[ بحث ] إرتداد الأمة بين الجواز العقلي والمنع السمعي !!
بتاريخ : 26-08-2012 الساعة : 02:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين ، وسيد المتقين علم الهدى ونور التقى محمد الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم من الأولين والأخرين إلى قيام يوم الدين ، آمين ...
؛ وبعد ..
كَثُرَ في كثيرٍ من المناظراتِ والحواراتِ الكلام حول إرتداد الأمة !! فهل من الجائز أن ترتد الأمة وتخالف أمراً قد كُلِّفتْ بهِ ؟!! ، وقف كثيرٌ من الوهابية أمام الشيعة في هذه المسألة وبنوا على أساسها التهويل الكثير ولجأوا إلى الإصطياد في الماء العكر !! لذلك تبادر إلى زهني كتابة موضوع مختصر بسيط يوضح المسألة في بعض جوانبها لا كلَّها ، فبالله أستعين ، وعليه معولي ومعتمدي ورجائي ...
أولاً : هل من الجائز عقلاً القول بإرتداد الأمة جمعاء ؟!!
الجواب / القول بإرتداد كل الأمة عن الإسلام لا يمنعه الدليل العقلي كما إجتمعتْ على ذلك أقوال العلماء ، أنقل ُ منها :
6- القاضي عبد الشكور البهاري : (( ( مسألة : إرتداد أمَّة عصر ) العياذ بالله تعالى ( ممتنع سمعاً ) وإن جاز عقلاً .... [6] ))
7- عضد الدين الإيجي : (( أقول : يمتنع إرتداد كل الأمة في عصر من الأعصار سمعاً ، وإن جاز عقلاً ، وقال بعضهم يجوز [7] ))
8- الأصفهاني : (( المسألة الثامة عشر : المختار أنَّه يمتنع سمعاً لا عقلاً إرتداد أمَّة محمد – صلى الله عليه [ وآله ] وسلم – بأجمعهم في عصر من الأعصار ... [8] ))
9- زكريا الأنصاري : (( (و) علم (أنه يمتنع ارتداد الأمة) في عصر (سمعا) لخرقه إجماع من قبلهم على وجوب استمرار الإيمان. وقيل لا يمتنع سمعا لا يمتنع عقلاً قطعا .... [9] ))
10- شمس الدين المحلى : (( وقيل يجوز إرتدادهم شرعاً كما يجوز عقلاً وليس في الحديث ما يمنع من ذلك لإنتفاء صدق الأمة وقت الإرتداد ... [10] ))
قلتُ : ما دام الفقهاء لا يرون مانعاً من إرتداد الأمة بالكلية عقلاً ، فمن باب أولى أنَّ إرتداد بعض الأمة أو نصفها أو جمهورها عقلاً غير مُحال !! ، أمَّا من الناحية الشرعية فقد وقع فيها خلاف فذهب البعض إلى أنَّ الشرع لا يمنع من إرتداد كل الأمة سمعاً ، وذهب البعض إلى أنَّ الأمة يمتنع عليها الإرتداد سمعاً ..!! ، وهنا نأتي بتفصيل !! ، مع تحرير لبعض تلك الآراء ؛
أمَّا القائلون بإمتناع إرتداد الأمة الإسلامية ككل فقد إستندلوا بالدليل السمعي وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا تجتمع أمَّتي على ضلالة )) ، فهذا كلام الآمدي بالإستشهاد بالحديث المذكور :
(( وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي امْتِنَاعِهِ سَمْعًا، وَالْمُخْتَارُ امْتِنَاعُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " « أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الْخَطَأِ » " إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ فِعْلِ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ [11] ))
، ولي أن أقول /
أولاً : الحديث المُستشهد به في نقض المقالة المذكورة حيث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ضعَّفه بعض الأئمة :
2- ابن حزم الظاهري : (( قال أبو محمد وقد روي أنه عليه السلام قال لا تجتمع أمتي على ضلالة وهذا وإن لم يصح لفظه ولا سنده فمعناه صحيح بالخبرين المذكورين [13] ))
قلتُ : فسند الحديث لا يصح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنمَّا هم صححوه تقبلاً لمتنه لا لسنده ، ولذلك قال ابن عثيمين : (( إسناده ضعيف لكن يشهد لمتنه نص قرآني [14] )) .
الجواب على هذا الإشكال /
من المعلوم أنَّه لا تعارض بين العقل والنقل ، وما دام العقل لم يمنع من إرتداد الأمة ككل ، فالنقل أيضاً لا يمنعه لما عُرف من عدم وجود تعارض بينها ولهذا يقول ابن تيمية : (( فَإِنَّ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ لَا يُخَالِفُ النَّقْلَ الصَّحِيحَ كَمَا أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَلَكِنْ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَظُنُّ تَنَاقُضَ ذَلِكَ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [15] )) ، وعليه فالنقل لا يخالف في حكمه حكم العقل الذي لم يمانع من إرتداد الأمة ككل ، وأمَّا ما استشهدوا به من أنَّ الأمة لا تجتمع على ضلالة وأنَّ إرتدادها هو أكبر ضلالة فكيف تجتمع عليه ؟!!
قلتُ : إنَّ هذا مُعارض لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : (( حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ اللهُ " [16] ))
فها هو الشرع يبين أنَّ الأمة سترتد في عصر من العصور فلا يُقال في الأرض كلمة (( الله )) ، وحكم الشرع مُطلق لا مقيد ، وفي حديث آخر أورده مسلم في صحيحه : (( عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى » [17] )) ، فهذا أيضاً حكم من الشرع بعدم ممانعة إرتداد الأمة جمعاء بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فإنَّ كان الشرع يمانع من إجتماع الأمة على ضلالة لمانع من هذا كما هو ظاهر في هذا الحديث !!
ثانياً : استدل بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
((" لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ بِنَا، فَيَقُولُ: لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ " [18] ))
قلتُ : هذا الحديث مُقيَّد بظهور الإمام المهدي عجَّل الله فرجه الشريف ، ونزول عيسى بن مريم عليهما السلام ، وعليه فهو لا ينافي الأحاديث الأخرى التي تقدَّم ذكرها .
ثالثاً : ظهر لنا في بعض النقولات المتقدمة أنَّ فقهاء أهل السنة مختلفون في مسألة هل إرتداد الأمة جائز سمعاً أم لا ؟!! ، وعليه سأحاول ها هنا أن اذكر أحد تلك النقولات التي تبين وجود إختلاف فيما بينهم منها أنقل منها على سبيل المثال لا الحصر التالي : ((قَوْله: {وَلَا يجوز سمعا فِي الْأَصَح، وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا} . قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره، وَصرح بِهِ الطوفي وَغَيره، وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، وَصَححهُ التَّاج السُّبْكِيّ، وَغَيرهم، وَذَلِكَ لأدلة الْإِجْمَاع، وَقَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم -: " أمتِي لَا تَجْتَمِع على ضَلَالَة " وانعقد الْإِجْمَاع.
وَخَالف ابْن عقيل وَغَيره، وَقَالُوا: الرِّدَّة تخرجهم عَن أمته؛ لأَنهم إِذا ارْتَدُّوا، لم يَكُونُوا مُؤمنين فَلم يتناولهم الْأَدِلَّة. [19] ))
قلتُ : بل هناك من الصحابة من كان يرى أنَّ الناس لا يمتنع عليهم أن يعودوا كفاراً بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ومن هؤلاء الصحابة ، الصحابي عمر بن الخطاب وهو الخليفة الثاني حيثُ نُقل عنه بسند صحيح قوله :
(( وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، أَتَخْشَى أَنْ يَتْرُكَ النَّاسُ الْإِسْلَامَ وَيَخْرُجُونَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - وَكَيْفَ يَتْرُكُونَهُ وَفِيهِمْ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَيَكُونَنَّ بَنُو فُلَانٍ [20] )) ، وعليه فهذا هو الصحابي لم يمانع من ذلك شرعاً فهذا ظاهر بعد قول عبد الرحمن بن عوف : (( كيف .. وفيهم كتاب الله وسنن رسول الله (ص) ؟!! ))
والحاصل ؛ فمن جنح إلى القول بجواز إرتداد الأمة ككل لا يمنع من إرتداد بعضها أو معظمها أو نصفها !! ، بل حتَّى القائلون بإمتناعه سمعاً لا يمنعون من هذا فكلامهم عن الإجماع ، وإرتداد البعض أو الجمهور لا يُحقق الإجماع فإنَّه قد انخرم بذلك !!
وفي الجملة : فما جنح إليه الشيعة من أنَّ العديد من الصحابة قد خالفوا أمر رسول الله فلم يتبعوا منهاج أهل البيت – عليهم السلام – على وجه العموم ، و علياً – عليه السلام – على وجه الخصوص !! ، فارتدوا بذلك عن أمر نبيهم ، فهو أمرٌ لا يمنه عقلٌ ولا شرعٌ ، وليس هو قولاً مبتدعاً لا يصح ، وإنما هو قول جائز الوقوع ، والأدلة التي برهن بها الشيعة على وقوعه تثبت ذلك !! ، فويل لأمَّة عصت ربَّها لترضي نفوسها !!!
والحمد لله رب العالمين ،،
________________
المصادر /
[1] الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ج1 ص280.
[2] مختصر التحرير شرح الكوكب المنبير : ج2 ص282 .
[3] شرح مختصر الروضة لنجم الدين : ج3 ص143 .
[4] شرح غاية السول لابن المبرد : ص259 .
[5] التحبير شرح التحرير : ج4 ص1668 .
[6] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت : ج2 ص291 .
[7] شرح مختصر المنتهى الأصولي : ج2 ص369 .
[8] بيان المختصر شرح مختصر ابن الحجاب : ج1 ص611 .
[9] غاية الوصول في شرح لب الأصول : ج1 ص115 .
[10] حاشية العلامة البناني علي شرح الجلال شمس الدين محمد بن احمد المحلي علي متن جمع الجوامع للامام تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي : ج2 ص183 .
[11] الإحكام في أصول الأحكام للآمدي : ج1 ص280 .
[12] شرح صحيح مسلم للنووي : ج13 ص67 .
[13] الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم : ج4 ص131 .
[14] فتاوي ابن عثيمين : ج8 ص649 .
[15] مجموع الفتواى لابن تيمية : ج7 ص665 .
[16] مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج19 ص100 ، وقد صححه المحقق شعيب الأرنؤوط قائلاً : ((إسناده صحيح على شرط الشيخين )) .
[17] صحيح مسلم : ج4 ص2230 .
[18] مسند الإمام أحمد بن حنبل : ج23 ص63 .
[19] التحبير شرح التحرير : ج4 ص1668 .
[20] مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : ج1 ص113 ، وعلَّق عليه الهيثمي قائلاً : (( رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ )) ، وقد وقع التحريف فيه كالعادة فكلمة " فلان " في الرواية أصلها " بنو أمية " كما جاءت في مشكل الأثار للطحاوي :ج5 ص273 .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
اقتباس :
فويل لأمَّة عصت ربَّها لترضي نفوسها !!!
قال الله تعالى
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174) سورة البقرة
ما اروع هذه الايه المباركة وهي تصف على التاويل من يجحد ولايه أمير المؤمنين ,,, أحسنتم اخي العمامة فان العقل كما تفضلت ووضعت من الادله يجوز ارتداد الامة كلها والشيعة أعلى الله مقامهم ونور برهانهم لم يدعوا ارتداد الامة كلها بل شرذمه من الامة بالاصل وبالقهر الجزء الاكبر منها ....
كم نتمى ان ينهض علماء الاشاعرة من جديد حتى يثقفوا عوامهم على الادله العقلية لان امثال الوهابيه لا يفهمون شي مما قلت لانهم عبدوا السمع وتركوا العقل ووقعوا بمثل الذي وقع به بني اسرائيل لعنهم الله