السلام عليكم
اللهم صلٍ على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف ...
بعد أستشهاد الإمام الحسن عليه السلام ، في سنة خمسين للهجرة ، شرعت الشيعة في العراق بمراسلة الحسين عليه السلام وطلبت منه أن يعزل معاوية عن امرة المسلمين ، ولكن الحسين عليه السلام ذكر في جوابه إليهم أن له مع معاوية عهدا وميثاقا لا يستطيع نقضهما .
وأما معاوية فقد كان يقوم طيلة العشرين سنة من حكمه بتهيئة وتوطيد الخلافة لابنه " الماجن " يزيد ليجعل منه أميرا للمؤمنين ، مخالفا بذلك ليس معاهدته مع الإمام الحسن عليه السلام فحسب والتي عاهد الله عليها ، وإنما نقض وخالف ما عليه أهل السنة من اعتقاد بأن اختيار الخليفة يكون بالشورى ، واشتراط الصلاح والتقوى فيه ، لترى مدى الجرم الذي اقترفه معاوية بحق الإسلام والمسلمين ، والذي تبعه على منهجه بقية خلفاء الأمويين والعباسيين والعثمانيين والذين يصعب تفريق غالبيتهم العظمى من حكام المسلمين الفسقة الفجرة في عصرنا .
وبعد موت معاوية سنة ستين للهجرة ، تربع يزيد على سدة الحكم ، فكان بلاطه بؤرة المجون والإثم ، فهو وباعتراف جميع فرق المسلمين كان يحتسي الخمور علانية ، ويشرب حتى الثمالة في السهرات الحافلة
ومن أقواله المأثورة أشعارا ضحلة نذكر منها : شغلتني الديدان عن صوت الاذن * وتعوضت عن الحور عجوزا في الدنان
ولا غرابة في ذلك ، فيزيد تربى على يد مربية مسيحية ، وكان كما يصفه المؤرخون شابا أهوجا ، خليعا ، مستبدا ، مترفا ، ماجنا ، قصير النظر ، وفاقدا للحيطة ،
وقد روي عنه أيضا : أنه صلى مرة بالمسلمين صلاة الجمعة يوم أربعاء ، وصلى بهم الفجر أربع ركعات بعد أن كان شاربا حتى الثمالة وغير ذلك الكثير الكثير مما ليس في هدفنا تبيانه ،
وإنما كان ذكرنا لتلك الانتهاكات ما هو إلا وسيلة لإلقاء الضوء على الظروف التي رأى فيها الإمام الحسين عليه السلام وجوب الانتفاضة والثورة مستهدفا إحياء الإسلام والسنن الدينية بعد أن أصبحت مهددة بالمسخ والفناء ،
ولم يكن هدف الإمام الحسين عليه السلام في ثورته الاستيلاء على الخلافة والسلطة ، فهو يعلم أن حظوظ بني أمية في المحافظة عليها أوفر وخصوصا بعد نكوص أهل العراق ورهبتهم من الأمويين .
ويصرح الإمام الحسين عليه السلام في إحدى خطاباته بالقرب من كربلاء عن سبب انتفاضته بقوله : " أيها الناس ، من رأى إماما جائرا يحلل حرمات الله وينقض عهد الله من بعد ميثاقه ويخالف سنة نبيه ، ويحكم بين عباد الله بالإثم والجور ، كان حقا على الله أن يكبه معه في النار "
وكذلك قوله : " أيها الناس ، إنهم أطاعوا الشيطان ، وعصوا الرحمان ، وأفسدوا في الأرض ، وعطلوا السنن واستأثروا بيت أموال المسلمين ، وحللوا حرمات الله ، وحرموا ما أحله الله ، وأنا أحق الناس بالانكار عليهم " .
وعندما علم الإمام الحسين عليه السلام بالنكوص والارتداد الذي حصل في الكوفة ، جمع أصحابه وأهل بيته الذين كانوا بصحبته وصارحهم قائلا : " قد خذلنا شيعتنا ، فمن أحب أن ينصرف ، فلينصرف ، فليس عليه منا ذمام " فتفرقوا من حوله يمينا وشمالا ، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة والمدينة .
ولكن الإمام الحسين عليه السلام بقي مصرا على قراره وبنفس العزيمة التي انطلق بها من مكة المكرمة ، وليس معه سوى أصحابه وأخوته وأبناءه وأبناء عمومته ، ولا يتجاوز عددهم ثماني وسبعين ، وقد كان لسان حاله يقول كما وصف أحد الشعراء : " إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي ، فيا سيوف خذوني " .
والتقى بالجيش الذي أرسله والي الخليفة الأموي يزيد على الكوفة " عبيد الله بن زياد " بقيادة عمر بن سعد ، وكان قوامه اثنين وثلاثين ألفا كما في بعض الروايات .
وكان طبيعيا أن تمكن القوة جيش يزيد بن معاوية من قتل هذه الفئة القليلة العدد ، وقد تجسدت في ذلك اليوم صورة مأساة أهل البيت ومظلوميتهم بأجلى صورها ، وكأن يزيد بن معاوية في هذه المذبحة كان يدفع الأجر الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وآله : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " .
ولقد حدث التاريخ عن مشاهد وصور مأساوية يصعب على أحد وصفها على حقيقتها . . . ومن ذلك مأساة طفل رضيع هو عبد الله ابن الإمام الحسين عليه السلام ، الذي حمله الإمام إلى المعسكر الأموي يطلب له الماء بعد أن حالوا بين مخيم الحسين عليه السلام وبين ماء الفرات ، وأخذ منهم العطش مأخذه . . حمله يطلب له الماء وليحرك ضمائرهم ويثير إحساسهم الإنساني ، فما كان منهم إلا أن صوبوا سهما نحو الرضيع فأردوه قتيلا ، واستمر تساقط الشهداء من أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته الواحد تلو الآخر .
وكان الحسين عليه السلام آخر من استشهد في تلك المعركة الحاسمة ، ولم يكتفوا بقتل سيد شباب أهل الجنة ، بل احتزوا رأسه وفصلوه عن جسده ، وحمل رأس الحسين ورؤوس أصحابه هدايا يقتسمها القتلة ، ويرفعونها متوجهين بها إلى يزيد بن معاوية في الشام والذي لا يزال يصر بعض المسلمين على تسميته بأمير المؤمنين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله . . . !
وبعد سرد كل هذه الأحداث التي تبين بوضوح الأهداف السامية التي من أجلها قام الحسين عليه السلام بثورته ، والتي وصفها الداعية الإسلامي الكبير الدكتور عمر عبد الرحمن بقوله : " إن استشهاد الحسين أعظم ألف مرة من بقائه على قيد الحياة ".
إلا أنه وجد أيضا من ينتقص من قيمة هذه الثورة العظيمة لوقوعهم ضحية الإعلام الأموي المضلل - والذي حاول جاهدا تزوير التاريخ - ولوقوعهم ضحية التعصب المذهبي المقيت ،
فيضطرون بذلك إلى هذا التحريف الشائن كقول ( شيخ الإسلام ) ابن تيمية مثلا بما معناه : أن الإمام الحسين عليه السلام بثورته هذه ، قد أحدث فتنة في أمة الإسلام بخروجه عن طاعة ولي أمر المسلمين ! !
وإذا سألنا شيخ الإسلام عن خروج معاوية من طاعة الإمام علي عليه السلام ، فإنه يرى بأن ذلك كان فتنة بينهما ولا ذنب لهما فيها ، وهكذا بالنسبة لخروج عائشة ( رض ) أيضا على الإمام علي عليه السلام .
وما هذه إلا صورة من صور محاولات التزييف المكشوف في تاريخنا الإسلامي ، وإلا فكيف نفسر تجاهل معظم أهل السنة لهذه المأساة التأريخية ، والتي يقتل فيها أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله بأبشع ما يكون القتل والتعذيب ، وقد سار على نهج معاوية وابنه يزيد سائر أبناءهم من ملوك
بني أمية والعباس في قمع أي حركة معارضة لسلطانهم ، وخصوصا آل البيت النبوي الذين كانوا ملاحقين دائما بالاضطهاد والتشريد والقتل والتعذيب .
ولم يقتصر هذا الظلم ضد آل البيت النبوي فحسب ، فقد كان من ضمن ضحايا الاستبداد الأموي من غير آل البيت عبد الله بن الزبير مثلا ، حيث سجل التاريخ ذلك المشهد المأساوي في الحرم المكي عندما ذبح وسلخ ابن الزبير والذي لم تشفع له
قدسية هذا المكان الذي كانت حتى الجاهلية تقدسه وتعظمه ولا تستبيح فيه دماء الوحش فضلا عن البشر ، ولم تشفع له الكعبة عند حكام بني أمية والتي تعلق بستائرها ؟ ؟ والتي حتى رميت بالمنجنيق في عهد عبد الملك بن مروان الذي أطلق العنان ليد طاغيته الحجاج ليقتل ولذبح الناس بغير حق .
وقد قال فيهما الحسن البصري : " لو لم تكن لعبد الملك سيئة سوى الحجاج لكفته " ،
وقول عمر بن عبد العزيز ( رض ) : " لو جاءت كل أمة بطاغيتها ، وجئنا بالحجاج لغلبناهم " . فضلا عما عرف من تمزيق الوليد بن عبد الملك لكتاب الله وغير ذلك الكثير الكثير .
فهل تؤهل هذه الأعمال صاحبها أن يكون مسلما فضلا عن أن يكون خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين ؟ ؟ لا شك أننا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في تأريخنا الإسلامي وإمعان النظر في كثير من الحوادث فيه واستنطاقها لما لها من ارتباط وثيق برسم معالم المذاهب الإسلامية التي عليها المسلمون اليوم ، ولما فيها ما يساعد على معرفة حقيقة هذه الطائفة أو تلك بعيدا عن الظلم والتجني .
فبسبب تلك الحوادث تفرع المسلمون عن الخط الإسلامي المحمدي الأصيل وأصبحوا بذلك طوائف وشيع متفرقة كل منها تزعم بأنها الطائفة الناجية ، وليس لأحد في عصرنا أن ينتظر وحيا من السماء ليخبره باسم هذه الطائفة ، وقد أعطانا الله جل وعلا ثنائه عقلا لنميز به الخبيث من الطيب وجعله حجة على عباده ،
والسلام على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا
نقلا عن كتاب حقيقة الشيعة الاثنى عشريه لمستبصر أسعد وحيد قاسم