عضو برونزي
|
رقم العضوية : 42258
|
الإنتساب : Sep 2009
|
المشاركات : 503
|
بمعدل : 0.09 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى العام
من انا وماذا اريد
بتاريخ : 01-06-2011 الساعة : 09:56 PM
عبد الجبار سبتي
من أنا وماذا أريد
تتلاصق الكلمات وتتشابك الحروف لتمحي المعاني
وتضع حولها ضبابية مقيتة تجعلنا نتيه في طرقاتها
الحب والكراهية النضال والخيانة الوفاء والغدر التسامح والغرور التواضع والكبرياء الحنان والقسوة العبودية والحرية المصداقية والخداع الوضوح والتلون
مصطلحات رخوة , لا تعدو أن تكون فساتين وبدل نرتدي ما نشاء منها وقت نشاء , أو نلبسها للغير المبتلى , الذي قد يكون صديقا اختلفنا معه أو حبيبا مللناه أو عاشقا شاءت أقدارنا إن تبعدنا عنه ....
العربي دائما يبحث عن التفخيم والتضخيم ... وكأنه يحاول دائما إن يطمس حقيقة ما , أو يبعد خطر يتحسسه , أو يخفي حقيقة مخيفة , يبحث دائما عن الكلام ويستلذ برنينه ويعجب بصخبه , بينما يبتعد كثيرا عن الواقع ومحسوساته , وقد يكون ابتعاده عن واقعه بسبب قسوة هذا الواقع وتقلباته , إلا إن هذا لا ينفي ما قلناه سابقا , من إننا دائما في سباق مع الكلمات ورنينها , ويندر أن نجد من يصف لك حالة ما بواقعية مجردة بعيدة عن التعنت وإلصاق العناوين الكبيرة بالغير أو التهويل , معجبون نحن دائما حد الهوس بالكلمات والأوصاف الكبيرة , فترانا نطبل ونزمر لأبسط الأمور والحالات والتي يمكن أن تحل بعيدا عن زيف الكلام وترجرجه , يقول عمرو ابن هند في معلقته
إذا ما بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابرة ساجدينا
تراثنا ينبئنا بأننا كنا نبيع الكلمات ليس إلا وان واقعنا بعيد جدا عما نخطه أو نقوله أو نتغنى به , ونحن في واقعنا اليوم لا نعدو أن نكون ورثنا ثروة ضخمة من رنين الكلمات ورونقها فترانا نتَّبع زيف الكلام ونتناسى الواقع ونترك الأفعال... وحقيقة فإننا لا نجد شيئا يستحق أن نتباهى به أمام الغير سوى كلمات نظن بأنها ستقينا سياط واقعنا المؤلم وحقيقته , في واقع اليوم لم أجد مجتمعا عربيا يستطيع أن يضع حدودا حقيقية بين معاني الكلمات وماهيتها وما يراد منها بالضبط , فمثلا نحن نخلط كثيرا بين مفهومين مختلفين هما الحب والزواج ... وهذا الخلط يسبب إشكالية كبيرة جدا , فالمصطلحان بعيدان تماما عن بعضهما البعض وهما يمثلان حالتان مختلفتان عن بعضهما , نعم قد ينتهي الحب بالزواج وهذا شئ جميل أو قد يكون غير جميل , لكني اعتقد إن إشكالية فشل الحب عند الكثير من شبابنا هو النظر إلى الحب كمشروع للزواج , وفي هذا خلط وإبهام للمصطلح كحالة منفصلة قد لا تمت للحالة الأخرى بصلة , لا يمكنني أن أجد تعريفا للحب وهو ليس من اختصاصي ولست هنا لأبحث عن هذا التعريف ولكني أكاد اجزم إن الحب هو حالة منفردة ومنفصلة تماما عن الزواج الذي بدوره هو حالة تصف شيئا أخر غير الحب , لست معنيا بما تئول إليه نهايات الحالتين فقد ينتهي الحب بالزواج وقد لا ينتهي به كما قد ينتهي الزواج نفسه بالطلاق أو قد يستمر ,ولست معنيا ايضا هنا بأشكالية ونظرة المجتمع للزواج وتحوله من حالة ترابط مقدس بين شخصين الى حالة استعباد لاحد الشخصين... ولكنهما (الحب والزواج)حالتان مختلفتان واسمان لشيئان مختلفان , ما نخطئ به نحن العرب هو اختلاط المفاهيم لدينا واقصد مفاهيم المصطلحات وعدم وضوحها , فلا توجد لدينا حدود واضحة للكلمات ولدينا خلط واضح بين الكثير من الأمور ,وإبهام وضبابية تجعلنا نكون بعيدين عن معرفة وفهم ذواتنا نفسها وما يدور في دواخلنا وما نبحث عنه بالضبط , هذه الضبابية وعدم الوضوح ناتج بالضبط عما أشار إليه العلامة الوردي في موضوعة الازدواجية في شخصية الفرد العراقي بوجه الخصوص والعربي بالشكل العام , وكذلك من مسبباتها والتي أشار إليها الدكتور الوردي أيضا ...هي الصراع بين قيم البداوة والحضارة وما تسببه من تضارب بين جديد نتعلمه وتراث نعتز به فلم نستطع ولحد ألان أن نوازن بين التحضر والتراث ,بين الواقع ومتطلباته وما يفرضه من سلوكيات وألفاظ ومفاهيم جديدة وبين تربية نشأنا عليها وأساطير وتأريخ ورثناه يأبى إلا أن يفرض حضوره ,لذلك فإننا في حقيقة الأمر عندما ننظر للحب كمشروع للزواج فإننا نحاول شرعنة الحب ,أي إضفاء صبغة شرعية عليه لكي نوزن بين ما قلنا انه يمثل الازدواج بين التحضر والتراث ,وهذا دليل واضح وبين على حالة ازدواجية الفكر, وكذلك فأن للسياسة الأثر الكبير في المجتمع حيث العالم المطاط من الكلمات وتميع المواقف حسب المصالح وابتعاد قادتنا وسياسينا (قديما وحديثا وعلى اعتبار إن الأمم على دين ملوكها) ابتعادهم عن التمسك بالمبادئ وتقافزهم على الكلمات والمصطلحات ...كان له الأثر الكبير والواضح في زيادة الضبابية والإبهام وعدم فهم ما يدور في داخل أنفسنا أو في داخل مجتمعاتنا , فأصبح من السهل أن نستخدم كلمات كبيرة المعنى في غير مواضعها أو أن نضخم حالة ما فنصفها بغير حقيقتها وننقلها بصورة مغايرة تماما لواقعها , وكل ذلك مرده التصلب في المواقف والحدة في التعامل والتعصب في تفسير الأحداث , حتى استسهلنا كلمات وأوصاف لا يمكن أن نصف بها إلا أعدا الأعداء فإذا بنا نصف بها من كانوا قريبين منا أو إخوة لنا أو حتى أحب الأحباب بمجرد أن نختلف معهم , فكلمات الغدر والخيانة والنفاق والعمالة صارت تتداول بكل سهولة وبشكل يكاد يكون طبيعي وغير مستهجن وغير خاضع أبدا لأي منطق أو عدالة وحتى من غير معرفة المعنى الحقيقي للكلمة,كذلك فأن كلمات من مثل كرم وتسامح وإخلاص والتزام ومبادئ أصبحت كلمات جوفاء خالية من أي معنى أو قيمة أدبية أو نظرة دلالية قدر ما أحلناها إلى شي يشبه أزياء المناسبات نرتدي ما نشاء منها ونخلعها بانتهاء تلك المناسبة.... إنما هي الأهواء من تتحكم بنا وتسوقنا سوقا نحو حروب كلامية عبثية واستعداء الأخر وتكفيره ومحاولة النيل منه بأي شكل كان أو نخلع عليه أوصافا نجعله فيها بمصاف الأنبياء والأصحاب الخلص .
كل ذلك مرده عدم التحديد والضبابية التي تحيط كل شئ في مجتمعنا ابتدءا من مهام وواجبات وحقوق مراجع الدين وليس انتهاءا بتلميذ يجلس على كرسي في مدرسة ابتدائية وبجانبه تجلس تلميذه...فتاهت المعاني وتخالطت الأسماء واختفت الملامح من على وجه المسميات ...تاهت المعاني حينما أصبح اللص تاجرا والمتملق محبا والمتسامح جبانا والمحب متسولا والنفاق سياسة والطيبة جهل والتواضع مسكنة والالتزام بالمبادئ غرور وتكبر .
ما أريد أن أقوله هنا هو إننا أرانا نتخبط بين زيف الكلمات والمصطلحات وبين ما تعنيه بالضبط , بين المعنى الأصلي وبين ما تفهمه منها ذواتنا, بين تراثنا وما تعلمناه منه وبين الجديد وما يفرضه, بين عقولنا وبين أهواءنا , بين المنطق والفطرة وبين حاجاتنا واحتياجاتنا , فنحاول أن نضع ما نراه أمامنا من كلمات في قوالب خاصة بالمناسبة التي نمر بها حتى وان كانت قوالبنا غير مناسبة أبدا لتلك الكلمات والمصطلحات إلا إننا نحاول أن نحشرها حشرا فنفرغها بذلك من محتواها الأصلي ورونقها وما خلقت لأجله ,وأظن إن أصل المشكل هو إننا لم نفهم ذواتنا وما تبتغيه أصلا أو إننا لم نجد ما نبحث عنه بالضبط فنحاول التشبث بما نجده أمامنا ونحاول أن نصبغه بصبغتنا الخاصة لذلك فإننا نحاول إيهام النفس بان نسمي الأشياء بغير مسمياتها الحقيقية أو إننا نحاول أن نصبغ الواقع بلون غير لونه يكون اقرب إلينا وأكثر إقناعا لذواتنا متناسين إن صبغ المظهر لا يغير من الجوهر شئ , كأن نسمي تبادل المصالح صداقة أو استغلال المناصب العامة لأغراض شخصية بالشطارة أو أن نستحل السرقة بإخراج خمسها أو تبريرها بمظلومية سابقة أو تعاطي الرشوة على أنها هدايا والأمثلة تكثر وتطول حتى تصل إلى تأليه البشر أو رجمهم كما تُرجم الشياطين كل هذا لأننا لم نكتسب لحد اليوم ما اسميه (المعية الفكر في إطار الفطرة السليمة ).
وهذا هو التيه بالضبط وهو لعمري تيه الأنفس الحائرة وتخبط الذات التي تبحث عن المستقر , هو تيه المحجبة التي تغطي شعرها وترتدي بنطلون جينز كي تستطيع أن توفق بين تراث ديني وحاضر له متطلباته وبذلك تكون قد جعلت من مصطلح التحجب مصطلحا ضبابيا مطاطا افرغ من محتواه ومعناه الاصلي , وهو تيه من يمارس اللطم والبكاء في عاشوراء في الأماكن والشوارع العامة ليغلقها ويوقف بذلك مصالح الناس من دون أن يفهم إن هذا الفعل لا يرتضيه لا الدين ولا صاحب المناسبة المقدسة وبذلك هو يفرغ معنى الشعيرة المقدسة من معناها ومفهومها ويعطي انطباعا غير ما اريد منها بالضبط , وهو تيه سياسيين يرتبطون بالخارج ويمارسون الدجل بذريعة إن السياسة فن الممكن من دون أن يفهموا إن السياسة بأي شكل كانت وبأي صورة مورست ما هي إلا أساس لخدمة مصالح الوطن فحسب, وهو تيه شباب يبحث عن تحقيق ذاته وأحلامه من خلال معرفة تاريخ وأحداث الأندية الأوربية وشتم الاحتلال من دون أن يفهموا إن تحقيق الذات لا يكون من خلال التبهرج بالكلمات والأسماء الأجنبية ,هو تيه معلم الابتدائية الذي يعلم التلاميذ (دار دور) وهو يسكن في صفيح ساخن فيعلمهم تركيبة الأحرف فاقدة المعنى الحقيقي , وهو تيه رجل دين يحاسب الناس ويعمل الموبقات فيسمعهم كلاما أجوف خال من المعنى الحقيقي وهو تيه طبيب اقسم قسما وتقاضى ثمنه أضعافا مضاعفة من جيوب مرضى مساكين تاجر بهم وعرضهم للخطر من غير أن يعي معنى القسم وما تعنيه قدسية المهنة....وكل اولئك غير ملومين لانهم لم يجدوا العلامات الحقيقية الدالة صوب الحقيقة فتاهوا عنها... هو تيه مجتمع بالكامل يكاد أن يحيا حياتين في آن واحد ويحتاج كل يوم إلى تعريف مهم وضروري جدا وهو (من أنا وماذا أريد).
|