احرار الحجاز - د.حمزة الحسن
Tuesday, 11 March 2014
أولاً ـ صحيح أن مقصد الدين هو حفظ الدم والمال والعرض، وحسب مقدمة البيان (بسط الأمن والإستقرار في البلد) وهو تعبير السلطات المستبدّة يستخدم عادة كحجة في ضرب طلاب الحرية والكرامة، سواء كانوا شيعة أم سنّة او من أي جنس او طائفة. فقط انظروا الى التهم التي حوكم بموجبها الإصلاحيون والحقوقيون وشباب الحراك في المنطقة، وانظروا الى الأحكام الطويلة التي صدرت بحقهم ظلماً وعدواناً، حيث ترد اتهامات مثل: (تهديد الأمن والإستقرار).
واذا كان الإستقرار والأمن مطلباً، فهو استقرار للناس وحياتهم وليس خاصاً بالنظام السياسي السعودي، الذي يريد استقراراً على حساب المواطنين وحقوقهم وكرامتهم.
ثم إن من دواعي الاستقرار والأمن: الحرية والعدالة وحفظ الكرامة، وهذه انتقصها النظام؛ حيث هدر كرامة مواطنينا، وغمط حقهم، وواجههم بالرصاص قتلاً وجرحاً واعتقالاً، بما لا يحتاج الى مزيد من الأدلة.
وبدون الحرية والكرامة والعدالة، لا يكون هناك سوى استقرار هشّ، وهدوء على السطح يفرضه القمع. فهل هذا هو الاستقرار الذي يريده موقعو البيان؟
وهل من يطلب الحرية والعدالة يصبح ضد الاستقرار والأمن؟ ويطلق عليه الرصاص ان اعترض سلمياً كما هي مسيرة الحراك السلمي طيلة السنوات الثلاث الماضية؟
النظام السعودي مطالب بتوفير اسس الاستقرار والأمن عبر اصلاح سلوكه الاستبدادي والطائفي والعنفي، وهذا لم يقل به البيان، بل وجه بسط الأمن والإستقرار كذريعة الى المواطنين الضحايا، كما هو واضح في سياق البيان، بحيث انه تبنّى معنى بسط الأمن والاستقرار في البلاد! اي ان قصد البيان هو التالي: (يحق للحكومة بسط الأمن والاستقرار بالوسائل العنفية وبالحلول الأمنية؛ فالدولة هي المؤتمنة على توفير الأمن والإستقرار ـ حتى وإن كان سلوكها وسياساتها تخالف ذلك في الصميم).
وزيادة على ذلك، كأن البيان وضع مسألة بسط الأمن والإستقرار مقدمة على الكرامة والحقوق البديهية للمواطنين؛ او كأن الإستقرار يتعارض في الأساس مع تلك الحقوق. وفعلاً هو يتعارض معها بمنطق النظام؛ وإلا كان بإمكانه اضافة جملة بعد (بسط الأمن والإستقرار.. من خلال توفير العدل والحياة الكريمة والغاء التمييز واعلاء قيم المواطنة، ووقف عسكرة المنطقة؛ واطلاق سراح المعتقلين الأبرياء؛ وعبر الحوار المفضي لمعالجة جذور المشاكل.. الخ).
فهل يريد موقعو البيان من المواطنين، وبالأخص شباب الحراك ان يوقفوا مطالبتهم المشروعة والعدالة لحقوقهم عبر الوسائل السلمية.. حتى يتحقق الأمن والاستقرار للنظام وليس لهم؟، وهم الذين يقتلون بلا مبرر، وبلا محاكمة، وبلا تحقيق في القتل، بل وبلا اتهامات، حيث تأتي هذه متأخرة كما حدث مؤخراً للشهيدين علي وحسين الفرج، حيث اعتبرا من المطلوبين بعد ان قنصهم الرصاص، اي ان السلطة تبرر فعل القتل بعد أن ترتكبه، بترويج الإتهامات الباطلة.
ثانياً ـ تحدث البيان ولأول مرة عن وجود جماعات وتيارات متطرفة تمارس الإرهاب والعنف بعناوين دينية وسياسية.. وهنا فالمقصود ليس الجماعات السلفية المتطرفة المعروفة، بقدر ما هو يشير الى اتهامات بوجود نظائرها في وسطنا الشيعي، والا لا معنى لإقحام هذا الاتهام في وسط حديث خاص بمجتمع محدد. وهذا خطر حقاً، وزعم غير مقبول، ولا توجد دلائل عليه، ونتحدى ان يكون لدى الموقعين أسماء بجهات وجماعات تعمل في الساحة السياسية الشيعية تروج لفكر متطرّف (لاحظوا فكر متطرف/ وليس موقفاً سياسياً قابلاً للأخذ والرد) او تمارس الإرهاب والعنف بغطاء ديني وسياسي. هل سمع أحد منكم بجماعة تتبنّى العنف في منطقتنا؟ اليس جميعنا يؤكد على سلمية الحراك، وعدم الرد بالمثل على رصاص السلطة؟
الم نقرأ ونسمع مراراً من الشيخ النمر ـ فرج الله عنه ـ بأن هدير الكلمة اقوى من ازيز الرصاص؟ الم ينصح بعدم استخدام حتى الحجر في مواجهة القتل المتعمد بالقنص للناشطين في الشارع والمتظاهرين؟
فمن هي تلك الجهات المتطرفة فكرياً والتي تتوسل بالعنف وتتغطى بعناوين دينية وسياسية كما يزعم البيان؟
ان اقحام هذه الفقرة فيه تماهٍ مع خطاب السلطة، التي تضع وتروج بأن ما يجري في منطقتنا وما تقوم به القاعدة سواء؛ لتبرر بعدها ـ كما يُكتب في صحف النظام: (كما نضرب هنا نضرب هناك)!
لا ليس الأمر سواء. ليس بيننا من يكفر حتى رموز النظام. بل ليس بين الناشطين من دعا الى استخدام العنف والسلاح. لهذا فإن ما جاء في البيان مغالطة وظلم لذوي القربى، وزعم لا أصل له، وهو زعمٌ ستستخدمه السلطة في سياق استخدام المزيد من الرصاص لقتل المواطنين، باعتبار ان هناك جماعات ـ وليس افراد ـ عنفية تتغطى برداء الدين. سبحانك هذا بهتان عظيم!
ثالثاً ـ ركز البيان على سيرة اهل البيت ومراجعنا الكرام بأنهم يؤكدون على: (وحدة الأمة، ورعاية المصلحة العامة، ورفض اي احتراب داخلي). فهل اراد الموقعون شرعنة بيانهم بإقحام المراجع عبر اسقاط هذه المفاهيم على وضع الحراك في منطقة القطيف؟ هل نحن من يمزّق الأمة حين نطالب بحقوقنا؟
هل نحن نعتدي على الآخر ونكفره ونضطهده لأنه مختلف مذهبياً؟
اليست السلطة وادواتها الدينية هي من يقوم بذلك؟
وهل المطلوب منا عدم المدافعة عن حقوقنا التي شرعها الله ودعانا اليها ائمة اهل البيت، حتى تتحقق المصلحة العامة حسب تفسير السلطة؟ ما هو تعريف المصلحة العامة؟، وأين خالف الحراك الشعبي المبارك تلك المصلحة؟ وهل المطالبة بالحقوق والدفاع عن الكرامة ازاء التمييز والشتم اليومي والتكفير لنا هو ما يحقق المصلحة العامة التي يريدها النظام؟
ام ان المصلحة العامة لا تتحقق إلا بالصبر على الظلم والطغيان وهتك الأعراض وقتل الشباب وسجن المؤمنين لكلمة او تغريدة او تظاهرة سلمية او احتجاج على مضطهد يكاد يخنقنا جميعاً؟
رابعاً ـ نعم نحن مع تحذير البيان من الانجراف الى العنف والتطرف، ولكن إن حدث عند بعض الأفراد فهو لا يمثل الحراك، كما أنه رد فعل على عنف النظام وتطرّفه، هل هم يلامون؟ هل اللوم يقع على صاحب السلطة والقرار الذي بدأ القتل، ام على الضحية الذي قام برد الفعل؟
تخيّلوا معنا ان شباباً سلميين تظاهروا احتجاجاً على ممارسات النظام، فقُتل بعضهم، وجرح آخرون، ووضع القاتل قائمة بأسماء بعضهم ـ على غرار قوائم اسماء القاعدة ـ واتهمهم ـ يا للغرابة ـ بقتل المتظاهرين الذين قتلهم رصاص النظام؛ ثم قرر النظام ان يصفيهم في الشوارع بالرصاص بدون حكم قضائي، كما حدث ورأى الموقعون ورأيتم انتم ايها المواطنون ذلك، مع عدد من المطلوبين ظلماً. في هذه الحالة: وحين تقوم قوات النظام الخاصة باصطيادهم والهجوم على بيوتهم لقتلهم كما حدث، هل يتوقع النظام ـ وتتوقعون انتم ـ انهم لن يردوا، ويقابلوا الرصاص بالورورد؟ في حين انهم سيقتلون في كل الأحوال؟
هل هذا من العدل او من العقل؟ ثم نأتي بعد هذا كله لنتهم مجتمعنا كله بأنه هو الذي يمارس العنف، وليس قتلة 21 بريئاً، وليس من جرح العشرات الآخرين؛ ودون أن نشير ببنت شفة الى النظام وما فعل؟
اين العدل والعدالة في هذا؟
وبعد هذا كله.. هل يتوقع احد أن عنف ودموية السلطات ـ اياً كانت وفي اي بلد ـ ستنتج لنا او لغيرنا استقراراً وهدوءً واعتدالاً. كل باحثي الدنيا يعلمون بأن عنف الأنظمة ـ شئنا أم أبينا ـ يؤدي الى صناعة بيئة حاضنة للعنف والتطرف. حدث هذا في كل دول العالم، وقد حذرنا من هذا مراراً وتكراراً من عنف السلطة ومتتالياته.
والسؤال هنا: لماذا لم يطلب البيان من النظام التعقل في ممارسته، ومراجعة قراراته؛ واصلاح سلوكه؛ والإعتراف بخطئه بحق كل المواطنين الشيعة وغير الشيعة حتى، وذلك لكي نقول ان هناك نقطة بداية صحيحة. لماذا الحديث الى الضحية دون الجلاد؟ لماذا يرون القذى في عين الضحية، ولا يرون الجذع في عين قتلة النظام؟
ان بيانا كهذا غير متوازن، وهو بيان ظالم بكل المقاييس العقلية، لهذا نحن نرفضه.
خامساً ـ رأى البعض ان توقيت البيان كان في محلّه؛ وهو ان السلطة تنوي القيام باقتحام شامل للعوامية، وهذا ما روجته، وكأنها تريد الانتقام اكثر فأكثر، واعتقد الموقعون او بعضهم على الأقل، بأن البيان سيكبح جماح عنف السلطة. لكنا نقول ان البيان جاء بطلب من السلطة وليس بمبادرة خاصة (يعني تحت الأوامر)، كما أنه منح بصورة واضحة للنظام الغطاء الشرعي للإقتحام، فهو قد اعترف بأن هناك عنف، وهناك مجموعات عنف وتطرف، واعترف بتفسير السلطة لمعنى بسط الأمن والإستقرار، وبالتالي يستطيع النظام وفي أي وقت ان يقول بأن هناك غطاء من علماء الشيعة لمواجهة العنفيين الارهابيين من اجل توفير الامن والاستقرار. وهذا هو أخطر ما في القضية: ان البيان من الناحية العملية يوسع خيارات السلطة ويشرعن أفعالها.
ولكن ماذا سيحدث لو لم يصدر البيان؟ نظن ـ حسب قراءتنا السياسية وفهمنا لعقلية النظام ـ أنه سيواصل مسيرته العنفية، مع توقع بخسائر في صفوفه. بمعنى آخر قد نصل الى ذات النتيجة، ولكن بدون غطاء شرعي للنظام في القتل، وبدون ادانة للحراك السلمي بشكل أوسع، وبدون تقديم تنازلات وشق الصف الشيعي الداخلي بهكذا بيانات تتكرر دائماً؛ خاصة وأن البيان لم يقدم مطلباً واحداً، ولم يُلزم الحكومة بشيء، مع ان هناك من بين الموقعين من تحدث عن وجود مبادرة، لم نرَ منها أية بنود، ولا نعرف اطرافها، ولا مآلاتها. بل كل ما تسرب مجرد وعود عفا عليها الزمن، وسمعناها منذ عقود تتكرر.
سادساً ـ نحن ضد البيان لأنه لا يمثل القوى السياسية الشيعية على الأرض، ولا يمثل كل رجال الدين الشيعة، ولا يعرض حتى رؤية المتهمين بالعنف، كما لا يحقق في أصل القضية وحجمها. هناك ما يقرب الألف من رجال الدين على الأقل، فلمَ لم يكونوا حاضرين في البيان.
ثم ان بعض الذين وقعوا لديهم خصومة سياسية مع الحراك الشعبي، او هم ضدّه في الأساس، ولم يقولوا كلمة حق بشأن الشهداء الذين تساقطوا برصاص السلطة طيلة السنوات الثالث (او حتى يقرأوا الفاتحة على أرواحهم)، وفضلوا الصمت، او الطعن في المجالس الخاصة، وبالتالي يصعب قبولهم كوسيط لمبادرة او حل أزمة.
وفضلاً عن ذلك فإن أكثر الموقعين بعيدين عن أجواء السياسة وتنقصهم الخبرة السياسية والوعي بألاعيب السلطة، وبعضهم وقع على البيان تحت التهديد الشخصي ـ وهذا متأكدون منه، وهذا ما يدفعنا لعدم قبول البيان، فالمضطر أو الجاهل بالسياسة أو صاحب المصلحة لا يستطيع ان يدافع عن حقه ولا حقوق غيره، حتى مع توافر حسن النيّة.