بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعترته خير الورى ، أما بعد .
سيكون هذا المبحث القصير مخصصا للحديث حول الشيعة في مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة .
مقدمة:
يعود التواجد الشيعي في العاصمة الإماراتية أبوظبي إلى أوائل القرن العشرين (أي متأخرا بعض الشيء عن الإمارات الشمالية وبالخصوص مدينتي دبي والشارقة) وذلك لكون المنطقة جغرافيا وتاريخيا مجاورة لإقليم البحرين الكبير الذي يشمل جزر البحرين الحالية وقطر والإحساء والقطيف حتى الكويت وجنوب البصرة كما ورد في الوثائق ، كما أن مقابلتها لإيران من جهة الخليج يعطي عاملا جغرافيا آخر لتواجدهم .
هذا بالإضافة إلى أن قدوم هؤلاء الشيعة كان أساسا لمزاولة التجارة بحكم الموقع الممتاز لتلك المنطقة على الخارطة التجارية .
ديموغرافيا الشيعة في أبوظبي:
من الناحية السكانية (الديموغرافية) ينقسم الشيعة في أبوظبي إلى 3 أعراق أساسية هي:
1 - البحارنة: الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من شيعة أبوظبي وهم قادمون من إقليم البحرين ، ومن عائلاتهم المعروفة هناك: الفردان ، النويس ، الهندي ، الخضر ، الصايغ ، الحايكي ، النكّاس ، آل جعفر ، آل محسن ، المنصور ، الحداد ، المطوع ، بو حليقة ، مكي .
2 - العجم: وهم في المرتبة الثانية من حيث العدد بعد البحارنة وقد قدموا بحرا من إيران (المناطق الجنوبية تحديدا) ، ومن عائلاتهم المعروفة: الأنصاري ، خوري ، لاري ، العبيدلي ، النجار ، بقلر ، عزيز ، صفر .
3 - اللواتيا: تشير أرجح رواياتهم إلى انتسابهم لشخص عربي يدعى (لؤي بن أسامة بن حارث بن غالب) وقد هاجروا إلى سواحل الهند وعاشوا فيها فترة طويلة قبل حدوث هجرة عكسية إلى بلاد الخليج ، متمركزون أصلا في عمان لكن لهم وجود طيب هنا ومن عائلاتهم: كشواني ، لوتاه ، طه ، السجواني ، العبودي .
هذا بالإضافة لوجود محدود من بعض العائلات البلوشية والهولية وقلة من الزنجباريين .
وهنا يجب الإشارة إلى السادة الأشراف حيث أن معظمهم إن لم يكن جميعهم هم من السادة الموسوية ذرية الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ويتوزعون على عدة فروع ، كثير منهم أساسا من عمان وبعضهم من البحرين .
ملحوظة مهمة: إن ما ذكر في هذا القسم خاص بالمواطنين الإماراتيين سكان البلد ، وأما المقيمين فحدث بنعمة الله .
إذ أن الجالية الباكستانية لوحدها هي الأكثر عددا هنا في أبوظبي ، وأكثرهم من قومية الپشتون من منطقة پاراچنار شمال غرب باكستان ، يليهم الپنجاب من نواحي لاهور ثم الملتان أو (السرايكي) كما يعرفون وكذلك السنديون ، وبالطبع لا ننسى الجالية الهندية التي لا تمييز كبيرا بينها وبين جارتها الباكستانية ، وأغلبهم من مدينة حيدر آباد .
أما الجالية الإيرانية في أبوظبي فمعظم أفرادها تجار وهو أمر طبيعي لأن معظم المهاجرين الإيرانيين للخارج هاجروا للتجارة خصوصا من بندر عباس وشيراز وبلوشستان والعاصمة طهران ، بينما الجالية الأفغانية يعمل معظم أفرادها في الصناعة والصيانة خصوصا ورش صيانة السيارات وهم ميكانيكيون محترفون علما أن غالبيتهم من قومية الهزارة ، ولا يوجد إلا قليل منهم من قوميتي الطاجيك والپامير .
وبالنسبة للجاليات العربية ، فالجالية العراقية ضخمة العدد ويعود ازدياد عددهم في الفترة الأخيرة إلى ويلات الحرب التي عانى منها العراقيون ، أما الجالية اللبنانية فهي أكثر نشاطا ولهم محال ومطاعم ومخابز منتشرة ، ولا ننسى في هذا الإطار الجاليتين البحرينية والسورية ذات الوجود الملحوظ في أبوظبي ، إضافة إلى عرب الأهواز الإيرانيين ثم عدد من الإخوة من مصر واليمن وتونس والسودان وفلسطين والجزائر .
مساجد الشيعة في أبوظبي:
1 - مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بناه الحاج علي الفردان عام 1991 ويقع في منطقة المرور بجوار كلية الشرطة ، خطيب جمعة المسجد هو سماحة الشيخ الدكتور عيسى عبد الحميد الخاقاني .
2 - مسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بناه السيد موسى الموسوي (يرحمه الله) عام 1970 ويقع في منطقة مدينة زايد خلف شارع الجوازات ، إمام المسجد هو سماحة السيد صادق سيد محمد الموسوي اللاري .
3 - مسجد الحاج عيسى يوسف المحفوظ (يرحمه الله) بناه كل من الحاج عيسى يوسف المحفوظ والحاج عبد الله محمد علي الهندي (يرحمهما الله) عام 1985 وأعيد بناؤه وتجديده عام 2003 موقعه في منطقة مدينة زايد أيضا لكن خلف شارع إلكترا ، إمام المسجد هو سماحة الشيخ علي حسن الهندي .
4 - مسجد جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أقدم المساجد الأربعة الموجودة إذ بناه وجهاء الشيعة في أبوظبي عام 1940 ويقع عند كورنيش أبوظبي بداية شارع المطار قرب غرفة تجارة وصناعة أبوظبي ، إمام المسجد هو الوجيه الحاج حسن سلمان الهندي والد سماحة الشيخ علي حسن الهندي .
المآتم والمراكز:
1 - مأتم البحارنة الكبير ، بناه أربعة من وجهاء قبيلة البحارنة هم: الحاج علي آل جعفر والملا حسن آل محسن (يرحمهما الله) والحاج جاسم الهندي والملا عبد الله الخضر (أطال الله عمرهما) قبل أقل من 20 سنة ، ويقع في منطقة مدينة زايد مقابل نادي أبوظبي للشطرنج وهو في منتصف المسافة بين مسجد عيسى يوسف المحفوظ (يرحمه الله) ومسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) .
2 - مأتم الحاجة زمزم ، وهو مأتم خاص بالنساء ملاصق لمسجد الحاج عيسى يوسف المحفوظ وقد بناه أبناء الحاجة زمزم في نفس فترة تجديد مسجد عيسى المحفوظ بعد ازدياد توافد العائلات لأداء الشعائر الحسينية والشعور بضرورة تخصيص دار عزاء للأخوات الفاضلات .
3 - دار فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي دار ملاصقة لمسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمنطقة المرور ، بناها الوجيه الحاج أحمد خميس النويس ولكونها واقعة في أطراف المدينة يتوافد عليها السكان من المنطقة وكذلك من ضواحي أبوظبي (بني ياس ، المصفح ، الشهامة ، مدينة خليفة) .
4 - المركز الحسيني ، وهو مركز خاص بالجالية الباكستانية يشرف عليه مجموعة من الباكستانيين والهنود ويقع ملاصقا لمسجد عيسى المحفوظ ، رئيسه الحالي هو سماحة العلامة السيد إحسان حيدر جوادي نجل المرحوم العلامة السيد ذيشان حيدر جوادي (قدس الله سره - المتوفى في عاشوراء عام 1420 هجرية) ويعاونه الوجيه الحاج عزيز أكبر علي والوجيه السيد عباس رضا غضنفر ، ومن أشهر نزلائه الخطيب الحسيني الهندي (مولانا كلبِ صادق صاحب) .
5 - مأتم العجم ، وهو مأتم خاص بالإيرانيين بناه الوجيه الحاج (عبيد خوري) ويقع ملاصقا لمنزله في منطقة مدينة زايد قريبا من مأتم البحارنة ، من القائمين عليه الحاج (مختار لاري) والميرزا (جواد كاظم پور) والحاج (عباس علي شاه) ، ومن خطباء المأتم سماحة الشيخ (علي أصغر آسوده) وسماحة الشيخ (حسين نوازي) وسماحة السيد (مرتضى حسيني شاهرودي) .
أوضاع الشيعة في أبوظبي وعلاقتهم بالحكومة:
لست هنا في مقام الدفاع عن الحكومة - أيا كانت - أو تلميع صورتها كما يظن الكثير من قارئي تلك السطور ، ولكن الأمانة تقتضي نقل واقع الحال كما هو قدر المستطاع .
فمن أبسط الأمثلة على العلاقة بين الشيعة والحكومة في أبوظبي أن وزير التعليم العالي الإماراتي (من أسرة آل نهيان الحاكمة) حضر شخصيا في جنازة المرحوم فهد النّويس (يرحمه الله) وهو لاعب كرة قدم دولي سابق ومعروف في الإمارات ، كما حضر لتقديم العزاء إلى آل النّويس في إحدى فقيداتهم العام الماضي وفي الليلة نفسها حضر معه معاون وزير الداخلية (أيضا من آل نهيان) واستمع إلى إحدى المجالس الحسينية وكان ذلك خلال شهر رمضان المبارك .
ومن الوجهاء الشيعة الذين تقلدوا مناصب طيبة في أبوظبي أذكر: الشاعر السيد هاشم سيد حسين الموسوي الوزير المفوض بوزارة الخارجية وسفير سابق لدولة الإمارات في فرنسا ، والدكتور عبد الله النويس وكيل أول وزارة الإعلام سابقا وهو من رواد تطوير الإعلام الإماراتي ، وشقيقه سعيد النويس سفير دولة الإمارات لدى اليابان حاليا ، والشاعر حبيب الصايغ مدير مكتب أبوظبي لصحيفة الخليج أوسع صحف الإمارات انتشارا .
خاتمة:
ما كنت لأجد نفسي مندفعا نحو كتابة هذه السطور لو لم أكن مقيما منذ صغري ولحد الآن في هذا البلد ومتابعا لتطورات الحياة الاجتماعية في أبوظبي .
وأسأل الله أن أكون قد وفقت في عرض ما يتعلق بموالي آل محمد عليهم السلام في هذا الجزء من بلادنا العربية الإسلامية ، والحمد لله رب العالمين .
أخوكم / تشرين ربيعة
(هذا المبحث كنت قد نشرته في بعض المواقع ولله الحمد)