مستل من كتاب (سُبل الهدى والرشاد)
للصالحي الشامي (*)
" الباب الثاني
في خلق آدم وجميع المخلوقات لأجله صلى الله عليه وسلم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوحى الله تعالى إلى عيسى: "آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله فسكن". رواه أبو الشيخ في طبقات الأطبهانيين، والحاكم وصححه، وأقره السبكي في شفاء السقام، والبلقيني في فتاويه.
قال الذهبي: في سنده عمرو بن أوس لا يدري من هو انتهى.
ولبعضه شاهد من حديث عمر بن الخطاب رواه الحاكم وسيأتي. قال الإمام جمال الدين محمود بن جملة: ليس مثل هذا للملائكة ولا لمن سواه من الأنبياء.
وما عجب إكرام ألف لواحد * لعين تفدى ألف عين وتكرم
وروى الديلمي في مسنده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله يقول لولاك ما خلقت الجنة ، ولولاك ما خلقت النار".
ويروى عن سلمان رضي الله تعالى عنه قال: " هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول لك: "إن كنت اتخذت إبراهيم خليلا فقد اتخذتك حبيبا، وما خلقت خلقا أكرم علي منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك، ولولاك ما خلقت الدنيا". رواه ابن عساكر وسنده واه جدا.
وفي فتاوي شيخ الإسلام البلقيني أن في مولد العزفي - بعين مهملة وزاي مفتوحتين وقبل ياء النسب فاء - و "شفاء الصدور" لابن سبع، عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال: "يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء".
قال: وذكر المصنفان المذكوران في رواية أخرى، عن علي رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "من أجلك أبطح البطحاء وأموج الماء وأرفع السماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار".
ولله در العارف بالله سيدي علي بن أبي الوفا نفعنا الله تعالى بهم حيث قال:
سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد * هذا النعيم هو المقيم إلى الأبد
روح الوجود حياة من هو واحد * لولاه ما تم الوجود لمن وجد
عيسى وآدم والصدور جميعهم * هم أعين هو نورها لما ورد
لو أبصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم كان أول من سجد
أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل وما عند
لكن جمال الله جل فلا يرى * إلا بتوفيق من الله الصمد ". ا.هـ
(*) المصدر
الصالحي الشامي (942 هـ)
محمّد بن يوسف، سُبل الهدى والرشاد، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، 1414/ 1993، ج1، ص74 - 76.
ترجمة المؤلف كما جاءت في مقدمة التحقيق (1 / 38 - 39) :
"هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي.
قال الشعراني في ذيل طبقاته:
" كان عالما صالحا مفننا في العلوم، وألف السيرة النبوية التي جمعها من ألف كتاب، وأقبل الناس على كتابتها، ومشى فيها على أنموذج لم يسبقه إليه أحد. وكان عزبا لم يتزوج قط، وإذا قدم عليه الضيف يعلق القدر ويطبخ له. وكان حلو المنطق مهيب النظر كثير الصيام والقيام، بت عنده الليالي فما كنت أراه ينام إلا قليلا. وكان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلف أولادا قاصرين، وله وظائف، يذهب إلى القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها للأيتام حتى يصلحوا للمباشرة. وكان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا، ولا يأكل من طعامهم". ا.هـ
============
تتميم للموضوع
هذه الأحاديث الّتي رواها جمع من حفّاظ أهل السنّة والجماعة هي من قبيل بعض رواياتنا المعتبرة الشريفة، مثل:
ماروي في كتاب سليم بن قيس: (ص379 - 380)؛ وعنه: الإحتجاج: (1 / 112)
" ألا وإني وأهل بيتي كنا نورا نسعى بين يدي الله قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام، وكان ذلك النور إذا سبح سبحت الملائكة لتسبيحه. فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه ثم أهبط إلى الأرض في صلب آدم، ثم حمله في السفينة في صلب نوح، ثم قذفه في النار في صلب إبراهيم، ثم لم يزل ينقلنا في أكارم الأصلاب حتى أخرجنا من أفضل المعادن محتدا وأكرم المغارس منبتا بين الآباء والأمهات، لم يلتق أحد منهم على سفاح قط.
ألا ونحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وعلي وجعفر وحمزة والحسن والحسين وفاطمة والمهدي. اختار الله محمدا وعليا والأئمة عليهم السلام حججا ".
وأيضا: ذكر السيد هاشم البحراني في غاية المرام: (ج1، ص 38 - 40)
ابن بابويه قال: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال: حدثني أبو الفضل العباس بن عبد الله البخاري، قال: حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله ابن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي ابن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
" ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل ؟ فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جمع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي، وللأئمة من بعدك فإن الملائكة من خدامنا وخدام محبينا، يا علي (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا) بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء، ولا الجنة ولا النار، ولا السماء ولا الأرض فكيف لا تكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا، وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فانطقنا بتوحيده وتحميده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا، ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا : لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحل ، فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من العزة والقوة قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله [ العلي العظيم ] لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة، قلنا الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما وإكراما، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وأنه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرائيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال تقدم يا محمد فقلت له يا جبرائيل أتقدم عليك ؟
فقال: نعم لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة فتقدمت وصليت بهم ولا فخر، فلما انتهينا إلى حجب النور قال لي جبرائيل: تقدم يا محمد وتخلف هو عني فقلت: يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني ؟ فقال: يا محمد إن هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله عز وجل لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج بي في النور زجة حتى انتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه فنوديت يا محمد أنت عبدي وأنا ربك فإياي فاعبد، وعلي فتوكل فإنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت ثوابي ، فقلت يا رب ومن أوصيائي ؟ فنوديت يا محمد [ إن ] أوصياءك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربي جل جلاله - إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي، فقلت: يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي ؟ فنوديت يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحجتي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلوا دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة ".ا.هـ
وقال تعالى:
". . . يا مَلائِكَتِي وَيا سُكَّانَ سَماواتِي، إِنِّي ما خَلَقْتُ سَّماء مَبْنِيَّةً وَلا أَرْضا مَدْحِيَّةً وَلا قَمَراً مُنِيراً وَلا شَمْساً مُضِيئَةً وَلا فَلَكا يَدُورُ وَلا بَحْراً يَجْرِي وَلا فُلْكا يَسْرِي إِلاّ فِي مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الخَمْسَةِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ الكِساءِ.
فَقالَ الأمِينُ جبْرائِيلَ: يا رَبِّ وَمَنْ تَحْتَ الكِساءِ ؟ فَقالَ عَزَّوَجَلَ: هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنُ الرِّسالَةِ، هُمْ: فاطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوها" (حديث قدسي)
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،
اللهمّ زدنا تعمّقاً في مقامات محمّد وآل محمّد