يقول صاحب تفسير الصافي في الجزء الاول في المقدمة السادسة : [ المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير ومحرّف ، وإنّه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع ومنها غير ذلك وأنّه ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وبه قال علي بن إبراهيم ... ] ؟ تفسير الصافي للفيض الكاشاني ج 1 ص 49 ـ 50
والذي نعلم أن مذهبنا ـ الاثنى عشرية ـ لا يقول بالتحريف ، فكيف قال به الفيض الكاشاني ؟
السيد جعفر علم الهدى
الفيض الكاشاني قدس سره بعد أن يورد أدلّة القائلين بالتحريف يجيب عنها بأجوبة كثيرة :
1 ـ قال [ ان صحّت هذه الأخبار فلعلّ التغيير إنّما وقع فيما لا يخلّ بالمقصود كثير اخلال ، كحذف اسم علي وآل محمّد صلّى الله عليه وآله ، وحذف أسماء المنافقين عليهم لعائن الله الخ ].
2 ـ قال [ ولا يبعد ان يقال انّ بعض المحذوفات كان من قبيل التفسير والبيان ولم يكن من أجزاء القرآن فيكون التبديل من حيث المعنى ـ أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره ـ وتأويله ـ عني حملوه على خلاف ما هو به الخ ـ ثمّ استدل على ذلك برواية الكافي.
باسناده عن أبي جعفر عليه السلام انّه كتب في رسالته إلى سعد الخير « وكان من نبذهم الكتاب ان اقاموا حرّوفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية » وهذا صريح في انّ القرآن لم يتبدّل ولم يتغيّر ألفاظه وحروفه وانّما وقع التحريف في تفسيره وتأويله ومعانيه.
ثم قال [ هذا ما عندي من التفصي عن الإشكال والله يعلم حقيقة الحال ] ، نعم البحث الموضوعي يستدعى ذكر أدلّة الطرفين وبمحتصبها وبيان وجه الإستدلال والإشكالات الواردة عليها ولذا ذكر كلمات المحقّقين من علمائنا وأدلّتهم على عدم التحريف حتى بالنقيصة الجزئية مثل كلام الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان واستدلاله بأدلّة دامغه وحجج باهرة على عدم وقوع التغيير بالزيادة والنقيصة في القرآن الكريم.
وليعلم انّ أوّل من قال بوقوع النقيضة التحريف في القرآن الكريم فيما نعلم هو عمر بن الخطّاب حيث انّ أهل السنّة يروون بأنّ عمر بن الخطّاب جاء بآية رجم الشيخة والشيخ الزاني ، وادّعى أنّ هذه الآية من القرآن الكريم لكن لم يقبل منه لأنّه شاهد واحد ولم يكن معه من يشهد بذلك ففي اعتقاد عمر وأتباعه انّ هذه الآية سقطت من القرآن الكريم ( روى ابن عباس عن عمران قال : انّ الله بعث محمداً بالحقّ وانزل معه الكتاب فكان ممّا أنزل إليه آيه الرجم فرجم رسول الله صلّى الله عليه وآله ورجمنا بعده ) وآية الرجم التي ادعاها عمر هي : ( اذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البته نكالاً من الله والله عزيز حكيم ).
كما أن السيوطي في الاتقان ج 1 ص 121 ينقل عن عمر بن الخطاب : انّ حروف القرآن الكريم 000 / 027 / 1 والحال انّ القرآن الذي بأيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار ، فقد سقط بزعم عمر من القرآن أكثر من ثلثيه.
وكانت عائشة تقول : ( كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلّى الله عليه وآله مأتي آية ـ 200 آية ـ فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّ ما هو الآن ) الاتقان ج 2 / 40.
وروى زرّ قال : قال أُبيّ بن كعب يا زرّ ( كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ قلت : 73 آية. قال : ان كانت لتضاهي سورة البقرة أو أطول من سورة البقرة ) منتخب كنز العمال.
وروى عمرة عن عائشة انّها قالت : ( كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن ثم نسخت بـ : خمسٍ معلومات فتوفى رسول الله صلّى الله عليه وآله وهنّ فيما يقرأ من القرآن ) صحيح مسلم ج 2 / 167.
وروى المسوّر بن مخرمة قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف ألم تجد فيما انزل علينا ( ان جاهدوا كما جاهدتم اول مرة ) فانا لا نجدها قال : ( سقطت فيما اسقط من القرآن ) صحيح مسلم ج 2 / 42.
وقد روى السيوطي في تفسيره الدر المنثور في ذيل قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) في سورة المائدة ، روى عن بعض الصحابة انّ الآية نزلت هكذا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ـ ان علياً مولى المؤمنين ـ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ).
وروى عن ابن عباس ان قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) نزل هكذا ( فما استمتعتم به منهن الى أجل مسمى فآتوهن اجورهن الخ ). وأمثال ذلك كثير في كتب أهل السنّة أنّها كانتا في مصحف ابن عبّاس واُبي بن كعب وليس في القرآن الذي بأيدينا هاتان السورتان فراجعهما في الجزء السادس من تفسير الدر المنثور للسيوطي ، ومع هذه الروايات الظاهرة في التحريف والتي يرويها أهل السنّة من دون تعليق عليها ، يتّهم علماء أهل السنّة ، الشيعة بأنّهم قائلون بالتحريف ، مع أنّ المحقّقين من علماء الشيعة يصرّحون بعدم وقوع الزيادة والنقيصة في القرآن الكريم ويستدلّون على ذلك بأدلّة كثيرة والروايات التي يظهر منها وقوع النقيصة ، يحملونها على إرادة التفسير والتأويل وشأن النزول ونحو ذلك ممّا لا ربط له بآيات القرآن الكريم.