|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 81782
|
الإنتساب : Dec 2014
|
المشاركات : 36
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى العقائد والتواجد الشيعي
الحقوق والحقوق الالهية
بتاريخ : 25-12-2014 الساعة : 11:04 PM
في الحقوق والواجبات
قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: "الحق أوسع الأشياء في التواصف، وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له، ولو كان لأحد أن يجري له ولا يجري عليه لكان ذلك خالصاً للّه سبحانه دون خلقه، لقدرته على عباده، ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه. ولكن جعل حقه على العباد أن يطيعوه، وجعل جزاءهم عليها مضاعفة الثواب تفضلاً منه، وتوسعاً بما هو من المزيد أهله. ثم جعل سبحانه من حقوقه حقاً افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها، ويوجب بعضها بعضاً، ولا يستوجب بعضها إلا ببعض".
فان الانسان مدني بالطبع، لا يستغني عن أبناء جنسه، ولا يستطيع اعتزالهم والتخلف عن مسايرة ركبهم، فانه متى انفرد عنهم أحسن بالوحشة والغربة، واستشعر الوهن والخذلان، ازاء طوارئ الأقدار وملمات الحياة، وعجز عن تحقيق ما يصبو اليه من أماني وآمال، لا يتسنى له تحقيقها الا بالتضامن والتآزر الاجتماعيين.
فهو فرع من دوحة أسرية وشجت على الآباء، وتفرعت عن الأبناء، فالأعمام والأخوال، وامتدت أغصانها حتى انتضمت سائر الأقرباء والأرحام. وهو عنصر من عناصر المجتمع، ولبنة في كيانه، تتجاذبه أواصر شتى وصلات مختلفة: من العقيدة، والصداقة، والثقافة، والمهنة، وغيرها من الصلات الكثر.
وهذا الترابط الاجتماعي، او المجتمع المترابط، لابد له من دستور ينظم حياته، ويوثق أواصره، ويحقق العدل الاجتماعي في ظلاله، بما يرسمه من حقوق وواجبات، فردية واجتماعية، تضمن صالح المجتمع، وتصون حقوقه وحرماته المقدسة.
وبذلك يغدو المجتمع زاهراً، سعيداً بالوئام والسلام، والخير والجمال. وباغفال ذلك يغدو المجتمع بائساً شقياً، تسوده الفوضى، ويشيع فيه التسيب، وتنخر في كيانه عوامل التخلف والانهيار. وقد حوت الشريعة الاسلامية "فيما حوته من ضروب المعجزات الاصلاحية" انها جاءت بدستور أخلاقي هادف بناء، ينظم حياة الفرد وحياة المجتمع أفضل وأكمل تنظيم، بما يرسم له من حقوق وآداب اجتماعية في مختلف الحقول والمجالات، ما يحقق للمسلمين مفاهيم السلام والرخاء، ويكفل إسعادهم أدبياً ومادياً.
من أجل ذلك كان لزاماً على المسلم أن يستلهم ذلك الدستور، ويعرف ماله وعليه من الواجبات والحقوق، ويعنى بتطبيقه والسير على هداه، ليكون مثلاً رفيعاً في جمال السيرة وحسن السلوك، ورعاية حقوق من ينتسب اليهم، ويرتبط بهم من صنوف الروابط والصلات الاجتماعية، وليحقق بذلك ما يهفو اليه من توقير وحب وثناء.
الحقوق الالهية: تتفاوت الحقوق بتفاوت أربابها، وقيم عطفهم وفضلهم على المحسنين اليهم. فللصديق حق معلوم، ولكنه دون حق الشقيق البار العطوف، الذي جمع بين آصرة القربى وجمال اللطف والحنان. وحق الشقيق دون حق الوالدين، لجلالة فضلهما على الولد وتفوقه على كل فضل. وبهذا التقييم ندرك عظمة الحقوق الالهية، وتفوقها على سائر الحقوق، فهو المنعم الأعظم الذي خلق الانسان، وحباه من صنوف النعم والمواهب ما يعجز عن وصفه وتعداده، ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾(لقمان:20).
﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾(ابراهيم:34). فكيف يستطيع الانسان حد تلك الحقوق وعرضها، والاضطلاع بواجب شكرها، إلا بعون اللّه تعالى وتوفيقه. فلا مناص من الاشارة الى بعضها والتلويح عن واجباتها، وهي بعد احراز الايمان باللّه، والاعتقاد بوحدانيته، واتصافه بجميع صفات الكمال وتنزيهه عما لا يليق بجلال ألوهيته.
1- العبادة: قال علي بن الحسين عليه السلام: "فأما حق اللّه الأكبر فانك تعبده، لا تشرك به شيئاً، فاذا فعلت ذلك باخلاص، جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منه"1. والعبادة لغة، هي: غاية التذلل والخضوع، لذلك لايستحقها الا المنعم الأعظم الذي له غاية الافضال والانعام، وهو اللّه عز وجل.
واصطلاحاً هي: المواظبة على فعل المأمور به. وناهيك في عظمة العبادة وجليل آثارها وخصائصها في حياة البشر: ان اللّه عز وجل جعلها الغاية الكبرى من خلقهم وإيجادهم، حيث قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾(الذاريات:56-58).
وبديهي ان اللّه تعالى غني عن العالمين، لاتنفعه طاعة المطيعين وعبادتهم، ولاتضره معصية العصاة وتمردهم، وإنما فرض عبادته على الناس لينتفعوا بخصائصها وآثارها العظيمة، الموجبة لتكاملهم واسعادهم.
فمن خصائص العبادة: أنها من أقوى الأسباب والبواعث على تركيز العقيدة ورسوخ الايمان في المؤمن، لتذكيرها باللّه عز وجل ورجاء ثوابه، والخوف من عقابه، وتذكيرها بالرسول الأعظم، فلا ينساه ولا ينحرف عنه.
فاذا ما أغفل المؤمن عبادة ربه نساه، وتلاشت في نفسه قيم الايمان ومفاهيمه، وغدا عرضة للإغواء والضلال. فالعقيدة هي الدوحة الباسقة التي يستظل المسلمون في ظلالها الوارفة الندية، والعبادة هي التي تصونها وتمدها بعوامل النمو والازهار.
والعبادة بعد هذا من أكبر العوامل على التعديل والموازنة، بين القوى المادية والروحية، التي تتجاذب الانسان وتصطرع في نفسه ولا تتسنى له السعادة والهناء إلا بتعادلها. ذلك، أن طغيان القوى المادية واستفحالها يسترق الانسان بزخرفها وسلطانها الخادع، وتجعله ميالاً الى الاثرة والأنانية، واقتراف الشرور والآثام، في تحقيق أطماعه المادية.
فلا مناص "والحالة هذه" من تخفيف جماح المادة والحد من ضراوتها، وذلك عن طريق تعزيز الجانب الروحي في الانسان، وإمداده بطاقات روحية، تعصمه من الشرور وتوجهه وجهة الخير والصلاح. وهذا ماتحققه العبادة باشعاعاتها الروحية، وتذكيرها المتواصل باللّه تعالى، والدأب على طاعته وطلب رضاه.
والعبادة بعد هذا وذاك: اختبار للمؤمن واستجلاء لأبعاد إيمانه. فالايمان سر قلبي مكنون، لا يتبين إلا بما يتعاطاه المؤمن من ضروب الشعائر والعبادات، الكاشف عن مبلغ إيمانه وطاعته للّه تعالى. وحيث كانت العبادة تتطلب عناءاً وجهداً، كان أداؤها والحفاظ عليها دليلاً على قوة الايمان ورسوخه، واغفالها دليلاً على ضعفه وتسيبه. فالصلاة .. كبيرة إلا على الخاشعين. والصيام.. كف النفس عن لذائذ الطعام والشراب والجنس. والحج.. يتطلب البذل والمعاناة
في أداء مناسكه. والزكاة.. منح المال الذي تعتز به النفس وتحرص عليه. والجهاد: هو الاقدام على التضحية والفداء في سبيل الواجب، وكلها اُمور شاقة على النفس. من أجل ذلك كان أداء العبادة والقيام بها برهاناً ساطعاً على إيمان صاحبها وطاعته للّه عز وجل.
2- الطاعة: وهي الخضوع للّه عز وجل وامتثال جميع أوامره ونواهيه. ولا ريب أنها من أشرف المزايا، وأجل الخلال الباعثة على سعادة المطيع وفوزه بشرف الدنيا والآخرة، كما نوهت بها الآيات الكريمة والأخبار الشريفة: قال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾(الاحزاب:71).
وقال سبحانه ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(الفتح:17). وقال الامام الحسن الزكي عليه السلام: "واذا أردت عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية اللّه الى عز طاعة اللّه عز وجل".
وقال الصادق عليه السلام: "اصبروا على طاعة اللّه، وتصبروا عن معصية اللّه، فانما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت"2.
3- الشكر: وهو: عرفان نعمة المنعم، وشكره عليها، واستعمالها في مرضاته. والشكر خلة مثالية يقدسها العقل والشرع، ويحتمها الضمير والوجدان، ازاء المحسنين من الناس. فكيف بالمنعم الأعظم الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تعد آلاؤه؟.
من أجل ذلك حثت الشريعة على التحلي به، في نصوص عديدة من الآيات والروايات. قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾(ابراهيم:7). وقال الصادق عليه السلام: "من أعطي الشكر أعطي الزيادة، يقول اللّه عز وجل (لئن شكرتم لازيدنكم)"3.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: "الطاعم الشاكر، له من الأجر كأجر الصائم المحتسب. والمعافى الشاكر، له من الأجر كأجر المبتلى الصابر. والمعطى الشاكر، له من الأجر كأجر المحروم القانع"4.
4- التوكل: وهو: الاعتماد على اللّه عز وجل في جميع الامور، وتفويضها اليه، والإعراض عما سواه. والتوكل، هو من أجل خصائص المؤمنين ومزاياهم المشرفة، الموجبة لعزتهم وسمو كرامتهم وارتياح ضمائرهم، بترفعهم عن الاتكال والاستعانة بالمخلوقين، ولجوئهم وتوكلهم على الخلاق العظيم القدير في كسب المنافع ودرء المضار.
لذلك تواترت الآيات والآثار في تمجيد هذا الخلق، والتشويق اليه. قال تعالى: ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾(آل عمران:160). وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾(الطلاق:3). وقال الصادق عليه السلام: "إن الغنى والعز يجولان، فاذا ظفرا بموضع التوكل أوطن"5. وقال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن عليه السلام: "والجئ نفسك في الامور كلها الى إلهك، فانك تلجئها الى كهف حريز، ومانع عزيز"6.
الهوامش
1- رسالة الحقوق للامام علي بن الحسين عليه السلام.
2- الوافي، ج 2 ص 63، عن الكافي.
3- الوافي، ج 2 ص 67، عن الكافي.
4- الوافي ج 3 ص 67 عن الكافي.
5- الوافي ج 3 ص 56 عن الكافي.
6- نهج البلاغة
|
|
|
|
|