نبيه البرجي
«حين تنفجر الخارطة في سوريا لا بد ان تنفجر الخارطة في الشرق الاوسط». لا احد اصغى الى ملاحظة وزير الخارجية الفرنسية السابق اوبير فيدرين قبل نحو عامين. الآن، العبارة ذاتها تقريبا تقال لشخصية خليجية بارزة، وهادئة، في اسطنبول، الضائعة داخل الفضيحة، بما فيها الفضيحة الديبلوماسية وحتى الفضيحة الاستراتيجية، وايضا في واشنطن حيث التقى دنيس روس ليسمع ان لعبة الدومينو في ذروتها…
روس، العاشق الابدي لهيكل سليمان والذي يعتبر انه لولا اسرائيل «لما كان لنا موطئ قدم في تلك المنطقة»، قال للشخصية الخليجية انه لا يعتقد ان الشروط التاريخية، او الطائفية، التي ادت الى انشاء الدولة في لبنان لا تزال قائمة، وهو يعتبر ان الازمة في سوريا والتي تداخلت فيها، على نحو دراماتيكي، كل الاوبئة الطائفية والاتنية وحتى القبلية، هي « ازمة الشرق الاوسط الآن».
استطراداً، ان بنية الصراع قد تغيرت بصورة جذرية. ازمة الشرق الاوسط بمفهومها القديم، وبمصطلحها القديم، لم تذهب الى الثلاجة وانما الى الهباء، فما ان لاحظت دول عربية ان الولايات المتحدة بدأت تعيد النظر في بعض الجوانب الجغرافية لفلسفتها الاستراتيجية، حتى بادرت الى التواصل مع اسرائيل لاقامة ذلك «الحلف المقدس» الذي يحميها من «الجنون الايراني»…
وبحسب ما تنقل الشخصية الخليجية، فإن اللوبي اليهودي اضطلع بدور محوري في تسويق المخاوف وبرمجتها وحتى توجيهها، وعلى اساس ان الجنون الايديولوجي يتقاطع مع الجنون التكنولوجي في ايران التي عاودها، فرويديا، الهاجس الامبراطوري، فطهران كانت تدرك انه ستحين تلك اللحظة التي تتراخى فيها القبضة الاميركية، ولا بد ان يكون هناك من يملأ الفراغ…
وروس يعتبر ان الموقف الايراني من اسرائيل هو موقف مسرحي، فالايرانيون قد يكونون اكثر من الروس شغفا بوضع اقدامهم في مياه البحر الابيض المتوسط. التاريخ حافل بالامثلة. وعندما يحققون ذلك من الطبيعي ان يكملوا مسارهم الامبراطوري ليغدو الخليج تحت وصايتهم..
لم يكن روس وحده هو الذي روج لهذا النوع من «البضاعة»، فما استقته الشخصية الخليجية من واشنطن ان السناتور جون ماكين الذي دخل، احتفاليا، الى اكثر من بلاط عربي، خدع من التقاهم بأن طروحاته ليست استنتاجات شخصية وانما هي حصيلة تقارير استخباراتية حساسة في حوزة الدوائر الاميركية المعنية. اذا،ً حربكم، ايها السادة، ضد طهران لا ضد اورشليم…
ولكن، للعلم فقط، فإن روس هو التلميذ النجيب لهنري كيسنجر الذي وصف لبنان بالفائض الجغرافي ( وكنت شخصيا اول من نقل هذا المصطلح عن الديبلوماسي الاميركي جورج بول). وما تناهى الى الشخصية الخليجية ان التسوية حول سوريا ستتجاوز بكثير المدى الكلاسيكي لهذه الكلمة، فالمسألة لا تنحصر في بلورة اطار فلسفي اخر للنظام الذي بات انتقاليا منذ اللحظة الاولى لاندلاع الاحتجاجات، بل انها تتعلق باعادة تركيب الخرائط التي انفجرت فعلا، وقد تشهد مزيدا من الانفجار..
وهو سأل: اين هي سوريا؟ واين هو العراق؟ واين هو لبنان؟ واين هو الاردن؟ ودون ان يعلق بشكل مباشر على استيضاح الشخصية الخليجية ما اذا كان صحيحا ان الاسرائيليين وضعوا تصورا لخارطة هذه الدول وتم ايداعها اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لتكون بمثابة خطة عمله بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعلى اساس ان الازمة السورية التي لا يمكن لاحد وقفها بسبب التعقيدات الكثيرة، فضلا عن التضاريس الطائفية والاتنية، في المشهد الشرق اوسطي، ستستهلك السنوات المتبقية من الولاية الثانية لباراك اوباما.
وما يبدو جليا ان اللوبي اليهودي ينشط، وبمنتهى الاندفاع، لاعادة ترتيب قواعد اللعبة في المنطقة، وبالصورة التي تضع الاميركيين والروس امام واقع جديد حتى ولو افترض ذلك قيام اسرائيل بعملية عسكرية في لبنان او في سوريا.
لكن ما سمعته الشخصية الخليجية من المخططين الاستراتيجيين في وزارة الخارجية هو اقرب الى رؤية اوباما للامور، والى حد قول احد هؤلاء ان الرئيس الاميركي الذي كان قد اوكل الى روس مهمة مستشار له لملف ازمة الشرق الاوسط يكاد يقول انه خدع بـ «الشخصية الحلزونية» للرجل، ولكن لم يكن امامه سوى ان يأخذ بتوصية اللوبي اليهودي الذي كان يتولى تهريب روس من ادارة الى اخرى…
والذي اثار ذهول الشخصية الخليجية ان دنيس روس يتعامل مع لبنان على انه لن يكون، كدولة، موجودا على الخارطة المحتملة، اذ ان جزءاً من لبنان سيكون موئلاً للفلسطينيين، ودون ان يحدد ما اذا كان المقصود انه سيكون موئلاَ للفلسطينيين المقيمين فيه ام ان حلم اسحق شامير، ولعله حلم ارييل شارون، سيتحقق ايضا بترحيل من تبقى من عرب الجليل. الفلسطينيون بكيان خاص وما عليهم سوى تصفية امورهم مع… «حزب الله»!
ببساطة يمكن تلمس الرؤية المشوشة لروس الذي يعتبر ان تنظيم القاعدة في سوريا، ومعه مشتقاته، تحول الى امر واقع في سوريا من الصعب ان لم يكن من المستحيل زحزحته، وقد تنشأ امارات اسلامية هناك، وتدوم طويلا..
الشخصية الخليجية ناقشت روس في طروحاته او في تكهناته، فمن هي القوى الاقليمية التي تستطيع استيعاب اي تغيير عاصف في الخرائط؟ ايران على خط تطبيع العلاقات مع واشنطن، وتركيا انتقلت من الصدمات الخارجية الى الصدمات الداخلية، فيما اسرائيل لا تستطيع الا ان تلعب وراء الستار..
لكن ما يتردد في واشنطن، وتبعا لما قالته الشخصية اياها، فإن التنسيق في ذروته مع موسكو حول كيفية التعاطي مع « الغول الاصولي» الذي يفترض ان يُقطع رأسه قبل ان يقطع روؤس الجميع!