قبل ربع قرن, في مثل هذه الايام, توقف زمن الحياة لمدينة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا, جفت الانهر, واحترقت الحقول, مات البشروالحشر, الصغير والكبير, الشيخ والشاب, الرجال والنساء وحتى الاطفال الرضع لم يسلموا من موت جماعي. أطنان من السموم خلفت ورائها الدمار الشامل, مشاهد الموت ورائحته حولت تلك القرية الوادعة الى جحيم لايطاق, ام مصدومة جمدت في مكانها, واب مثكول يحتضن رضيعة عسى ان يدفع عنه الموت, الجثث توزعت في كل ارجاء المدينة, انها حلبجة الشهيدة التي اغتالتها يد الحقد البعثي. من هنا مرَّ برابرة البعث, ومن هنا مرَّ الموت والابادة الجماعية. هجوم اجرامي بالاسلحة الكيميائية نفذه برابرة البعث بحق الاهالي الابرياء راح ضحيته اكثر من خمسة الاف شهيد وضعف هذا الرقم من المصابين لايزال بعضهم يعاني من عاهات صحية مستديمة.
ان بشاعة الجريمة تدل على هوية الفاعلين, وسايكلوجيتهم الاجرامية, والنفسية البربرية التي يحملونها بل ان البرابرة يستنكفون ان يفعلوا ما فعله البعثيون في حلبجة والانفال والمقابر الجماعية بعد انتفاضة اذار 1991.
حينما سُئل المجرم علي كيمياوي مدبر جريمة حلبجة اثناء محاكمته هل يشعر بالندم عما ارتكبه من جريمة في حلبجة اجاب بالقول انه لو عادت به الايام لما تردد لحظة في ان يضرب حلبجة ثانية بالسموم والغازات القاتلة, هكذا اجاب المجرم, اعتراف بالجريمة مع سبق الاصرار والترصد, اي وحشية التي يحملها هذا المخلوق وغيره من وحوش وبرابرة البعث الذين نفذوا جريمتهم بدم بارد. أن جواب علي كيمياوي هو انعكاس لنمط تفكير البعثيين الصداميين, فلو قدر لهم العودة الى الحكم ثانية لعادوا لارتكاب ذات الجرائم بحق الشعب العراقي. ستبقى حلبجة والانفال في كردستان والمقابر الجماعية في الجنوب مأساة العصر والشاهد على جرائم نظام وحزب همجي ديكتاتوري, كما ستبقى وصمة عار في جبين الدول والانظمة السياسية غربية كانت او شرقية, التي زودت النظام الديكتاتوري البائد بالاسلحة وغطت على جرائمه البشعة, او دعمته سياسيا طوال مدة حكمه البغيض.
حلبجة اليوم عادت من جديد عروس كردستان بعد ان نفضت عنها غبار الجريمة, وهاهي شوارعها تنبض بالحياة رغم انوف البرابرة الذين ارادوا لها الموت. حلبجة درس للتاريخ وللانسانية يقول الطغاة يمضون ويقبرون وان تجبروا والشعوب تبقى وان استضعفت. المجد والخلود لشهداء حلبجة وشهداء العراق, والخزي والعار لبرابرة البعث المهزوم.