من حمد الله عز وجل أن جعل الزمان والمكان ظرفان يقوم فيهما وعليهما مسرح الحياة ’حتى ان المكان والزمان يعدان ضروريان لأي شيئ على وجه الأرض وغيرها من الافلاك ,وليس للأنسان الحريه في اللغاء عاملي الزمان والمكان فهما موجودان رغم ارادته ,وسواء كان حيا او ميتا ....[/FONT]
وقد اعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، فقد ارتبطت معظم العبادات في التشريع الإسلامي بمواعيد زمنية محددة وثابتة ...
كالصلاة والصيام والحج، بحيث ان اداءها لا يتحقق إلاّ عن طريق الالتزام باوقاتها حسب اليوم والشهر والسنة (أقم الصلاة لدلوك الشمس الى غسق الليل وقرآن الفجر انَّ قرآن الفجر كان مشهودا) (1).
(شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان منكم مريضاً او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) (2).
(يسألونك عن الاهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (3).
كما ان هناك العديد من الاحكام الشرعية التي ارتبطت بالمدة الزمنية، كعدة المرأة في حالة الطلاق او وفاة الزوج والكفارات في حالة ترك الصيام، او الاخلال في بعض مناسك الحج وبعض مسائل الجهاد وقتال المشركين واعداء الإسلام وغير ذلك من الاحكام الشرعية التي فرض فيها الله سبحانه وتعالى التقيد بالحساب الزمني كشرط في العبادة وصحة انجاز العمل.
(ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والارض منها اربعة حرم الله ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن انفسكم* وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم كافة واعلموا ان الله مع المتقين) (4).
(فاذا انسلخ الاشهر الحرُمُ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (5).
(للذين يؤلون من نسائهم تربُصُ أربعة اشهر فان فاءوا فإن الله غفور رحيم) (6).
(والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا فاذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعلمون خبير) (6).
(واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدتهن ثلاثة اشهر واللائي لم يحضن وأولات الاحمال أجلهن ان يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من امره يُسرا) (6).
(وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً إلاّ خطأً ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة الى اهله إلاّ ان يصدقوا فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلّمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً) (6).
(والذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل ان يتماساّ ذلك توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل ان يتماسا* فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذابٌ اليم) (10).
****
واذا تحولنا عن المضامين العبادية للوقت وارتباط عناصر الزمن بالتشريعات الإسلامية فاننا نلتقي مع تأكيدات كثيرة على اهمية الوقت، وذلك من خلال ما ابرزه القرآن الكريم في العديد من الآيات. حيث جعل الوقت يأخذ دلالات متعددة كالقداسة والموعظة والنعمة والتجربة وغيرها من الافكار والدلالات. وهي تشكل في محصلتها مفاهيم حركية رائعة للزمن. فالقرآن الكريم لم يتعامل مع الزمن من الزاوية الحسابية بل جعله قيمة حركية حية تتفاعل مع الإنسان في حياته الشخصية والعامة وحفزّه لان يتفاعل بدوره مع هذه القيمة بشكل دائم لا انقطاع له.[/FONT]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ[/COLOR]
1ـ الاسراء: 78.
لقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته. الامر الذي يشير الى الاهمية الكبيرة التي اولاها الله سبحانه للزمن ولأجزائه وانه من القضايا المحترمة والمقدسة في الحياة والتي يجب النظر اليها نظرة واعية متفهمة. باعتبار ان الله تعالى اتخذها عنواناً يقسم به في بداية الكلام الذي يقرر فيه تعالى الحقائق التي يريدها. وفي معظم هذه الآيات الكريمة، لا يأتي القسم مفرداً انما متعدداً بذكر عدة اجزاء من الوقت في سياق الآية الواحدة او الآيات المتتالية.
(والعصر ان الإنسان لفي خسر) (1).
(والضحى والليل اذا سجى ما ودعك ربك وما قلى) (2).
(والليل اذا يغشى* والنهار اذا تجلى* وما خلق الذكر والانثى* ان سعيكم لشتى) (3).
(والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها* والسماء وما بناها* والارض وما طحاها* ونفس وما سواها) (4).
ولعل سورة الشمس هي أكثر سورة تحتوي على اقسام متتالية لله تعالى في ظواهر الكون والزمان والمكان والنفس البشرية وما تنطوي عليه من عوامل الخير والشر.
(والفجر* وليال عشر * والشفع والوتر* والليل اذا يسرِ* هل في ذلك قسم لذي حجر) (5).
(فلا أُقسم بالخُنس* الجوار الكنَّس والليل اذا عسعس* والصبح اذا تنفس* انه لقول رسول كريم* ذي قوة عند ذي العرش مكين) (6).
(فلا اقسم بالشفق* والليل وما وسق اذا اتسق* لتركبن طبقاً عن طبق) (7).
ان هذا القسم الالهي بعناصر الزمن وتكراره في مواضع عديدة يشير الى الاهمية التي اولاها الله تعالى له من اجل ان يقف الإنسان المسلم على هذه الحقيقة، فيتأمل حركة الزمن بدقة ويستثمر الوقت بجدية على اعتبار ان القسم الالهي به يثير في الذهن عوامل الدراسة والتقصي. وفي قسم آخر من الآيات القرآنية، نلتقي مع الزمن في بعده المسيطر على الإنسان والحياة، حيث لا يكون بمقدور البشر التأثير على حركته والتحكم في وحداته، انما هو يمضي حسب القانون الكوني الذي وضعه الله تعالى، وبذلك سيطرت الوحدات الزمنية على الاشياء والكائنات حتى اصبح الزمان هو الاطار الذي لا يمكن للإنسان ان يتحداه ا يخترق قوانينه.
وحين نقرأ هذا القسم من الآيات، نلاحظ ان القرآن الكريم، جعل من الزمن مادة تأمل للإنسان من اجل ان يكتشف عظمة الله وقدرته كأساس لتثبيت ايمانه به سبحانه ومن ثمّ
_________________________
الالتزام بمنهجه العبادي الذي رسمه له. حيث نجد في هذه الآيات الكريمة تأكيداً على القدرة الالهية من خلال مفردة الوقت ووحدات عناصر الزمن، وضرورة التأمل فيها ودراستها بنظرة موضوعية متفحصة.
(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولي الالباب) (1).
(ان في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والارض لايات لقوم يتقون) (2).
(وهو الذي يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون) (3).
(يقلب الله الليل والنهار ان في ذلك لعبرة لأولي الابصار) (4).
(وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا) (5).
(قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) (6).
(ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله ان في ذلك لآيات لقوم يسمعون) (7).
(يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ذلك الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) (8).
(الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيها والنهار مبصرا ان الله لذو فضل على الناس ولكن اكثر الناس لا يشكرون)
(9).
ان في هذه الآيات الكريمة اشارات واضحة تبين قدرة الله تعالى وفضله على عباده في خلقه الزمن على النحو الذي تتعدد فيه اجزاؤه حسب حركة الكواكب حول الشمس، وقد حثت هذه الآيات الكريمة الإنسان على التدبر في حكمة الله وقدرته ونعمه، وفي ذلك اشارة واضحة الى اهمية الوقت وأهمية اجزائه المتعاقبة في حركتها من ليل ونهار والتقسيمات الزمنية لكل منهما.
على انه لا يمكن القول ان هذه الخطابات القرآنية تنحصر دلالاتها في الجانب العقائدي فحسب، بل انها تمتلك دلالات اخرى دون شك. فالتأكيد القرآني على تعاقب الليل والنهار وان الله تعالى جعل الليل لباساً وجعل النهار معاشا، يفهم منها ضرورة احترام تقسيم الوقت.
_________________________