بقلم: د. عادل عبدالمهدي* نائب رئيس الجمهورية المستقيل
نشارك الجميع هذا الخوف والقلق خصوصاً بلحاظ ما يجري في سوريا والعراق وغيرهما.. فالاجواء تحمل الكثير من عوامل التفجر.. التي تدفع عوامل التهدئة للوراء.
ففي السياسة طالما ارتكبت حماقات قاتلة بسبب الاراء المطلقة والحتمية.. مما ادى اما لتهاون يسمح بالتجاوز والعدوان، او المبالغة والانزلاق لحروب، كان يمكن تلافيها.لهذا اهمية حسن تقدير الموقف، الذي يمنع الضعف او التطرف، كلاهما.
نلحظ كسياق تاريخي عام تراجع حروب المواجهة المباشرة للدول الكبرى كالحربين العالميتين، لمصلحة حروب مناطق نفوذ وتطويق وضرب الخاصرة، كما في فيتنام وافغانستان.. ولعلنا شهوداً على تراجع هذه ايضاً لمصلحة صراع بين الدول الاقليمية ذاتها كالحرب العراقية الايرانية، والتي قد نكون شهوداً ايضاً لتراجعها لمصلحة صراعات شعوب ومكونات الدول.. لتصبح الاخيرة الشكل الاهم لحروب نهايات القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين.. ونعتقد ان تراجع منطق الحروب هو تراجع تاريخي يشبه تراجع العبودية والاستعمار والنظم الدكتاتورية.والسبب ليس اخلاقيا وحضاريا فقط، بل لاختلال مفهوم النصر وسرعة تحوله لهزيمة، ولحجم الخسائر والكلف التي يتعذر تحملها ويصعب منع انتشارها، وارتدادها على القوى التي اطلقتها. فالحروب بالسيوف والنبال والحجارة، غيرها بالبنادق والمدافع والدبابات والطائرات.. والاخيرة غير الحروب بالصواريخ العابرة القارات واسلحة الدمار الشامل.. لذلك بقيت الحروب المحدودة في اسلحتها او مساحتها، كدليل على ان اسلوب الحرب يتراجع كوسيلة اساسية لحسم النزاعات بين الدول.. وانه سائر للتراجع بين الشعوب ايضاً، لانهيار ركيزته الاساسية وهي نظم الظلم والاستبداد التي تتهاوى الواحدة بعد الاخرى.. بعد ان انهارت او تراجعت نظم الغزو والاستعمار، عدا اسرائيل.
لا يعني تقدير الموقف هذا انتهاء الحرب كاداة سياسية.. فالنقلات التاريخية ونظم العلاقات الجديدة لا تأتي دفعة واحدة.. بل بموجات..بهذا السياق نرى ترتيبات الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا.. فتراجع نظريات الحروب الشعبية والكفاح المسلح،لمصلحة نظم اكثر استقراراً وتوازناً لا تتم بخطوة واحدة.. مما يمنع الاستنتاج باننا لن نشهد اشتباكات وتصادمات.. لكنه يسمح بالتفاؤل باننا قد لا نكون امام حروب "مفتوحة"قادرة على الانتشار وتغذية نفسها بنفسها، والتي لا تتوقف الا بانتصار طرف وتدمير اخر.. بقدر ما نواجه اشتباكات "محدودة"-في مساحتها وقدراتها وليس بالضرورة بقسوتها وكلفها البشرية والمادية-نمتلك غالباً امكانيات محاصرتها وايجاد الحلول لها.