شيعي حسني
|
رقم العضوية : 24389
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 5,056
|
بمعدل : 0.87 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حيدر القرشي
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 03-06-2009 الساعة : 06:50 PM
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله} الويل لأولئك الذين يكتبون بأيديهم وينسبونه إلى الله بعنوانه كتاب الله, ويقولون: هذا كتاب الله!! فهم ينقلون من عند أنفسهم وينسبونه إلى الله, أو أنّهم يؤلّفون من عند أنفسهم وينسبونه إلى النبي, كذلك الحال في من يكتب من تلقاء نفسه وينسبه إلى الإمام, ويقول: هذا من عند الله أو من عند النبي أو من عند الإمام, فالويل لهؤلاء الناس الذين يكتبون الكتاب بأيديهم وينسبون ثم يقولون هذا من عند الله!!
يقول الإمام الحسن العسكري: ((هؤلاء القوم من اليهود كتبوا صفة زعموا أنّها صفة محمد صلى الله عليه وآله وهي خلاف صفته)) فهم يكتبون صفات نبي آخر الزمان, ثمّ يشيعونها بين الناس ويحددون صفات النبي بما كتبوه, والحال أنّها مخالفة للصفات الواقعية للنبي والتي وصلتهم من نبيّهم وتوراتهم.
((وقالوا للمستضعفين منهم: هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان. إنّه طويل عظيم البدن والبطن, أهدف, أصهب الشعر, ومحمّد صلى الله عليه وآله بخلافه, وهو يجيء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة)) ويقولون للمستضعفين من الناس, ممّن ليسوا من أهل العلم والمطالعة والتدقيق: إنّ أوصاف نبيّ آخر الزمان المرسل من قبل الله, والذي أخبرنا به موسى أنّه هو آخر النبيّين يحمل أوصافا خاصة؛ طويل القامة, ضخم الهيكل والبدن, معدته منتفخة إلى الأمام, شعره مجعّد وأحمر, والحال أنّ أوصاف النبي محمد مخالفة لذلك. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن شعره مجعدا, بل كان منسدلاً وجميلاً, كان شعره ناعما ومرسلا, ولم يكن طويل القامة, ولم يكن ضخم الهيكل, ولم تكن معدته وبطنه كبيرة بل كان على العكس... كذلك قالوا لعوامهم إنّه سيأتي بعد خمسمائة سنة.. ناسبين ذلك إلى إخبار موسى!!
لماذا يقوم علماء اليهود بذلك؟
((وإنّما أرادوا بذلك أن تبقى لهم على ضعفائهم رياستهم, وتدوم لهم إصاباتهم, ويكفوا أنفسهم مؤونة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وخدمة عليّ عليه السلام وأهل بيته وخاصّته))
إنّما قام علماء اليهود بفعل ذلك اتجاه النبي, وقلبوا الحقائق على عوامهم للحصول على فائدتين:
الفائدة الأولى:
لكي تبقى رياستهم محفوظة على ضعفائهم, فيحسّ أحدهم من نفسه أنّه عالم.. وأنّ له الرياسة عليهم.. فرياسته مرهونة بإخفاء شأن النبيّ فلا ينبغي تبيين خصائصه وأوصافه, لأنّه لو يعرّف الناس على النبيّ فسوف يذهبون إليه ولا يعودون يتّبعونه, ولن يعود هو الرئيس, بل النبيّ سيصبح الرئيس, وعليه هو أن يتّبع النبي كسائر الأفراد, والحال أنّهم لا يودّون التنازل عن مناصبهم وكراسيّهم ومكانتهم. ((وإنّما أرادوا بذلك أن تبقى لهم على ضعفائهم رياستهم, وتدوم لهم إصاباتهم)) الإصابة تعني: الأرباح والمكاسب التي يستجلبونها من قومهم؛ من المال, والنذور, ورفع الحاجيات, والتبرعات والحلويّات, المأكلولات والمشروبات التي يطعمونهم إياها.. الهدايا والخراف والنوق التي يتقرّبون بدفعها ونحرها.. فهؤلاء يريدون أن تبقى هذه الهدايا بشكل دائم. ولو تفوّهوا بأنّه هذا نبيّ آخر الزمان, فسوف ينقطع كلّ شيء. هذه هي الفائدة الأولى.
الفائدة الثانية: إذا صرّح هؤلاء بأنّ محمداً نبي حقّاً, فينبغي أن يصبحوا كسائر المسلمين متبعين للنبي, يجب أن يمتثلوا لأوامر النبي ويكونوا بخدمته, وينبغي أن يأتوا إلى المسجد, ويشاركوا في الجهاد, ويصوموا, ويصلّوا, وسوف تترتب على ذلك ألف مشقّة وألف مصيبة, فهم لا يريدون أن يتنازلوا عن أبّهتهم وسيادتهم التي بذلوا عمرهم في سبيل تحصيلها, والآن عليهم أن يتواضعوا.. ويكونوا بخدمة النبي, وخدمة أمير المؤمنين وأهل البيت وخواصّ النبي.
هاتان العلّتان توجبان أن يكتموا مقام النبي, فأصبح زعماؤهم يذكرون أوصافا للنبي خلافا لتلك الأوصاف المذكورة عندهم في التوراة, والله يردّ عليهم بقوله: {فويل لهم ممّا كتبت أيديهم وويل لهم مما يسكبون}. الويل له معنيان: المعنى الأول يأتي بمعنى التأسف والتعجب, وهي تطلق على كل أمر يثير التعجب بشكل كبير, فيقال: الويل, كما نقول نحن في الفارسية: واى!! العرب يقولون في هذه الحالة: الويل!! والمعنى الثاني للويل هو العذاب في جهنّم, فجهنّم لها مراتب ودرجات, ودركات, وكل رتبة لها خصوصيتها, فلا تظنّوا أنّه لو أردتم أن تدخلوا جهنّم يدخلونكم كيفما كان!! جهنّم لها أفراد خاصّون, والذهاب إلى جهنّم ليس أمرا سهلاً.. بل حتّى لو أذن لك بالدخول فلا يمكنك أن تذهب إلى أي مكان وحيث تشاء.. إنشاء الله نعبر جميعا على الصراط, ونشاهد جهنّم فقط من هناك. فجهنّم لها درجات ومقامات, وإحدى دركاتها اسمه الويل, {ويل للمطففين}, {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}, يقول الإمام إنّ لهؤلاء ويلان من الله, أحدهما بمعنى: العجب من فعل هؤلاء وانحرافاتهم التي عمدوا إلى تلفيقها؛ من المكتوبات المحرفة التي يكتبونها لعوامهم, ويحرّفون عقولهم بها, ويلقون على أفهام الناس الأباطيل والموهومات, ويوجبون ارتداد الناس, ويضلّون الناس ويوجبون لهم الضياع والتيه والعمى. والويل الثاني: ما هو الشيء الذي تكتسبونه من الناس؟! فقد بعتم دينكم مقابل ما تأخذونه من الناس, فقد أخذتم كوبا من الشراب, أو ذبيحة وقربانا.. سجادة.. قصراً.. فما تأخذونه ليس أكثر من ذلك, {وَ وَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُحَرَّفَاتِ وَ الْمُخَالِفَاتِ لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَءَالِهِ وَ عَلِىٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. الشِّدَّةُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ فِى أَسْوَءِ بِقَاعِ جَهَنَّمَ، وَ وَيْلٌ لَهُمْ الشِّدَّةُ فِى الْعَذَابِ ثَانِيَةً مُضَافَةً إلَى الْأُولَى بِمَا يَكْسِبُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِى يَأْخُذُونَهَا إذْ أَثْبَتُوا عَوَآمَّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وَ ءَالِهِ وَ الْحُجَّةِ لِوَصِيِّهِ وَ أَخِيهِ عَلِىِّ بْنِ أَبِىطَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَلِىِّ اللَهِ}الويل الثاني مقابل تلك الأموال التي تأخذونها من الناس مقابل تضليلهم وردّهم عن الإيمان بالنبي وحجّة الله علي بن أبي طالب, ثم مقابل هذا الإضلال تقومون بأخذ الأجر والثواب والهدية من الناس على إضلالكم لهم!! والناس مسرورون من حولكم على ما تفعلونه بهم!! فكانوا يرتقون المنبر.. ويخطبون.. ويفرحون ويمرحون.. ويؤنسون الناس.. فيعطونهم أموالا طائلة, ولا يلتفتون إلى أنّهم يأخذون من جيب هؤلاء المساكين أموالهم دون أية فائدة تعود عليهم, وأنهم يغلقون عقول الناس ويخربون منطقهم, ويغرسون في رؤوسهم وأفهامهم منظومة من الأباطيل بدلا من الحقائق.. فأي شيء أسوء من ذلك؟!
إلى هنا كان كلامنا عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام فيما يتعلّق بعلماء اليهود ومستضعفيهم.
ثم قال عليه السلام:
((قَالَ رَجلٌ لِلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَإذَا كَانَ هَؤُلَآءِ الْقَوْمُ مِنَ الْيَهُودِ لَايَعْرِفُونَ الْكِتَابَ إلَّا بِمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ عُلَمَآئِهِمْ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إلَى غَيْرِهِ، فَكَيْفَ ذَمَّهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ وَ الْقَبُولِ مِنْ عُلَمَآئِهِمْ؟ وَ هَلْ عَوَآمُّ الْيَهُودِ إلَّا كَعَوَآمِّنَا يُقَلِّدُونَ عُلَمَاءَهُمْ؟))
يقول الإمام الحسن العسكري: جاء شخص وسأل الإمام جعفر الصادق عليه السلام: إذا كان من بين هؤلاء القوم من مستضعفي اليهود الذين ذكرتهم, لا يعرفون التوراة, فلم يقرؤوا كتاب الله, يعني مصدر علومهم هو علماؤهم وما يلقيه عليهم هؤلاء المضلين, والحقيقة أنّ حال اليهود فعلا هو كذلك. إذن لماذا يذمهم الله على أنّهم يتبعون علمائهم ويقلدونهم, ويعاتبهم على عدم تقبّلهم شيئاً من غير علمائهم؟ فلماذا ذمّهم الله؟ فهم ليسوا مقصرين لأنّهم لا يفهمون أكثر من ذلك! فعوام اليهود إنّما يقلّدون علماءهم, فلماذا يتعامل الله مع العوام على أنّهم عاصون ومعاندون أيضاً؟!
هذه الشبهة ينقلها الإمام الحسن العسكري عليه السلام, عن لسان أحد الأشخاص الذين جاؤوا وسألوا الإمام جعفر الصادق عليه السلام, حيث اعترض عليه قائلا: كيف يعذّب الله العوام الذين لا يتمكنون من إدراك حقيقة المسألة, والعاجزين عن استخلاص الحقيقة, وليس لهم مصدر علمي إلا من خلال السماع من علمائهم, فلماذا يذم الله عوام اليهود ولا يذم عوام الشيعة أيضا حيث إنّهم يتّبعون علماءهم تماما كما يتبع أولئك علماءهم؟!!
((فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَيْنَ عَوَآ مِّنَا وَ عُلَمَآئِنَا وَ عَوَآمِّ الْيَهُودِ وَ عُلَمَآئِهِمْ فَرْقٌ مِنْ جَهَةٍ وَ تَسْوِيَةٌ مِنْ جَهَة))
((أَمَّا مِنْ حَيْثُ اسْتَوَوْا: فَإنَّ اللَهَ قَدْ ذَمَّ عَوَآمَّنَا بِتَقْلِيدِهِمِ عُلَمَاءَهُمْ كَمَا ذَمَّ عَوَآمَّهُمْ))
((أَمَّا مِنْ حَيْثُ افْتَرَقُوا، فَلا))
((قال: بيّن لي يا بن رسول الله!))
((قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إنَّ عَوَآمَّ الْيَهُودِ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا عُلَمَاءَهُمْ بِالْكِذْبِ الصَّرَاحِ، وَ بِأَكْلِ الْحَرَامِ وَ الرُّشَا، وَ بِتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ عَنْ وَاجِبِهَا بِالشَّفَاعَاتِ وَ الْعِنَايَاتِ وَ الْمُصَانَعَاتِ؛ وَ عَرَفُوهُمْ بِالتَّعَصُّبِ الشَّدِيدِ الَّذِي يُفَارِقُونَ بِهِ أَدْيَانَهُمْ، وَ أَنَّهُمْ إذَا تَعَصَّبُوا أَزَالُوا حُقُوقَ مَنْ تَعَصَّبُوا عَلَيْهِ وَ أَعْطُوا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِهِمْ وَ ظَلَمُوهُمْ مِنْ أَجْلِهِمْ؛ وَ عَرَفُوهُمْ يُقَارِفُونَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَ اضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى اللَهِ وَ لَا عَلَى الْوَسَآئِطِ بَيْنَ الْخَلْقِ وَ بَيْنَ اللَهِ. فَلِذَلِكَ ذَمَّهُمْ لِمَا قَلَّدُوا مَنْ قَدْ عَرَفُوهُ، وَ مَنْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ خَبَرِهِ وَ لَا تَصْدِيقُهُ فِى حِكَايَتِهِ، وَ لَا الْعَمَلُ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ عَمَّنْ لَمْ يُشَاهِدُوهُ، وَ وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّظَرُ بِأَنْفُسِهِمْ فِى أَمْرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّىَ اللَهُ عَلَيْهِ وَ ءَالِهِ إذْ كَانَتْ دَلَآئِلُهُ أَوْضَحَ مِنْ أَنْ تَخْفَى وَ أَشْهَرَ مِنْ أَنْ لَا تَظْهَرَ لَهُمْ))
يقول الإمام الصادق عليه السلام: إنّ عوامّ اليهود يعرفون علماءهم بأنّهم أهل الكذب والخداع. فهم يكذبون بشكل صريح وعلني. والناس يعرفون أنّ هذا العالم قد كذب هنا.. ومع ذلك يذهبون إليه ويتبعونه, أليس العالم هو الواسطة بينك وبين الله؟! فلو صدر منه كذبة فبأي حقّ يجوز لك أن تتبعه ثانية؟! فلا يحق لك أن تتخذه حجّة بين الله وبينك أبدا, لأنّه حينئذ يكون حجّة للشيطان.. هو حجة بينك وبين الشيطان.. فعوام اليهود يعلمون أنّ علماءهم يكذبون ويأكلون الحرام. فهم يأكلون مال الحرام ويقبضون الرشوة ويغيّرون أحكامهم ويبدلونها.. يجعلون الحلال حراما والحرام حلالا بما يتناسب مع مصالحهم الشخصية, وكان بعضهم يستشفع ببعض العلماء كي يبدل له حكم الله, فيقوم رؤساءهم بالمصانعة والتغيير والمداهنة والتحريف والتبديل..
إنّ عوام اليهود يعرفون أن علماءهم كذلك, العوام يفهمون ذلك جيدا, نعم, هم ليسوا خبراء بالتوراة وتفسيره.. هذا صحيح, كما أنهم لا يعرفون أوصاف النبيّ الواردة في التوراة.. لا كلام لنا هنا, ولكنهم يعرفون أنّ هؤلاء كاذبون, وقد رأوا تجاوزاتهم وانحرافاتهم بأمّ عينهم, فهم يفهمون إلى هذا الحدّ, ومضافا إلى ذلك يعرفون أنّ علماءهم شديدي التعصّب, فحينما تتأجج تلك العصبية وتثور هذه الحمية الجاهلية وتبرز في علاقاتهم الاجتماعية, فلا يعودون يدققون كثيرا في أمر الدين, فلا يميّزون بين كون هذا الأمر من الدين أم لا! فالمهم هو أن يكون كلامي هو الجاري وأن أبقى على الكرسي وأحافظ على منصبي... هذه هي الجهة الثانية.
الجهة الثالثة: هي أنّ عوام اليهود مطلعون على منهج وأسلوب علمائهم في التعامل مع الآخرين, فإن تخاصموا مع أحد اقتلعوه من جذوره من الحياة!! وحرموه من حقوقه الأساسية!! والعكس من ذلك فيما لو تقرّبوا من أحد.. فإنّهم يتوادّون له, ويعطفون عليه, ويزيدون له العطايا والأموال, يعطونه من مال أولئك الذين سلبوهم إياها.. فيوزعون هذه الأموال المسلوبة على حواشيهم وأزلامهم, فيظلمون هؤلاء بينما يسخون على جماعتهم.. هذه هي الجهة الثالثة.
الجهة الرابعة: هو أنّهم كانوا يرون أنّ علماءهم يفعلون الحرام, يعني الحرام البيّن والواضح حتى على أساس شريعتهم. وبناء على ذلك, فهل يعتبر عوام اليهود مغرّرين ومضطرين لاتّباع علمائهم؟! فأين إدراكهم وفهمهم ووجدانهم!! بل عليهم أن يذعنوا بأنّ من يقوم بهذه الأفعال الشنيعة لا ينبغي أن يكون الواسطة بين الله وعباده, فهم لم يراجعوا ضميرهم أبدا, بل وضعوا عقولهم خلفهم وأهملوا جميع ما آتاهم الله من المباني والخبرة, وطمسوا جميع ذلك واتّبعوا علماءهم بشكل أعمى, وهنا يقول الإمام هذه العبارة والتي هي عبارة عن معجزة حقاً:
((وَ اضْطَرُّوا بِمَعَارِفِ قُلُوبِهِمْ إلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا يَفْعَلُونَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَدَّقَ))
فالله سبحانه وتعالى أطلعهم وأفهمهم الحقّ من خلال باطن قلوبهم, وعرفوا أنّ من كان �كذل� كذلك فهو فاسق وجاهل. ولا ينبغي أن يجعل أمثال هؤلاء واسطة بين الله وعباده, ولا بين العباد وربّهم, لذلك فقد ذمّهم الله على ما عرّفهم من الحقائق ولم يعملوا بها, فلا يحقّ لهم اتّباع علمائهم, ولا ينبغي لهم أن يقبلوا منهم تلك الحكايات والأراجيز التي ينقلونها لهم, ممّا نسبوه للنبيّ والإمام كذباً.. لذلك ينبغي أن تكون الواسطة مأمونة وآمنة وصادقة, والحال أنّ الواسطة التي اعتمدوا عليها كاذبة فاجرة, وهذا المستوى من الفهم يدركه العوام ويفهمه, إلا أنّه أغمضوا أعينهم واتخذوا جميع ذلك ظهريا, فكان يجب على هؤلاء العوام أن يصغوا لضمائرهم ووجدانهم وقلبهم وعقلهم, ويتفحّصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله, بداهة أنّ الدلائل الإلهية جلية, وأوضح من أن تكون مخفية, وهي أظهر وأبين من أن تكون مطموسة وخافية عليهم. وهذا هو عيب اليهود ولذلك ذمّهم الله تعالى.
((وَ كَذَلِكَ عَوَآمُّ أُمَّتِنَا إذَا عَرَفُوا مِنْ فُقَهَآئِهِمُ الْفِسْقَ الظَّاهِرَ، وَ الْعَصَبِيَّةَ الشَّدِيدَةَ، وَ التَّكَالُبَ عَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا وَ حَرَامِهَا، وَ إهْلَاكَ مَنْ يَتَعَصَّبُونَ عَلَيْهِ وَ إنْ كَانَ لِإصْلَاحِ أَمْرِهِ مُسْتَحِقًّا، وَ بِالتَّرَفْرُفِ بِالْبِرِّ وَ الاْحْسَانِ عَلَى مَنْ تَعَصَّبُوا لَهُ وَ إنْ كَانَ لِلْإذْلَالِ وَ الْإهَانَةِ مُسْتَحِقًّا. فَمَنْ قَلَّدَ مِنْ عَوَآمِّنَا مِثْلَ هَؤُلَآءِ الْفُقَهَآءِ فَهُمْ مِثْلُ الْيَهُودِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَهُ بِالتَّقْلِيدِ لِفَسَقَةِ فُقَهَآئِهِمْ))
كذلك الأمر بالنسبة لعوام أمتنا, فلو عرفوا أنّ فقهاءهم قد فسقوا ظاهرا, وانتبهوا إلى أنّ العصبية تحكم علماءهم وتتحكّم بعقليتهم وارتباطهم بسائر الأمور, ولاحظوا عليهم انكبابهم على حطام الدنيا ومالها وحرامها, وبانت عليهم علائم التعلق بالدنيا وحب الرياسة والتلذّذ بها, والتمتّع بالمال الحرام والأنس به.. كذلك لو رأوا عوامّ أمتنا من علمائهم أنّهم لا يرحمون كلّ وقف أمامهم وكان ضدّهم, فيحطّموه ويكسروه حتى وإن كان طاهراً عفيفاً بريئاً.. وعلى العكس من ذلك فيما لو أحبّوا شخصاً, فحتى لو كان فاسقاً فاجراً, فحيث أنّه مرغوب به ومحبوب فإنّهم يحسنون إليه, ويبرونه ويخدمونه مع عياله وأولاده.. فيشترون له منزلا, ويغدقون عليه حياة الترف, ويرفرفون عليه, تعرفون ماذا يعني يرفرف؟ يقولون: رفرف الطير.. النسر أو الصقر قبل أن يحط على الأرض فإنّه يقوم بالرفرفة ثمّ ينزل ويحطّ على الأرض, فيرفرف بشكل دائري من حوله, يطلقون على ذلك: رفرف الطير, يعني أن هذا العالم كان يرفرف حول الأشخاص الذين يحبهم ويرضى عنهم, يعني يقوم بخدمتهم, يعطيهم المال كي لا يعانون من مشاكل الحياة, ولا يأخذ منهم شيئا, ويحميهم ويغدق عليهم حتّى وإنّ كانوا فساقاً فجاراً. أي حتى ((وَ إنْ كَانَ لِلْإذْلَالِ وَ الْإهَانَةِ مُسْتَحِقًّا)) يعني حتى وإن كان من حقّه الإهانة والإذلال, فإنّه يعامله معاملة المحترمين الموقّرين والمقرّبين.
وعليه فمن كان من عواّمنا مقلّدا لأمثال هؤلاء الفقهاء, فهؤلاء العوام مشمولون لحكم اليهود, والله العليّ الأعلى يذمّهم لتقليدهم لفقهائهم الفساق.
هل التفتّم! لقد بيّنا جهة الاشتراك بين عوامنا وعوام اليهود التي أبرزها الإمام, فكما أنّ هؤلاء مسئولون ومؤاخذون كذلك عوامنا مسئولون ومؤاخذون دون تفاوت, فعوام الشيعة ليسوا صنفاً واحدا, وليست جميع أعمالهم تدخلهم الجنّة, بل إنّ الله يحاسب كلّ شخص بناء على ما أعطاه من الفهم, وعلى هذا الأساس يقوم بمؤاخذته, ويسأله عن طريقه الذي سلكه؟ مع من؟ ومن تبايع؟
لمن هذا الكلام؟ هذا كلام الإمام جعفر الصادق عليه السلام, جواباً لذلك الشخص الذي ينقل له الإمام الحسن العسكري.
أوصاف الفقيه الحقيقي الذي ينبغي اتباعه
((فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَآءِ: صَآئِنًا لِنَفْسِهِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُخَالِفًا عَلَى هَوَاهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، فَلِلْعَوَآمِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ!))
أما أولئك الفقهاء الصائنين لأنفسهم, المبتعدين عن الشهوات, المصونين من الغفلات, الفارين من مخالفة رضا الله, يراقبون أنفسهم, ولا يرخون الحبل لأنفسهم أبدا, لا يركضون وراء الشهوات.. والرياسات.. والسيادة.. والمال.. ويحفظون دين الله ويرعون حدوده, ويخالفون هوى أنفهسم, أي إنّهم مطيعون لأمر مولاهم, فهمهم تشخيص ما يأمرهم به الله, ما يأمرهم به النبي, ما يأمرهم به الإمام الحسن, فنظرهم منصب فقط على ما يريده الإمام كي يسرعوا في تطبيقه!! ولا يتعللون ولا يتذرعون بـ لمَ وكيفَ ولماذا؟ فعلى العوام أن يقلّدوا هؤلاء الفقهاء.
((وَ ذَلِكَ لَايَكُونُ إلَّابَعْضَ فُقَهَآءِ الشِّيعَةِ لَا جَمِيعَهُمْ))يقول الإمام: وهذا لا يكون بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم!!
((فَإنَّهُ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَآئِحِ وَ الْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ فَسَقَةِ الْعَآمَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنَّا عَنْهُ شَيْئًا وَ لَا كَرَامَةَ))
فما ترونه من الفقهاء, يفعل القبائح ويرتكب الفواحش, مثله مثل فسقة العامة وعلمائهم الذين يرتكبون الفواحش ويجرؤون على القباح, فإن رأيتم بعض فقهاء الشيعة سائرين على منهج هؤلاء فلا تقبلوا منهم ما ينقلونه عنّا!! وليس لهؤلاء أي احترام ولا توقير, ولا ينبغي لكم أن تعتنوا بكلامهم ابدا.
((وَ إنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلِ الْبَيْتِ لِذَلِكَ. لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ بِجَهْلِهِمْ وَ يَضَعُونَ الْأَشْيَآءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ))
وهنا يعود الإمام جعفر الصادق عليه السلام ليبيّن المسألة بشكل واضح ويقول:
ماذا يمكننا أن نفعل مع هؤلاء الناس؟! واقعا أتعبونا.. فالعلوم التي نبيّنها لعامة الناس هي علوم صافية نقية طاهرة؛ سواء الأسرار.. الحكم.. الآيات.. والحال أنّ الناس على ثلاثة أقسام خلال تعاطيهم مع علومنا:
فقسم يأخذون هذه العلوم عنّا, إلا أنّهم فاسقون!! فيأخذون هذه العلوم منّا ثمّ يحرفونها, ثمّ يلقونها على الناس محرّفة, يعني هم أشخاص مغرضون, فيضعون الأمور على غير مواضعها, ويقلبون ويؤوّلون.. ((لقلّة معرفتهم)) فهذا هو القسم الأول, هم الجهلة الذين لا غرض لديهم, إلا أنّ معرفتهم ناقصة وفهمهم ساذج, فالأحكام التي يأخذونها عنّا يحرفونها بأجمعها, ويقومون بنشرها محرفة, فيسمعون المطالب الشامخة ويفسرونها على مزاجهم وأفكارهم, ويخلطونها مع خيالاتهم, وينسبونها إلينا وينقلونها عنّا ويقولون: قال الإمام الصادق... والحال أنّنا بريؤون من هذه النسبة وهذه هي الفئة الأولى.
والفئة الثانية: ((وَ ءَاخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الْكِذْبَ عَلَيْنَا لِيَجُرُّوا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا مَا هُوَ زَادُهُمْ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ)) الفئة الثانية هم المغرضون والنواصب والأعداء, كالعديد من أهل التسنّن, الذين يتعمّدون الكذب, لماذا؟ كي يحصلوا على حطام الدنيا, ويبلغوا عرض الدنيا, وهذه الأعراض الدنيوية لا تزال تزجهم في نار جهنّم يوما بعد يوم بما كسبته أيديهم.. فيأخذون الرشوة من معاوية... وأمثال ذلك, وهذه هي الفئة الثانية.
((وَ مِنْهُمْ قَوْمٌ نُصَّابٌ لَايَقْدِرُونَ عَلَى الْقَدْحِ فِينَا؛ يَتَعَلَّمُونَ بَعْضَ عُلُومِنَا الصَّحِيحَةِ فَيَتَوَجَّهُونَ بِهِ عِنْدَ شِيعَتِنَا وَ يَنْتَقِصُونَ بِنَا عِنْدَ نُصَّابِنَا، ثُمَّ يُضِيفُونَ إلَيْهِ أَضْعَافَ وَ أَضْعَافَ أَضْعَافِهِ مِنَ الْأَكَاذِيبِ عَلَيْنَا الَّتِى نَحْنُ بُرَءَآءُ مِنْهَا، فَيَتَقَبَّلُهُ الْمُسْتَسْلِمُونَ مِنْ شِيعَتِنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ عُلُومِنَا، فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا. وَ هُمْ أَضَرُّ عَلَى ضُعَفَآءِ شِيعَتِنَا مِنْ جَيْشِ يَزِيدَ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ أَصْحَابِهِ))
الفئة الثالثة: هم جماعة لا يقدرون على توجيه أي انتقاد علينا, ولا يقوون على تكذيبنا أو توجيه أية تهمة إلينا, ولو يحاولون اتهامنا أو توجيه شيء ضدّنا فالناس يتركهم ولا يبقى خلفهم أحد! لو يقولون: الإمام الصادق كاذب!! فسوف يعرض عنهم الناس, لأنّ الناس يعرفون الإمام الصادق ويعرفون عظمته, فالناس يعلمون شيئا من الحقيقة, ولا تخفى المسائل عنهم بشكل كامل, فهؤلاء العلماء يأتون إلينا, ويأخذون العلوم الصحيحة والصافية والحقيقية, وبعد ذلك يحملونها ويذهبون إلى شيعتنا, وينقلون هذه العلوم كما هي صحيحة, ويقولون: سمعنا كذا عن الإمام الصادق, وقرانا وأخذنا.. فيصبحون معروفين ومشهورين بين شيعتنا بعلومنا! ويصبحون من لائحة رواة حديثنا.. نعم حينما يذهبون إلى أعدائنا فإنّهم يكتمون بعضا مما تعلموه, ويغيرون ويقلبون ويحذفون ويقدمون ويؤخرون.. فيبدو كالعالم المتقي بين شيعتنا, ويقول: نحن كنّا عند الإمام الصادق, فنحن نذهب إليه لنحمل الأسرار! ونستخرج الدرر!! كي أؤلّف الكتب وأنشر العلوم الحق... يعني: لا لأجل أنّه يريد أن يتعلّمها هو وترضخ نفسه بها بما هي كلام حق!! لذلك فهو يضيف عليها, ويزيد على ما سمعه أضعافاً مضاعفة!! فيحيك الأكاذيب والأباطيل التي نحن بريئون منها. فيخلط علومنا مع هذه الأباطيل, يعني بين كل كلمتين صحيحتين يوجد كلمة باطل, فلا يعود بإمكان الإنسان العادي أن يميّز بين الصحيح والسقيم, حينئذ لا يعود بإمكان أحد من ضعفاء شيعتنا أن يميّز شيئا من شيء, فيقبلون كلامهم ويشرعون بالنقل عنهم: قال الصادق.. قال الصادق!! ويأخذون عنهم ويقبلون منهم. ويتخيلون أنّ جميع ذلك هو من علومنا, ممّا يؤدّي إلى إضلال جميع هؤلاء, فيضلون الناس, وهؤلاء العلماء هم الأضرّ على شيعتنا, يعني ضررهم أخطر وأبلغ من جيش يزيد بن معاوية على الحسين بن علي وأصحابه بأضعاف مضاعفة!! يعني كم كان قد أضرّ جيش يزيد بن عليّ على أصحاب الإمام, فإنّ ضرر هؤلا أكثر.
((فَإنَّهُمْ يَسْلُبُونَهُمْ الْأَرْوَاحَ وَ الْأَمْوَالَ، وَ هَؤُلَآءِ عُلَمَآءُ السُّوْءِ النَّاصِبُونَ الْمُتَشَبِّهُونَ بِأَنَّهُمْ لَنَا مُوَالُونَ وَ لِأَعْدَائِنَا مُعَادُونَ؛ وَ يُدْخِلُونَ الشَّكَّ و الشُّبْهَةَ عَلَى ضُعَفَآءِ شِيعَتِنَا، فَيُضِلُّونَهُمْ وَ يَمْنَعُونَهُمْ عَنْ قَصْدِ الْحَقِّ الْمُصِيبِ))
لماذا كان ضرر هؤلاء أكثر من جيش يزيد بن معاوية على الحسين وأصحابه؟ لأنّ أقصى ما فعلوه هو أنهم أزهقوا أرواح الحسين وأصحابه, وسلبوا أموالهم, أما هؤلاء علماء السوء هم كالنواصب والأعداء لنا, فهم قد غيروا الأحكام, والحال أنّهم تمثّلوا للناس بصورة الصديق الموالي الحقيقي, وتظاهروا للناس بمظهر الأئمة. والحال أنّهم مخالفين لنا وهم الأعداء الحقيقيين لنا, والحال أنّهم يلقون بالشبهات في قلوب شيعتنا, ويضلونهم ويضيعونهم ويحرفونهم عن طريق الحقّ, يعني يقفون أمام طريق الحق وإرادة الهداية, ويحرفون الإنسان عن بلوغ الحق والحقيقة!! ويمنعونهم ولا يدعونهم يمشون قدما في طريق الحق.
((لَاجَرَمَ أَنَّ مَنْ عَلِمَ اللَهُ مِنْ قَلْبِهِ مِنْ هَؤُلَآءِ الْقَوْمِ أَ نَّهُ لَايُرِيدُ إلَّا صِيَانَةَ دِينِهِ وَ تَعْظِيمَ وَلِيِّهِ لَمْ يَتْرُكْهُ فِى يَدِ هَذَا الْمُتَلَبِّسِ الْكَافِرِ))
فحينما يقبلهم الناس ويتعلّق بهم العوام, ويدخلون إلى قلوب الناس, وتبدأ الرعية تتبعهم وتمشي خلفهم, فيخطفون بأبصار عوام الناس, فلا يعود الناس يتقبلون من غيرهم!!
ولكن, لو كان في الناس شخص يريد الوصول إلى الله, وعلم الله أنّه لا يريد إلا حفظ دينه, وطاعة ولي الله, فإنّ هؤلاء يحفظهم الله, ولا يدعهم طعمة لؤلاء العلماء السوء.
((وَ لَكِنَّهُ يُقَيِّضُ لَهُ مُؤْمِنًا يَقِفُ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ))
لذلك فإنّ الله يرسل له مؤمنا يساعده ويهديه ويأخذ بيده كي يحرره من أباطيل هؤلاء ويخلصه من ألاعيبهم.
((ثمّ يوفقّه الله للقبول منه))
ثم يوفقّهم الله لسماع الحق وأخذ المطالب صافية.
((فَيَجْمَعُ اللَهُ لَهُ بِذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْأخِرَةِ, وَ يَجْمَعُ عَلَى مَنْ أَضَلَّهُ لَعْنًا فِى الدُّنْيَا وَ عَذَابَ الْأخِرَةِ))
((ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ: أَشْرَارُ عُلَمَآءِ أُمَّتِنَا، الْمُضِلُّونَ عَنَّا، الْقَاطِعُونَ لِلطُّرُقِ إلَيْنَا، الْمُسَمُّونَ أَضْدَادَنَا بِأَسْمَآئِنَا، الْمُلَقِّبُونَ أَنْدَادَنَا بِأَلْقَابِنَا، يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَ هُمْ لِلَّعْنِ مُسْتَحِقُّونَ وَ يَلْعَنُونَا وَ نَحْنُ بِكَرَامَاتِ اللَهِ مَغْمُورُونَ، وَ بِصَلَوَاتِ اللَهِ وَ صَلَوَاتِ مَلَآئِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَيْنَا عَنْ صَلَوَاتِهِمْ مُسْتَغْنُونَ))
بعد ذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أشرار علماء أمتي المضلون الناس عنّا, القاطعون للطرق المؤدية إلينا, المسمون أضدادنا بأسمائنا, ماذا يعني ذلك؟ يعني: الذين يطلقون لقب أمير المؤمنين على غير علي بن أبي طالب! فما هي أسماؤنا؟ مثل: وليّ الله.. فيقولون: فلان وليّ الله. يطلقون على أعدائنا لقب أمير المؤنين. ((الملقبون أندادنا بألقابنا)) الأنداد هم: المخالفون لنا, فيلقبونهم بألقابنا, ويصلون عليهم!! ويمجدونهم ويمدحونهم!! والحال أنّ هؤلاء يستحقون الذم والقدح والتكذيب, ونحن المستحقون للصلوات.. ونحن المسأمنون على كراماته وعلومه..
فنحن غير محتاجون لهؤلاء أبدا, فصلوات الله وملائكته المقربين نازلة علينا دائما, وحينما يصلي الله علينا وملائكته المقربين حينئذ نكون مستغنين عن أولئك, بل إنّ صلوات أولئك علينا تعود عليهم أنفسهم!!
((ثُمَّ قَالَ: قِيلَ لِأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ خَيْرُ خَلْقِ اللَهِ بَعْدَ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَ مَصَابِيحِ الدُّجَى؟ قَالَ: الْعُلَمَآءُ إذَا صَلُحُوا)) بعد أن يبين الإمام الصادق عليه السلام, وبعد نقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله, يقول: قد سؤل أمير المؤمنين عليه السلام: من أفضل الناس بعد الأئمة؟ فقال: العلماء الصالحين.
((قيل: فمن شرار خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمين بأسمائهم والمتلقبين بألقابهم والآخذين لأمكنتكم, وَ الْمُتَأَمِّرِينَ فِى مَمَالِكِكُمْ؟ قَالَ: الْعُلَمَآءُ إذَا فَسَدُوا. هُمُ الْمُظْهِرُونَ لِلْأَبَاطِيلِ، الْكَاتِمُونَ لِلْحَقَآئِقِ؛ وَ فِيهِمْ قَالَ اللَهُ عَزَّوَجَلَّ: «أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا..))
وقد سئل أمير المؤمنين عليه السلام: بيّن لنا من هم أشرار الناس بعد إبليس ونمرود وفرعون وبعد أولئك الأشخاص الذين انتحلوا صفتكم وتلبّسوا بأسمائكم, وغصبوا لقب أمير المؤمنين, وانتحلوا ألقابكم, والذين أخرجوكم من داركم وغصبوا أمكنتكم.. ثم غصبوا... فمن هم أشقى الناس بعد هؤلاء؟
يقول أمير المؤمنين: العلماء إذا كانوا فاسقين!! العلماء الفاسقين هم شرار خلق الله. لماذا؟ لأنّه بدلا من بيان الحقائق أظهروا الأباطيل.. وبدلا من بيان الحقيقة قاموا بإخفائها. فهم يعلمون ولكنّهم يكتمون ولا يقولون, يخفون الحقيقة, والله قال عن هؤلاء: {أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون}.
واقعا لو كان للذهب قيمة فينبغي أن تكتب هذه الرواية العظيمة بماء الذهب.. بل ينبغي أن تكتب بالنور...
إن شاء الله, نسأل الله العلي الأعلى أن يكتب هذه المطالب على صفحة قلونا, ويحفرها في سويداء سرّنا, بمحمد وآل محمد, فلا ندع أيامنا تمضي ضياعا وسدى..
ولنرفع أيادينا وندعو قائلين:
ها قد مضى عمرنا وماذا عملنا؟! فهكذا يمضي اليوم وغدا وبعد غد... فكل يوم مثل سابقه.. وغدنا مثل يومنا وهكذا.. وهذا اشتباه وخطأ منّا.. فلو نتوجّه إلى ساحة الإمام الحسن العسكري عليه السلام ونلتمس منه أن يعايدنا اليوم, وهو والد إمام الزمان.. فإنّنا نطلب منه أن يرزقنا فهم حقيقة هذه الرواية التي بيّنت لنا اليوم, نسأل الله أن تكون معايدتنا اليوم هي ذلك.
فالعيدية ليست مادية, العيدية لها درجات ومراتبة مختلفة, فنحن نريد الرتبة الأعلى الشاملة للكل, نسأل الله أن يجعل ذلك هو أجرنا, وأن يجعلنا من شيعة الإمام الحسن العسكري الخلص, وأن لا نخرج عن الحق في شيء من أحوالنا وأفكارنا وأخلاقنا وكلامنا وأفعالنا وهوى نفسنا وهوسنا وخيالاتنا الباطلة وأوهامنا, ولا ننغمس في الأمور الدنيوية وطلب المال والطمع وحب الرياسة وحب الأنا, وأن يصرف عنّا كلّ ما يبعدنا عن طريق الله, وأن يضاعف لنا ما بنا من نعمة وبركة. وأن يدخلنا في عالم النور.. فمن يدخل عالم النور يصبح نورا على نور, يهدي الله لنورة من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس..
صلوا على محمد وآل محمد.. خمس مرات.
من محاظرات العلامة محمد حسين الطهراني رحمه الله
|