إن ما قام به الحزب القرشي في مرض النبي من منعه صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتب عهداً يؤمِّن به مستقبل أمته ، ويضمن هدايتها وتفوَّقها الى يوم القيامة ! ثم ماقام به بمجرد أن أغمض النبي عينيه صلى الله عليه وآله وسلم من إعلانه أبا بكر خليفة ، بدون مشورة المسلمين ، وتهديده آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحرقهم أحياء إن لم يبايعوا ! كان عملاً تاريخياً هائلاً ! تمَّ فيه حَرْف سفينة الإسلام من مسارها الرباني النبوي المشرق ، الى مسارٍ قبلي قرشي مظلم ! وقد اعتبرناهما عملاً واحداً ، لأن وقوفهم ضد كتابة العهد النبوي ومواجهتهم الخشنة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخميس ، ليست إلا مقدمة لسقيفتهم يوم الإثنين ، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بساعة واحدة ! وغرضنا هنا تسليط ضوء على ظلامة هذا العمل ، ظلامة الإسلام ، وأمته ، ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وعترته الطاهرين عليهم السلام :
1 ـ أكبر الظلامات في السقيفة مصادرتهم لولاية الله تعالى
فالحزب القرشي عندما رفض الترتيب النبوي لوضع الأمة ، ومنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة عهده لتأمين مستقبلها ، قد نصب نفسه ولياً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! فمن الذي أعطاه هذه الولاية على سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ؟! إن إيمانهم بنبوته صلى الله عليه وآله وسلم يعني إيمانهم بعصمته الشاملة ، كما قال الله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ، وطلبه منهم أن يلتزموا بتنفيذ ما سيكتبه لهم ، إنما هو أمر الله تعالى ! فالتعارض في الحقيقة بين إرادتهم وإرادة الله تعالى ورفضهم للعرض النبوي رفضٌ لإرادة الله تعالى وفرضٌ لإرادتهم بدلها ! فمن الذي أعطاهم هذه الولاية على الأمة ونبيها صلى الله عليه وآله وسلم وقرآنها مقابل الله تعالى؟ بل من أعطاهم الولاية على رب العالمين عز وجل ؟!! إن كل حجتهم على عملهم هي أن بني هاشم لايصح أن يجمعوا بين النبوة والخلافة لأن ذلك ظلمٌ لقبائل قريش ! فهل النبوة قسمةُ قبائل ! ومن الذي أخبرهم أن كتابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعهده ظلم لقريش، بينما سقيفتهم حقٌّ وعدل لقريش وللعالمين؟! أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بعضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) . (الزخرف:32) في تاريخ الطبري:3/288، عن ابن عباس ، وفي شرح النهج:6/50 ، عن عبد الله بن عمر ، ولفظهما متقارب ، قال: (كنت عند أبي يوماً ، وعنده نفر من الناس ، فجرى ذكر الشعر ، فقال: من أشعر العرب ؟ فقالوا: فلان وفلان ، فطلع عبد الله بن عباس فسلم وجلس ، فقال عمر: قد جاءكم الخبير ، من أشعر الناس يا عبد الله؟ قال: زهير بن أبي سلمى . قال: فأنشدني مما تستجيده له. فقال: يا أمير المؤمنين ، إنه مدح قوماً من غطفان يقال لهم بنو سنان ، فقال: لو كان يَقْعُد فوق الشمس من كرم قومٌ بأولهم أو مجدهم قعدو قوم أبوهـم سنان حيـن تنسبهـم طابوا وطاب من الأولاد ما ولدو إنسٌ إذا أمنوا ، جنٌّ إذا فزعوا مرزَّؤون بها ليلاً إذا جهدو محسَّدون على ما كان من نعم لا ينزع الله منهم ما لهُ حسدو فقال عمر: والله لقد أحسن ، وما أرى هذا المدح يصلح إلا لهذا البيت من هاشم لقرابتهم من رسول الله(ص). فقال ابن عباس: وفقك الله يا أمير المؤمنين ، فلم تزل موفقاً . فقال: يا بن عباس ، أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال: لا ، يا أمير المؤمنين . قال: لكني أدري . قال: ما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال: كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة ، فتُجْخفوا جخفاً (تتكبروا تكبراً ) ، فنظرت قريش لنفسها فاختارت ووفقت فأصابت ! فقال ابن عباس: أيميط أمير المؤمنين عني غضبه فيسمع؟ قال: قل ما تشاء . قال: أما قول أمير المؤمنين: إن قريشاً كرهت ، فإن الله تعالى قال لقوم: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ . وأما قولك: إنا كنا نجخف ، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنا قومٌ أخلاقنا مشتقة من خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ، وقال له: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وأما قولك: فإن قريشاً اختارت ، فإن الله تعالى يقول: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن الله اختار من خلقه لذلك من اختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر الله لها لوفقت وأصابت قريش !! فقال عمر: على رسلك يا ابن عباس ، أبت قلوبكم يا بني هاشم إلا غشاً في أمر قريش لا يزول ، وحقداً عليها لا يحول ! فقال ابن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين ، لا تنسب هاشماً إلى الغش فإن قلوبهم من قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي طهره الله وزكاه ، وهم أهل البيت الذين قال الله تعالى لهم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً . وأما قولك: حقداً فكيف لايحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره ! فقال عمر: أما أنت يا بن عباس فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي . قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ أخبرني به فإن يك باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقاً فإن منزلتي لاتزول به . قال: بلغني أنك لاتزال تقول: أخذ هذا الأمر منكم حسداً وظلماً . قال: أما قولك يا أمير المؤمنين: حسداً ، فقد حسد إبليس آدم ، فأخرجه من الجنة ، فنحن بنو آدم المحسود . وأما قولك: ظلماً ، فأمير المؤمنين يعلم صاحب الحق من هو ! ثم قال: يا أمير المؤمنين ، ألم تحتج العرب على العجم بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واحتجت قريش على سائر العرب بحق رسول الله ! فنحن أحق برسول الله من سائر قريش ! فقال له عمر: قم الآن فارجع إلى منزلك ! فقام ، فلما ولى هتف به عمر: أيها المنصرف إني على ما كان منك لراع حقك ! فالتفت ابن عباس فقال: إن لي عليك يا أمير المؤمنين وعلى كل المسلمين حقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع ، ثم مضى ! فقال عمر لجلسائه: واهاً لا بن عباس ما رأيته لاحى أحداً قط إلاخصمه)!
2 ـ ظلامة الإسلام في السقيفة
ونقصد بها الظلامة الفكرية للإسلام ! لأن الإسلام علمٌ بكل معنى الكلمة ، بل هو علم العلوم ، لأن وظيفته أن يدير حياة الإنسان بكل علومه ، ويوجهها الى هدفها المعنوي والمادي الأسمى . لذلك يتوقف تحقيق أهدافه في مجتمعه والعالم على شخص متخصص فيه يطبقه بعلم ، ولا يكفي أن يقول شخص إني سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبلغ كتاب ربه ووحيه ، فأنا أستطيع أن أحكم بالإسلام وأطبقه! بل يحتاج الخليفة أو الإمام الى إعداد وإلهام إلهي ، ولذلك أعدَّ الله عترة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لهداية الأمة بهذا العلم وأورثهم علم الكتاب الذي هو تبيان كل شئ فقال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.(فاطر:32) . ثم أمر الصحابة والأجيال بطاعتهم لعصمتهم فقال:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ. (النساء:59) . فالذين يأمر الله الأمة بطاعتهم أناسٌ خاصون ، ومن المحال أن يأمر بطاعة كل من تغلب على الأمة وصار صاحب أمر ! وقد أجمع المسلمون على تميُّز علي عليه السلام في علمه ، ورووا أن الله تعالى كما أقْرَأَ الله رسوله فلا ينسى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى(الأعلى:6) ، فقد أمره أن يعدَّ علياً عليه السلام ويعلمه فلا ينسى ! قال السيوطي في الدر المنثور:6/260: (وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن مكحول قال: لما نزلت: وتعيها أذن واعية ، قال رسول الله(ص): سألت ربي أن يجعلها أذن عليّ. قال مكحول: فكان عليٌّ يقول:ما سمعت من رسول الله شيئاً فنسيته ! وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والواحدي ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، وابن النجاري ، عن بريدة قال: قال رسول الله(ص) لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وأن تعي ، وحق لك أن تعي ، فنزلت هذه الآية: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (الحاقة:12). وأخرج أبو نعيم في الحلية عن علي قال: قال رسول الله(ص): ياعلي إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي ، فأنزلت هذه الآية: وتعيها أذن واعية ، فأنت أذن واعية لعلمي ). انتهى . وقد عرف الجميع علم علي عليه السلام الذي أبعدوه بالسقيفة ، وضآلة علم أبي بكر وعمر وعثمان ، الذين أتوا بهم من السقيفة ، ورووا أخطاءهم الفظيعة في تفسير أوليات القرآن ، وجهلهم بأوليات أحكام الشريعة ،كتفسير آية: وفاكهةً وأبًّا ، وآية الكلالة ، وآية الربا ، وآية التيمم ، وإرث الجدة ، وعشرات الأمثلة ! قال في فتح الباري:9/323 قوله: وقال عليٌّ: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ . وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد ، عن شعبة ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، أن عمر أتيَ بمجنونة قد زنت وهي حبلى ، فأراد أن يرجمها ! فقال له علي: أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة.. فذكره ، وتابعه بن نمير، ووكيع وغير واحد ، عن الأعمش، ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع . أخرجه أبو داود ، وابن حبان من طريقه ، وأخرجه النسائي من وجهين آخرين.... وأخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور ) . فالذي حدث في السقيفة: أن أول أئمة العترة ، الذي عنده علم الكتاب قد أقصيَ وأُجبر على البيعة لشخص لايعرف حكم العاقل من المجنون ، ويأمر بقتل امرأة وجنينها بدون حق ، باسم الإسلام ! فأي ظلم لعلم وقانون تخصصي كالإسلام ، أكبر من أن تقوم بسجن الخبير المتخصص به ، وتأتي بمن يجهله ليطبقه ويحكم به ؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
نعم سبب تفرقة الامه هي خيانه وانقلاب من لم يدخل الايمان الى قلوبهم في الزريبة ....
لعنهم الله بقدر كل قطره دم اريقت بسببهم ولعنهم الله لانهم اخذوا الحق من اصحابه
انا استغرب ممن يتبع ابن ابي قحافة رضي الله عني
لماذا لا يتباهى في السقيفة أليس هو اليوم الذي توج فيه حاكم على رقاب المسلمين
تراهم لا يذكروها كثيرا
أليست شورى هي وكما تسمى في مصطلح هذا العصر ديمقراطية
لماذا لا يفتخرون بها؟؟
فالذي حدث في السقيفة: أن أول أئمة العترة ، الذي عنده علم الكتاب قد أقصيَ وأُجبر على البيعة لشخص لايعرف حكم العاقل من المجنون ، ويأمر بقتل امرأة وجنينها بدون حق ، باسم الإسلام ! فأي ظلم لعلم وقانون تخصصي كالإسلام ، أكبر من أن تقوم بسجن الخبير المتخصص به ، وتأتي بمن يجهله ليطبقه ويحكم به ؟!