ان سنن الكون تفرض اليوم التغيير في عالمنا العربي تحديدا، فلا يحق لاحد ولا يستطيع احد ان يوقف عجلة التغيير مهما فعل، فالنظام السياسي العربي الفاسد، بما فيه الانظمة القبلية المتخلفة والوراثية الحاكمة في منطقة الخليج، وتحديدا نظام آل سعود ونظام آل خليفة المتورطان بدماء الشعب البحريني، هذا النظام السياسي العربي الفاسد، يجب ان يسقط لتستبدله الشعوب العربية بنظام سياسي ديمقراطي يحتكم من يريد ان يصل الى السلطة الى صندوق الاقتراع فقط لا غير، ليس للاسرة فيه دور وليس للقوات المسلحة فيها دور، نظام يحترم حقوق الانسان ويمنح المواطن حريته ويصون كرامته، نظام يتمتع في ظله المواطن بخيرات بلاده وبالفرص المتاحة بلا تمييز، وتخطئ الولايات المتحدة الاميركية عندما تصر لحد الان على اعتبار ديكتاتوريات كنظامي آل سعود وآل خليفة حلفاءها في المنطقة، كما حرص الرئيس اوباما على تثبيت ذلك في خطابه يوم امس حول التغيير الجاري في المنطقة، فكيف يسمح لنفسه رئيس (اعظم) دولة في العالم تدعي حماية حقوق الانسان وتتبنى الديمقراطية حول العالم، لدرجة انها نصبت نفسها شرطيا دوليا يحمل العصا لمعاقبة من يقتل شعبه الذي يطالب بحريته، كيف يسمح لنفسه، وكيف تقبل مثل هذه الدولة لرئيسها ان يصف مثل هذه الانظمة بالحلفاء؟.
كيف يريد الرئيس اوباما ان يقنعنا بصدق اقواله، فضلا عن افعاله، وهو الذي خاف حتى من ذكر (حلفائه) من الديكتاتوريين بسوء؟ كيف يريد ان تقتنع الشعوب العربية وتصدق بان التغيير في المنطقة سياسة اميركية، وهو الذي يعتقد بان انظمة استبدادية وديكتاتورية وشمولية مثل نظام آل سعود، لا زال حليفا قويا واستراتيجيا لبلد هو ام الديمقراطية وابوها، واقصد الولايات المتحدة الاميركية؟ كيف يريد ان يقنعنا بان ادارته بدات تفصل في العلاقة التاريخية الخاطئة المبنية بين مصالح بلاده والديكتاتوريات في المنطقة، وتغيرها لصالح العلاقة بينها وبين شعوب المنطقة على اساس المصالح المشتركة وهو الذي خشي ان يذكر (حلفائه) بكلمة سوء قد تزعجهم؟ واخيرا، هل من المعقول ان يتحدث الرئيس اوباما بهذا المنطق الاعوج ثم يدعي انه يحارب الارهاب الذي تغذيه وترعاه وتحرض عليه (حليفاتها) في المنطقة، خاصة نظام آل سعود الذي لا زال يمارس القمع ضد نصف المجتمع، المرأة، بل كل المجتمع؟.
لقد حاول الرئيس اوباما اقناع الراي العام في المنطقة بانه يحاول تصحيح الخطا التاريخي الذي ظلت ترتكبه واشنطن بتوأمة المصالح مع الديكتاتوريات، وهو بالتاكيد لم يكن يقصد (الديكتاتوريات) التي وصفها باعداء بلاده، كما انه لم يذكر (الديكتاتوريات) الحليفة بسوء، فعن اي فك ارتباط يتحدث؟ لو انه ذكر (الديكتاتوريات) الحليفة في خطابه لكان بامكان الراي العام، مثلا، ان يحاول استيعاب ما يريد قوله، اما انه تعنتر على (ديكتاتوريات) هي في الاصل عدوة لبلاده، فاين الجديد في مثل هذا الخطاب الذي لم يفارق واشنطن طوال العقود الطويلة المنصرمة؟.
ان الذي يريد ان يقنع الراي العام العربي ويقلل من شكوكه ازاء الخطاب السياسي الجديد للادارة الاميركية عليه ان يسمي الاشياء باسمائها من دون خوف او وجل او تردد، فلا يظل يلف ويدور حول التسمية التي كان عليه ان يذكرها تحديدا، واقصد بها انظمة الاسر الجاهلية الحاكمة في الخليج.
ربما اقنع الرئيس اوباما الراي العام الاميركي ببطولاته التي حققها في الباكستان اخيرا بقتله لاحد زعماء الارهاب العالمي الذي صنعته اجهزته الاستخباراتية عندما احتاجته في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي المنهار، الا انه، برايي، فشل في اقناع شريحة واسعة من الراي العام العربي، الذي يكتوي منذ اكثر من نصف قرن بنيران الانظمة الديكتاتورية، التي لا زال الرئيس اوباما يعتبرها صديقة تقليدية لبلاده، وحليفة استراتيجية لمصالحه في المنطقة.
ان كل هذه المنظومة السياسية الفاسدة يجب ان تتغير مهما بذلت من جهد وحاولت ان تهرب الى الامام، كما تفعل اليوم من خلال مساعيها الرامية لتوسيع مجلسها الذي بات يعرف بين الناس بـ (مجلس التعاون على الاثم والعدوان) او من خلال ما تسميه بالمبادرة الخليجية الرامية الى نقل السلطة سلميا في اليمن، هذه المبادرة التي اعتبرها اليمنيون تدخلا سافرا في شؤونهم، لانهم يعرفون ان الطاغوت لا يسقط بمثل هذه المبادرات التي ترعاها ديكتاتوريات فاقدة للشئ، الديمقراطية، الذي تقول بانها تريد ان تسوقه الى الشعب اليمني، وهي التي تعرف جيدا ان الشارع في اليمن لا تحركه احزاب ومعارضات اكل عليها الدهر وشرب، وانما تحركه قوة الشباب التي تجاوزت النظام والمعارضة وكل ما يتعلق بالماضي.