكليني (ت329هـ)، أصول الكافي ج2 ص586 حديث 1.
(7) محمد بن إسماعيل البخاري(ت256هـ)، صحيح البخاري ص1285 باب جمع القرآن حديث4987.
(8) للاطلاع على المزيد يراجع: أبوبكر عبدالله بن أبي داود السجستاني(ت316هـ)، المصاحف.
(9) سورة الأعلى، الآيتان 18، 19.
(10) الطبقات الكبرى ج1 ص245 في ذكر صفة رسول الله ’ في التوراة والإنجيل.
(11) للاطلاع على المزيد يراجع مايلي:
1- السيد مرتضى العسكري(ت1428هـ)، المصطلحات الاسلاميةص90 تنظيم سليم الحسني.
2- حسن المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم ج6 ص196.
(12) مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ص508.
(13) سورة الحجر، آية 79.
(14) الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت175هـ)، ترتيب كتاب العين ص55.
(15) أحمد بن فارس بن زكريا الرازي(ت395هـ)، معجم المقاييس في اللغة ص48.
(16) ابن منظور (ت711هـ)، لسان العرب ج1 ص213.
(17) فخر الدين الطريحي(ت1085هـ)، مجمع البحرين ج6 ص10.
(18) الراغب الأصفهاني(ت502هـ)، معجم مفردات ألفاظ القرآن ص20.
(19) للاطلاع على المزيد يُراجع:
1- إسماعيل الجوهري(ت393هـ)، الصحاح ج5 ص1865.
2- مجد الدين الفيروز آبادي(ت817هـ)، القاموس المحيط ج4 ص105.
3- سعيد الشرتوني، أقرب الموارد ج1 ص71.
4- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط ص27.
(20) سعد الدين التفتازاني(ت793هـ)، شرح المقاصد ج5 ص 232.
وراجع أيضاً: علي الجرجاني(ت816هـ)، شرح المواقف ج8 ص376.
(21) أحمد الفيومي(ت770هـ)، قاموس المصباح المنيرص19.
(22) للاطلاع يُراجع:
1- علي بن محمد الماوردي(ت450هـ)، كتاب الأحكام السلطانية.
2- محمد بن الحسين الفراء(ت450هـ)، الأحكام السلطانية.
(23) المقداد السيوري(ت826هـ)، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ص315.
وراجع أيضاً: ابن ميثم البحراني(ت699هـ)، قواعد المرام في علم الكلام ص174.
(24) الحسن بن المطهر الحلي(ت726هـ)، نهج الحق وكشف الصدق ص164 المسألة الخامسة في الإمامة.
(25) لمزيد الاطلاع يراجع:
1- العلامة الحلي(ت726هـ)، كشف المراد في شرح تجريد الإعتقاد ص362.
2- مرتضى المطهري(ت1400هـ)، الإمامة ص38.
3- جعفر السبحاني، الإلهيات ج4 ص7.
(26) الخطيب البغدادي(ت463هـ)، تاريخ بغداد ج1 ص143.
(27) جمال الدين أحمد ابن عنبة(ت828هـ)، عمدة الطالب في أنساب آل ابي طالب ص55.
(28) اختصرنا ترجمته المباركة خوف الخروج عن صميم البحث، ومن أراد الاطلاع أكثر، عليه مراجعة مايلي:
1- محمد بن جرير الطبري(ت310هـ)، تاريخ الأمم والملوك ج3 ص450.
2- أحمد بن مسكويه(ت421هـ)، تجارب الأمم وتعاقب الهمم ج1 ص292.
3- عبدالرحمن بن الجوزي(ت597هـ)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ج3 ص315.
4- ابن الأثير (ت630هـ)، الكامل في التاريخ ج2 ص302.
5- ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة ج4 ص87.
6- عبدالله اليافعي(ت 768هـ)، مرآة الجنان وعبرة اليقضان ج1 ص79.
7- ابن كثير الدمشقي(ت774هـ)، البداية والنهاية ج4 ص215.
8- عبدالرحمن بن خلدون(ت808)، تاريخ ابن خلدون ج2ص490.
9- ابن العماد الحنبلي(ت 1089هـ)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج1 ص42.
10- المسعودي (ت346هـ)، مروج الذهب ومعادن الجوهر ج3 ص93.
11- باقر شريف القرشي، موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، 11جزء.
12- محمد الريشهري، موسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ، 12 مجلد.
وغير ذلك من الكتب والمراجع التي تحدثت حول السيرة العلوية المباركة.
(29) السيد مير محمدي الزرندي، بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص118.
(30) اقتصرنا هنا على ذكر ما توصلنا إليه من نتيجة، من دون الإشارة إلى المصادر؛ لأنها ستُذكر بالتفصيل في الباب الاول فلا داعي للإطالة.
(31) للوقوف على مباحث جمع القرآن يراجع مايلي:
1- بدر الدين الزركشي(ت794هـ)، البرهان في علوم القرآن ج1 ص233.
2- جلال الدين السيوطي(ت911هـ)، الإتقان في علوم القرآن ج1 ص155.
3- محمد عبد العظيم الزرقاني(ت1367هـ)، مناهل العرفان في علوم القرآن ج1 ص177.
4- السيد أبو القاسم الخوئي(ت1413هـ)، البيان في تفسير القرآن ص238.
5- محمد هادي معرفة(ت1427هـ)، التمهيد في علوم القرآن ج1 ص271.
6- السيد مرتضى العسكري(ت1428هـ)، القرآن الكريم وروايات المدرستين ج1ص205.
7- السيد جعفر مرتضى العاملي، حقائق هامة حول القرآن الكريم ص61.
8- د.محمد حسين الصغير، دراسات قرآنية ص67.
9- حسين جوان آراسته، دروس في علوم القرآن ص121.
ولم نتوغل في بحث الجمع؛ لأنه خروج عن صميم البحث فليُطلب في محله.
(32) السيد محمد باقر الحكيم(ت1414هـ)، علوم القرآن ص116، د. داود العطار، موجز علوم القرآن ص153 د.صبحي الصالح، مباحث في علوم القرآن ص65.
(33) يراجع: د.داود العطار، موجز علوم القرآن ص154
(34) راجع:
1- محمد بن الحسن الصفار(ت290هـ)، بصائر الدرجات ج1 ص304، الباب الرابع عشر، باب في الأئمة أنهم أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة(س).
2- محمد بن يعقوب الكليني(ت329هـ)، أصول الكافي ج1 ص296، الباب 40 من كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجامعة ومصحف فاطمة(س).
3- محمد باقر المجلسي(ت1111هـ)، بحار الأنوار ج26 ص44، كتاب الإمامة، باب جهات علومهم(ع) وما عندهم من الكتب.
فيمكن الرجوع إلى هذه الأبواب لمعرفة الجفر والجامعة وكتاب علي؛ ولذلك سنحيل فيما سيأتي من المباحث على هذا الهامش.
(35) محمد بن يعقوب الكليني(ت329هـ)، أصول الكافي ج1 ص297، حديث1، باب40 من كتاب الحجة.
(36) للإطلاع على المزيد يُراجع مايلي:
1- أكرم بركات، حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة.
2- محمود قانصو، كتاب علي(الجامعة) ص18.
3- رسول جعفريان، اكذوبة تحريف القرآن بين السنة والشيعة ص115.
(37) لاحظ المصادر الواردة في الهامش السابق المذكور في بداية تطرقنا لمصحف فاطمة÷.
(38) محمد بن يعقوب الكليني(329هـ)، أصول الكافي ج1 ص300، حديث 6 من باب40 من كتاب الحجة.
(39) للإطلاع على المزيد يُراجع ما يلي:
1- مصطفى قصير العاملي، كتاب علي والتدوين المبكر.
2- محمود قانصو العاملي، كتاب علي(الجامعة).
3- أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة ص90.
4- سيد محمد علي ايازي، مصحف امام علي(ع) ص162(فارسي)، وقد ذكر عدة فوارق بينهما فراجع.
(40) مصدر سابق.
(41) مصدر سابق.
(42) للإطلاع على المزيد راجع المراجع المذكورة في الهامش السابق.
(43) أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة ص91.
(44) مصدر سابق.
(45) راجع:
1-أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة.
2- هاشم حسن، الجفران الأكبر و الأصغر.
(46) محمد بن يعقوب الكليني(ت329هـ)، أصول الكافي ج1 ص299، حديث 5 باب 40 من أبواب كتاب الحجة.
(47) للمزيد والتوسع راجع: أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة ص52.
(48) أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة ص90.
(49) لمعرفة تفاصيل الجفار الأربعة راجع: أكرم بركات، حقيقة الجفر عند الشيعة ص55 فما بعد.
(50) للإطلاع على تفاصيل المصاحف يراجع مايلي:
1- ابن أبي دواد السجستاني(ت316هـ)، المصاحف.
2- محمد هادي معرفة(ت1427)، التمهيد في علوم القرآن ج1ص307.
3-السيد مرتضى العسكري(ت1428هـ)، القرآن الكريم وروايات المدرستين ج2ص111.
4- السيدمير محمدي الزرندي، بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص138.
5- د.محمد حسين الصغير، دراسات قرآنية ص77.
6- رسول جعفريان، اكذوبة تحريف القرآن بين السنة والشيعة ص37.
7- حسين جوان آراسته، دروس في علوم القرآن ص144.
8- أكرم بركات، حقيقة مصحف فاطمة عند الشيعة ص113.
(51) رسول جعفريان، اكذوبة تحريف القرآن بين السنة والشيعة ص44.
(52) الكثير من المباحث التي تطرقنا إليها في المدخل تحتاج إلى بحوث موسعة، إلا أننا حاولنا الإختصار قدر الإمكان؛ نظراً لأن بعضها قد يخرجنا عن بحثنا الأساسي، وهو إثبات وجود المصحف العلوي، فهي تصلح كمدخل لتوضيح موضوع البحث، ولذلك حرصنا على أن لايكون الإختصار مخلاَ؛ فأشبعناه بالفوائد المهمة في المقام.
-------------