بسم الله الرحمن الرحيم..
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..
اللهم صلّ على محمد و آل محمد و عجّل فرجهم و العن اعداءهم
جاء في كتاب «تثقيف الأمّة بسيرة أولاد الأئمة عليهم السلام» للشيخ المؤيد ص106: بأن السيدة أمّ كلثوم تزوّجت من ابن عمّها عون بن جعفر و ذلك عملاً بالحديث النبوي الشريف : « بناتنا لبنينا و بنونا لبناتنا »، و في ص107 قال: « قال الشيخ المفيد إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليّ سلام اللّه عليه ابنته من عمر غير ثابت ، و هو من طريق الزبير بن بكّار ، و طريقه معروف لم يكن موثوقاً في النقل، و كان متهماً فيما يذكره ، و كان يبغض أمير المؤمنين سلام اللّه عليه و غير مأمون فيما يدعيه عنه على بني هاشم ، كما روى الحديث نفسه مختلفاً ، فتارة يروي أن أمير المؤمنين سلام اللّه عليه تولّى ذلك ، و تارة يروي أن العباس تولّى العقد عنه ، و تارة يروي أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد من عمر و تهديد لبني هاشم ، و تارة يروي أنه من اختيار و إيثار ، و كثرة الاختلاف يبطل الحديث و لا يكون له تأثير على حال، انتهى كلامه أعلى الله مقامه » و عليه : فالرواية موضوعة و القصّة مفتعلة من قبل شخص كان يبغض أمير المؤمنين ، و بغض أمير المؤمنين سلام اللّه عليه كفر ، كيف لا و قد أخرج الطبراني بسند حسن عن أمّ سلمة عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال: « من أحبّ علياً فقد أحبني ، و من أحبّني فقد أحبّ الله ، و من أبغض عليّاً فقد أبغضني، و من أبغضني فقد أبغض الله » الصواعق المحرقة لابن حجر ص19 و قال صلى الله عليه و آله أيضاً: « حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي و آذاني في عترتي» نور الأبصار للشبلنجي ص123 و قد اعترف صاحب المقالة هنا بالظلم الواقع عن بعض الصحابة على أمير المؤمنين سلام اللّه عليه و روى البلاذري عن أبي عبد الله الجدلي قال : دخلت على أمّ سلمة فقالت: « يا أبا عبد الله أيسبّ رسول الله صلى الله عليه و آله فيكم و أنتم أحياء ؟ قلت : معاذ الله ، قالت: أليسوا يسبّون عليّاً و من أحبّه ؟ قلت : بلى » البلاذري في أنساب الأشراف ص82 و المسند للإمام أحمد ج6 ص323. و صاحب المقالة قد سبّ علياً سلام اللّه عليه و من أحبّه في مقالته هذه ، و عليه : فإنه مشمول لحديث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.
من علماء السنة الذين ذكروا خبر التزويج :
1 ـ ابن سعد / الطبقات الكبرى 8 / 462 .
2 ـ الدولابي / الذريّة الطاهرة : 157 .
3 ـ الحاكم النيسابوري / المستدرك 3 / 142 .
4 ـ البيهقي / السنن الكبرى 7 / 63 .
5 ـ الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 6 / 182 .
6 ـ ابن عبد البر / الاستيعاب 4 / 1954 .
7 ـ ابن الاثير الجزري / اسد الغابة 5 / 516 .
و لكن عند المراجعة لأسانيد خبر التزويج يتبين أن لا أصل لأصل الخبر فضلا عن جزئياته و متعلقاته! و ذلك بالنظر الى أصول أهل السنة و قواعدهم في علم الحديث ، و استناداً الى كلمات علمائهم في علم الرجال:
1 ـ إنه حديث أعرض عنه البخاري و مسلم فلم يخرجاه في كتابيهما المعروفين بالصحيحين ، و كم من حديث صحيح سنداً لم يأخذوا به في بحوثهم المختلفة معتذرين بعدم إخراجهما إياه .
2 ـ إنه حديث غير مخرّج في شيء من سائر الكتب المعروفة عندهم بالصحاح ، فهو حديث متّفق على تركه بين أرباب الصحاح الستة .
3 ـ إنه حديث غير مخرّج في المسانيد المعتبرة ، كمسند أحمد بن حنبل الذي قال أحمد و جماعة تبعاً له بأن ماليس فيه فليس بصحيح …
بالاضافة الى أن جميع اسانيد الخبر ساقطة لأن رواته بين مولى عمر و قاضي الزبير و قاتل عمار و علماء الدولة الاموية و رجال أسانيده بين كذّاب و وضّاع و ضعيف و مدلّس فلا يصح الاحتجاج به و الركون اليه ، هذا ما اعترف به نفس علمائهم.
قال الشيخ المفيد في بعض رسائله [ عدة رسائل للشيخ المفيد : 227 ـ 229 ] :
(( إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (عليه السلام) من عمر غير ثابت , و هو من طريق الزبير بن بكّار , و طريقه معروف , لم يكن موثوقاً به في النقل , و كان متهماً فيما يذكره , و كان يبغض أمير المؤمنين (عليه السلام) , و غير مأمون فيما يدعيه عنه على بني هاشم , و إنما نشر الحديث اثبات أبي محمد الحسن بن يحيى صاحب النسب ذلك في كتابه , فظن كثير من الناس أنه حق له لروايته رجل علوي , و إنما رواه عن الزبير بن بكّار .
و الحديث نفسه مختلف :
فتارة يروى أن أمير المؤمنين عليه السلام تولّى العقد له على ابنته .
و تارة يروى عن العباس أنه تولى العقد له عنه .
و تارة يروى أنه لم يقع العقد الا بعد و عيد من عمر و تهديد لبني هاشم .
و تارة يروى أنه كان من اختيار و إيثار .
ثم إن بعض الرواة يذكر إن عمر أولدها ولداً أسماه زيد .
و بعضهم يقول : إنه قتل من قبل دخوله بها .
و بعضهم يقول : إن لزيد بن عمر عقباً .
و منهم من يقول : إنه قتل و لا عقب له .
و منهم من يقول : إنه و أمه قتلا .
و منهم من يقول : إن أمه بقيت بعده .
و منهم من يقول : إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم .
و منهم من يقول : أمهرها أربعة آلاف درهم .
و منهم من يقول : كان مهرها خمسمائة درهم .
و بدء هذا القول و كثرة الاختلاف فيه يبطل الحديث , و لا يكون له تأثير على حال.
قال العلامة المجلسي في [ مرآة العقول 20/42 ] :
(( هذان الخبران لا يدلان على وقوع تزويج أم كلثوم رضي الله عنها من الملعون المنافق ضرورة و تقية , و ورد في بعض الأخبار ما ينافيه , مثل ما رواه القطب الروانديّ عن الصفار بإسناده الى عمر بن أذينة قال : قيل لأبي عبد الله عليه السلام : إن الناس يحتجون علينا ويقولون : إن أمير المؤمنين عليه السلام زوّج فلاناً ابنته أم كلثوم , و كان متكئاً , فجلس و قال : أيقولون ذلك ؟ إن قوماً يزعمون ذلك لا يهتدون الى سواء السبيل , سبحان الله ! ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه و بينها فينفذها , كذبوا و لم يكن ما قالوا , إن فلاناً خطب الى عليّ عليه السلام بنته أم كلثوم , فأبى عليّ فقال للعباس : و الله لئن لم تزوجني لأنتزعنّ منك السقاية و زمزم , فأتى العباس علياً فكلّمه , فابى عليه , فألح العباس , فلما رأى أمير المؤمنين مشقة كلام الرجل على العباس و أنه سيفعل بالسقاية ما قال , أرسل أمير المؤمنين الى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها : سخيفة بنت جريريّة , فأمرها , فتمثلت في مثال أم كلثوم وحجبت الأبصار عن أم كلثوم , وبعث بها الى الرجل , فلم تزل عنده...)).