سأقول لك، ما لم يكن من الممكن من الناحية البروتوكولية أن يقوله لك أعضاء الحكومة الهندية، في زيارتك الرسمية الأخيرة للهند على رأس وفد حكومي كبير. أنا أعرف أنك حتماً لست معجباً بتجربتي في النضال، وأنك لن تكون سعيداً برسالتي وتتمنى لو أن الرصاصة التي قتلتني قبل 66 عاماً، قد تمكنت من إسكات صوتي. أعتذر لك عن هذا الإزعاج، لكني فعلاً لا يمكنني أن أصير متحفاً صامتاً، أنا أنطق بقوة كلما وجدت نضالاً سلمياً ودكتاتورية مستبدة، وأنت زرت بلدي وعليك أن تسمع صوتي مهما كان مزعجاً.
نحن بلد ديمقراطي، وقد ناضلنا كثيراً لنصل إلى مرحلة الاستقلال والسيادة والقدرة على تشكيل حكومة شعبية. لقد حققت الاستقلال لشعبي من الاستعمار البريطاني، لأني وجدت فيه عائقا دون الحرية، وناضلت ضده، ويحمل شعبي ذاكرة سيئة عن هذا الاستعمار. أتعجب منك، كيف تعتبر خضوعك للاستعمار صداقة تاريخية.
لعله تسنى لك أن تشاهد صورتي على الأوراق النقدية، ولعلك ظننت لوهلة أني أو حزبي طلب من حكومتي أو شعبي أن يضع صورتي، كما هو الأمر مع صورتك المطبوعة في أوراقك النقدية، لقد حررت أنا ورقة شعبي من الاستعمار، فأسقط صورة الملك المستعمر ووضع صورتي بعد موتي. وأخشى أن يكون مآل صورتك هو نفسه مآل صورة الملك المستعمر.
يربطنا ببعضنا تاريخ استعماري مشترك، إن عمك (محمد بن خليفة) الذي قُتل في معركة مع جدك (علي بن خليفة) جاء منفياً إلى الهند، إلى سجن قلعة أسير جور (يناير 1870- مارس 1871) ثم قلعة شونار (1871-1878)، وقد كتبت عنه الصحف حينها، لم يكن عمك مع الأسف مناضلا من أجل الحرية والاستقلال، ولو كان كذلك لما ذهبت تحتفي في 2013 بالمستعمر الذي نفى عمك ونصّب جدك تحت شروط مذلة حاكماً. إنني مضطر أن أذكرك بالتاريخ، لأني حانق من احتفائك بالقوة الاستعمارية التي ناضلت أنا ضدها. كان تسمي هذه القوة عمك وأبناء عمك (زعماء القراصنة بالبحرين).
لذلك سأقول لك بصراحة، أنا لست معجباً بتاريخ عائلتك، لكني معجب بتاريخ شعبك ليس لصلاته التاريخية ببلدي، فتلك محل تقدير كبير عندي، لكني معجب به لأنه استلهم مني الروح العظيمة (المهاتما) في المقاومة المدنية السلمية (الساتياغراها)أنا فخور بهذا الشعب الصغير، أجدهم قريبين من روحي، كنت أتمنى لو أنك جئت إلى الهند لتتعلم من تجربتها أن الاستبداد مهما كانت قوته، فإنه لا يصمد أمام قوة الإنسان في النضال من أجل الحرية.
إن العقود مع الشركات التجارية التي أبرمتها مع شركات هندية (27 اتفاقية ومذكرة تفاهم) لن تحل مشكلتك مع شعبك. صدقني، الشعوب تجوع لحريتها أكثر مما تجوع لبطونها.
لقد تأثرت أنا كثيرا بفكرة "العصيان المدني" التي تعرفت عليها عند الشاعر الأميركي هنري ديفد ثورو، فتعلمتها منه واستخدمتها كنضال سلمي مشروع، وشعبك تعلمها مني، واستخدمها، وأنا أتعجب منك، كيف حولتها إلى تهمة وزججت بهم في السجن وفصلتهم من أعمالهم. إنك في الحقيقة، قد نلت مني، وكأنك تدين شعبك لأنه تعلم مني. نعم أقولها لك في وجهك، أنا من علمتهم فكرة العصيان المدني، وأنا الذي حرضتهم ليقاوموا استبدادك.%U×0ôAأنا فخور بهذه الدروس، وروحي مطمئنة إلى أن أبناء وطني من العمالة الفقيرة التي تعيش في القرى التي تغرقها بالقمع والموت، هم آمنون من المتظاهرين، لأنهم تعلموا درس السلمية مني وأخلاقهم اللاعنفية هي محصلة دروسي، أقولها بفخر، لأني أقولها في وجهك، وأنا فخور بأن أكون معلماً وملهماً ضد كل دكتاتور.
أنا مدين لشعبك، لأنه يردد دوماً مقولتي "تعلمت من الحسين، كيف أكون مظلوماً فأنتصر" يرددها بروح متسامحة ومنفتحة، كأنه يقول الحسين وغاندي معلمان في الحرية، ودرس الحسين حين نتعلمه من غاندي، يجعلنا عشاقاً للحرية أنى كانت.فخور بأني أرجعت لهم الدرس الذي تعلمته من ثقافتهم.
أنا معجب بشعبك الصغير، أرى روحي في نضاله السلمي، أنا أقول شعبك بشيء من التسامح في اللغة، لأنه في الحقيقة ليس شعبك، فالشعب يضاف إلى من ينتخبه، وليس إلى من يُفرض عليه بالقوة، وأنت لم ينتخبك شعبك ولم يمنحك شرعية لتمثيله.أنت مفروض على شعبك بالقوة، تلك القوة التي ناضلت أنا ضدها، إنها الاستعمار البريطاني الذي تحتفل أنت هذا العام ب200 سنة من امتنانك له لأنه تثبتك وثبيت عائلتك في السلطة.أتعجب كيف تذهب لهذا المستعمر وتردد عليه ما قاله أبوك: "من قال لكم ترحلون".
أنا مؤمن "إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية..إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان" لكني أشترط لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية، تمكّنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.إنني أكرر إعجابي الشديد بأخلاق شعبك السلمية، وما تعلمته أنا في 1890 في دراسة المحاماة في البلاد التي كانت تحتل حرية بلادي (بريطانيا) هو القانون، إنه الشيء الذي عوّلت عليه في نضالي السلمي.
أجد أن شعبك أكمل تعلم درسي بشكل عظيم، من خلال استخدامه لقنوات قوانين حقوق الإنسان في نضاله السلمي.لكني أقولها في وجهك، لست متأكداً من بقية ضميرك، بل أقولها لك إنني أشكك في أن سلطتك يمكن أن تحترم شرطي (بقية من حرية ضمير وحرية) لنجاح السلمية، وأخشى على هذا الشعب المسالم أن تأخذه عنجهيتك إلى حيث لا يريد.
رسالتي الأخيرة، ليست إليك، إنها لهذا الشعب العظيم، سأقول له خلاصة تجربتي:
"سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون وفي النهاية ستنتصر"