|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 65737
|
الإنتساب : May 2011
|
المشاركات : 4
|
بمعدل : 0.00 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
سورة الناس
بتاريخ : 24-11-2012 الساعة : 06:41 AM
مكّية
وعددُ آياتِها سِتّ آيات
"سورة النّاس"
محتوى السّورة
الإِنسان معرض دائماً لوساوس الشيطان.
وشياطين الجن والإِنس يسعون دائماً للنفوذ في قلبه وروحه.
ومقام الإِنسان في العلم مهما ارتفع، ومكانته في المجتمع مهما سمت يزداد تعرضه لوساوس الشياطين ليبعدوه عن جادة الحق.
وليبيدوا العالم بفسادِ العالِم.
هذه السّورة تأمر النّبي (ص) باعتباره القدوة والأسوة أن يستعيذ بالله من شرّ الموسوسين.
محتوى هذه السّورة شبيه بمحتوى سورة الفلق، فكلاهما يَدوران حول الإِستعاذة بالله من الشرور والآفات، مع فارق أن سورة الفلق تتعرض لأنواع الشرور، وهذه السّورة تركز على شرّ (الوسواس الخناس).
واختلف المفسّرون في مكان نزول هذه الآية.
قيل إنّها مكّية، وقيل إنّها مدنية، ولحن الآيات يزيد احتمال مكّيتها.
هذه السّورة وسورة الفلق نزلتا معاً حسب الرّوايات.
وسورة الفلق على رأي الكثيرين مكّية.
وهذه السّورة يمكن أن تكون مكّية أيضاً.
وفضيلة السّورة:
وردت في فضيلة هذه السّورة روايات متعددة منها ما روي أنّ رسول الله (ص) اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعاً شديداً.
فأتاه جبرائيل وميكائيل (ع) فقعد جبرائيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرائيل بقل أعوذ بربّ الفلق وميكائيل بقل أعوذ بربّ النّاس. (1)
وذكرنا ما روي عن الإِمام الباقر (ع) قال: "من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له: يا عبد الله ابشر فقد قبل الله وترك". (2)
1- نور الثقلين، ج5، ص7645، ومجمع البيان، ج10 ،ص567 و 569.
2- المصدر السابق.
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَـهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ الَّناسِ (5) مِن الْجِنَّةِ وَ الَّناسِ (6)﴾
التّفسير:
بربّ النّاس أعوذ:
في هذه السّورة يتجه الخطاب إلى رسول الله (ص) باعتباره الأسوة والقدوة: (قل أعوذ بربّ النّاس، ملك النّاس، إله النّاس) يلاحظ أن الآيات ركزت على ثلاث من صفات الله سبحانه هي (الربوبية والمالكية والألوهية) وترتبط كلها ارتباطاً مباشراً بتربية الإِنسان ونجاته من براثن الموسوسين.
المقصود من الإِستعاذة بالله ليس طبعاً ترديد الإِستعاذة باللسان فقط، بل على الإِنسان أن يلجأ إليه جلَّ وعلا في الفكر والعقيدة والعمل أيضاً، مبتعداً عن الطرق الشيطانية والأفكار المضللة الشيطانية، والمناهج والمسالك الشيطانية والمجالس والمحافل الشيطانية، ومتجهاً على طريق المسيرة الرحمانية، وإلاّ فإن الإِنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السّورة ولا تكرار الفاظ الإِستعاذة باللسان.
على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله "ربّ النّاس" بالإِعتراف بربوبية الله تعالى، وبالإِنضواء تحت تربيته; وأن يقرن قوله "ملك النّاس" بالخضوع لمالكيته، وبالطاعة التامة لأوامره; وأن يقرن قوله: "إله النّاس" بالسير على طريق عبوديته، وتجنب عبادة غيره.
ومن كان مؤمناً بهذه الصفات الثلاث; وجعل سلوكه منطلقاً من هذا الإِيمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين.
هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة... ثلاث سبل وقاية... وثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين، إنّها تؤمن على مسيرة الإِنسان من الأخطار. (من شرّ الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور النّاس).
كلمة "الوسواس" أصلها - كما يقول الراغب في المفردات - صوت الحَلي (اصطكاك حلية بحلية).
ثمّ اطلق على أي صوت خافت.
ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار وتصورات سيئة، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن.
"الوسواس": مصدر، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس، وهي في الآية بهذا المعنى.
"الخنّاس" صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم الله; والخنوس له معنى الإِختفاء أيضاً، لأن التراجع يعقبه الإِختفاء عادة.
فقوله سبحانه: (من شرّ الوسواس الخناس) أي أعوذ بالله من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم الله.
الشياطين يمزجون أعمالهم دائماً بالتستر.
ويرمون بالقاءاتهم في الإِنسان بطريقة خفية حتى يخال الإِنسان أن هذه الإِلقاءات من بنات أفكاره، وهذا ما يؤدي إلي ضلاله وغوايته.
عمل الشيطان هو التزيين، واخفاء الباطل تحت طلاء الحق، والكذب في قشر من الصداق، والذنب في لباس العبادة، والضلال خلف ستار الهداية.
وبإيجاز، الموسوسون متسترون، وطرقهم خفية، وفي هذا تحذير لكل سالكي طريق الله أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف.
أبداً...فهم موسوسون خناسون... وعملهم الحيلة والمكر والخداع والتظاهر والرياء وإخفاء الحقيقة.
لو أنّ هؤلاء أماطوا اللثام عن وجههم الحقيقي، ولم يخلطوا الحق بالباطل; لو أن هؤلاء قالوا كلمتهم صريحة واضحة "لم يُخف على المرتادين" كما يقول أمير المؤمنين علي (ع) نعم لم يُخف في هذه الحالة على روّاد طريق الحق.
ولكنّهم يأخذون شيئاً من هذا وشيئاً من ذاك فيخلطونه وبذلك تنطلي حيلتهم على الآخرين أو كما يقول علي (ع) : "فهنالك يستولي الشيطان على اوليائه". (1)
عبارة "يوسوس" وعبارة "في صدور النّاس" تأكيد على هذا المعنى.
جملة (من الجنّة والنّاس) تنبيه على حقيقة هامّة هي إن "الوسواس الخناس" لا ينحصر وجوده في مجموعة معينة، ولا في فئة خاصّة، بل هو موجود في الجن والإنس...في كل جماعة وفي كل ملبس، فلابدّ من الحذر منه أينما كان، والإِستعاذة بالله منه في كل أشكاله وصوره.
اصدقاء السوء، والجلساء المنحرفون، وأئمة الظلم والضلال، والولاة الجبابرة الطواغيت، والكتاب والخطباء الفاسدون، والمدارس الإِلحادية والإِلتقاطية المخادعة، ووسائل الإعلام المزوّرة الملفّقة، كلها هي وأمثالها تندرج ضمن المفهوم الواسع للوسواس الخناس وتتطلب من الإَنسان أن يستعيذ بالله منها.
1- نهج البلاغة، الخطبة 50.
ملاحظات:
1 - لماذا نستعيذ بالله؟!
الإَنسان معرض للإَنحراف في كل لحظة، وحين يأمر الله نبيّه أن يستعيذ به من شر "الوسواس الخناس" فإن ذلك دليل على إمكان الوقوع في شراك الموسوسين الخناسين.
مع أنّ النّبي (ص) في مأمن من الإَنحراف بفضل الله ومدده الغيبي وخضوعة التام لله، فالآيات تأمره أن يستعيذ بالله من شرّ الوسواس الخناس، فما بالك بغيره من النّاس!
ولا يجوز للإِنسان أن ييأس أمام مخاوف الموسوسين.
فملائكة الله تهبّ للأخذ بناصية المؤمنين والسائرين على طريق الله.
فالمؤمنون ليسوا وحيدين في ساحة صراع الحق مع الباطل، بل ملائكة الله في عونهم: (إن الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة). (1)
ولكن، على أي حال، لا يجوز للإِنسان أن يغتَرّ وأن يحسب نفسه غنياً عن الموعظة والتذكير والإِمداد الإِلهي.
يجب الإِستعاذة به سبحانه دائماً ويجب أن يكون الإِنسان على وعي وحذر باستمرار.
2 - لماذا تكررت كلمة "النّاس"
في سبب تكرار كلمة "النّاس" في السّورة، قيل: إن كل واحد منها لها معنى خاص.
ولكن يظهر أن التكرار تأكيد على عمومية هذه الصفات الثلاث الإِلهية، وهي في المواضع الثلاثة بمعنى واحد.
3 - معنى الخناس على لسان الرّواية
روي عن رسول الله (ص) قال: "ما من مؤمن إلاّ ولقلبه في صدره اُذنان: أذن ينفث فيها الملك، وأُذن ينفث فيها الوسواس الخناس، فيؤيد الله المؤمن بالملك، فهو قوله سبحانه: (وأيدهم بروح منه) ". (2)
وروي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال: "لما نزلت هذه الآية: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم).
صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له ثوير، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا:
يا سيدنا لم دعوتنا؟
قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟
فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا.
قال: لست لها.
فقام لها آخر فقال مثل ذلك.
فقال: لست لها.
فقال الوسواس الخناس: أنا لها.
قال: بماذا؟
قال: أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئه... فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الإِستغفار.
فقال: أنت لها فوكّله بها إلى يوم القيامة". (3)
1- فصلت، الآية 30.
2- بحار الأنوار، ج89، ص17.
3- المصدر السابق، ص15.
تفسير الأمثل - سماحة آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
|
|
|
|
|