|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 64604
|
الإنتساب : Mar 2011
|
المشاركات : 65
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى القرآن الكريم
إنّما أعظكم بواحدة
بتاريخ : 07-12-2012 الساعة : 01:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين
قال الله تعالى: ﴿قل إنّما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكّروا﴾
هذه الآية الكريمة من عجائب آيات الذكر الحكيم، فإنّ الله سبحانه وتعالى يأمر نبيّه صلى الله عليه وآله أن يقول لعبدة الأصنام والمشركين والنصارى واليهود وغيرهم: ﴿إنّما أعظكم بواحدة﴾ أي لا أطلب منكم سوى الإصغاء إلى موعظة ونصيحة واحدة فقط.
لاشكّ أنّ مواعظ النبي صلى الله عليه وآله والقرآن كثيرة، بل إنّ القرآن معظمه مواعظ، كما لا شكّ أنّ كلّ ما أتى به الأنبياء عليهم السلام وما نزل عليهم يتلخّص بالقرآن الكريم فهو عصارة الرسالات السماوية كلّها، كما أنّ مواعظ النبي صلى الله عليه وآله تختزل مواعظ الأنبياء الذين سبقوه كافة، أي مواعظ مئة وثلاثة وعشرين ألفاً وتسعمئة وتسعة وتسعين نبياً، ولكن الله سبحانه يطلب من نبيّه أن يلخّص المواعظ كلّها بكلمة واحدة؛ يقول تعالى لنبيه الكريم: ﴿قل إنّما أعظكم بواحدة﴾ و﴿إنّما﴾ كما هو معلوم ـ تفيد الحصر، أي بموعظة واحدة وحسب. فالتعبير ب " واحدة " مع ارتباطه بالتأكيد بواسطة " إنما " إشارة معبرة إلى أن أصل جميع الإصلاحات الفردية والجماعية ، إنما هي بأعمال الفكر ، فما دام تفكير الأمة في سبات فستكون هدفا لسراق ولصوص الدين والإيمان والحرية والاستقلال ، ولكن حينما تصحوا الأفكار فإنها تقطع الطريق أمام هؤلاء .
فما هي الموعظة التي يأمر الله نبيه أن يقول لمخاطبيه إنّه يعظهم بها وحسب؟ تقول الآية المباركة: ﴿أن تقوموا لله﴾ أي أن يكون قيامكم ونيّتكم وتوجهكم وتفكيركم خالصاً لله. ولا يراد من القيام هنا القيام للصلاة أو أداء العبادات الأخرى، بل المقصود التفكير وإخلاص النية، وبتعبيرنا المعاصر نكران الذات والتجرّد عنها وأن يكون الله تعالى هو الهدف والنية والوجهة، وليس الذات ومصالحها.
وفي الميزان ج 16 ص388: ( أن تقوموا لله ) أي تنهضوا لأجل الله ولوجهه الكريم .
المحقق الداماد: (المراد من القيام المطلوب في قوله تعالى * ( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّه ) * هو المقاومة والاستقامة لا الانتصاب البدني وهو واضح ويقابله القعود بمعنى العجز والاستكانة والانظلام ...فالمجاهد الذي يجاهد اهوائه كما يجاهد أعدائه فهو قائم والذي يتصالح مع هواه كما يصالح عدوه فهو قاعد، فالتعبير ب " قيام " ليس معناه مجرد الوقوف على القدمين ، بل معناه الاستعداد لإنجاز العمل ، بلحاظ أن الإنسان بوقوفه على قدميه إنما يكون مستعدا لإتمام البرامج الحياتية المختلفة ، وعليه فإن التفكر يحتاج إلى استعداد قبلي ، لكي يوجد السبب والمحرك في الإنسان الذي يدفعه بالإرادة والتصميم إلى التفكر .
ولعل التعبير عن المجاهدة بالقيام لأنه من بين سائر الحالات والشؤون أقوى الحالة وأشدها دفاعا
الدين الإلهي يتلخص في قوله تعالى * ( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) * وهو يفيد الحصر اى لا موعظة الا بخصلة واحدة وهو القيام للَّه اى المقاومة لإحياء أمر اللَّه والاستقامة في امتثال حكمه وهذا هو المعبر عنه بالجهاد فالدين الإلهي متبلور في المجاهدة لا غير والجهاد مع الأهواء والأعداء قيام.
جملة " أعظكم " توضح في الحقيقة واقع أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يريد القول بأني ألحظ فيما أقول لكم خيركم وصلاحكم دون أي شئ آخر .
- تعبير " لله " يوضح أن القيام والاستعداد يجب أن يكون باعثه إلهيا ، والتفكر الذي يكون صادرا عن هذا الدافع له قيمة عالية ، فالإخلاص في العمل عادة - وحتى في التفكر - هو الأساس للنجاة والسعادة والبركة .
والملفت للنظر هو اعتبار الإيمان بالله هنا أمرا مسلما ، وعليه فالتفكر المطلوب إنما هو في مسائل أخرى ، وتلك إشارة إلى أن التوحيد إنما هو أمر فطري واضح يدرك حتى بدون تفكر .
- التعبير ب " مثنى وفرادى " إشارة إلى أن التفكر يجب أن يكون بعيدا عن الغوغائية والفوضى ، بأن يقوم الناس آحادا أو على الأكثر مثنى ويتفكرون ، لأن التفكر وسط الضوضاء والغوغائية لا يمكنه أن يكون عميقا ، خصوصا وأن عوامل الذاتية والتعصب في طريق الدفاع عن الاعتقادات الشخصية ستكون أشد فعلا في التجمعات الأكبر .
بعض المفسرين إحتمل أن يكون هذان التعبيران إشارة إلى الإفادة من المشورة بالخلط بين الأفكار الفردية والجماعية ، فالإنسان يجب أن يتفكر منفردا وكذلك يستفيد من أفكار الآخرين ، لأن الاستبداد بالرأي والفكر سبب للعجب ،
والتشاور والتعاون لأجل حل المشكلات العلمية - والذي لا يؤدي إلى الغوغاء - سيعطي حتما - أثرا أفضل ، ويمكن أن يكون تقديم " مثنى " على " فرادى " في الآية لهذا السبب .
الشيخ محمد تقي الشيرازي ونكران الذات
كان المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي رضوان الله عليه (مفجّر ثورة العشرين في العراق ومحرّره من الاستعمار الإنجليزي وهو في الثمانين من العمر) مرجعاً دينياً كبيراً عُرف بالورع والتقوى، حتى أنّ تلاميذه عندما كانوا يُسألون عن عدالته كانوا يجيبون: سلوا عن عصمته وهل هو معصوم أو لا ـ ولاشك أنه غير معصوم ولكن التعبير من باب المبالغة ـ. هذا الرجل العالِم الورع كان يفتي بأنّه لا يجوز استئجار غير العادل لقضاء ما فات الميت من صلاة وصيام وإن كان ثقة، بل يشترط فيه العدالة. ولا يخفى أنّ الفقهاء يختلفون في هذه المسألة، فبعض لا يشترط العدالة ويرى أنّ مجرّد الثقة بأنّ الشخص سيؤدّي هذه الصلوات والعبادات يكفي ولا يلزم أن يكون عادلاً، بينما يشترط آخرون ـ كالشيخ محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) مثلاً ـ العدالة في الشخص الذي يتقاضى أجوراً لقاء قضاء ما فات الميت من صلاة وصيام.
ينقل عنه أنّ أحد المؤمنين جاء يوماً إلى الشيخ (الشيرازي) وشكا عنده الفقر والعسر وطلب منه أن يحوّل إليه قضاء صلاة أو صوم عن بعض الأموات ـ فإنّ الورثة والأوصياء يعطونها في العادة للمرجع لكي يحوّلها إلى مَن يراه صالحاً ـ ولكن الشيخ محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) اتفق أنه لم يكن آنذاك عنده من العبادات الاستيجارية شيء، فاعتذر وقال: لا يوجد عندي الآن. ولما كان الرجل (السائل) قد أضرّ به الفقر وضغط عليه لم يتمالك نفسه فأخذ يسبّ الشيخ (هذا العالِم الورع الذي كان تلامذته يرونه في التقوى تالي تلو المعصوم)!
وبعد بضعة أيام جاءوا للشيخ بصلاة وصيام قضاء عن الميت أي جاء له بعض المؤمنين وأعطاه مالاً لاستئجار مَن يصلّي عن أبيه مثلاً. وهنا بادر الشيخ محمد تقي الشيرازي ووجّه أحد أفراد حاشيته ليذهب بذلك المال إلى ذلك الرجل الذي سبّه لاستئجاره في قضاء هذه الصلوات!
وهنا تعجّب هذا الشخص الذي هو من أصحاب الشيخ وحاشيته وقال: شيخنا، ألستم تشترطون العدالة فيمَن يُستأجر للقضاء عن الميّت؟ قال: بلى، فقال: ولكن هذا الرجل على فرض أنّه كان عادلاً ولكنّه فقد العدالة عندما سبّكم وكلّنا نعلم أنّ سبّ المؤمن حرام، وارتكاب الحرام مسقط للعدالة. ولا شكّ أنّه يصدق على الشيخ أنّه مؤمن، فضلاً عن أنّه مرجع تقليد ومضرب المثل في الورع والتقوى.
فتبسّم الشيخ ثم قال: سبّ الفقراء للعلماء غير مسقط للعدالة. اذهب وأعطه المال؛ فإنّه لم يكن ملتفتاً حينما سبّ.
:. نكران الذات مصدر كلّ الفضائل
لخّص القرآن الحكيم هذا الأمر فقال: ﴿قل إنما أعظكم بواحدة﴾ أي لا حاجة إلى كلام كثير ومواعظ جمّة بل موعظة واحدة تكفي إن التزمتم بها؛ لأنّها خلاصة المواعظ كلّها.
فالنقطة التي تجبرك على أن تتوجّه في صلاتك، وتمنعك عن أكل الحرام، والنظر الحرام والاستماع الحرام والنطق الحرام وظلم الناس وإيذائهم، والتي ركّز عليها القرآن هي «أن تقوموا…» فهذه نقطة أساسية يجب علينا الانتباه إليها أكثر من أيّ عمل مستحبّ أو خلق مستحبّ آخر، لأنّها جامعة لكلّ الفضائل.
|
|
|
|
|