بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
بينما كنت ألعب في صغري ، أحسست أصواتا تنهش حيطان منزلي ، تنذر بموت وشيك ، وظلام لا يسمع بعدها صوت الديك .
وقبلا كنا أولادا وابتسامات ، نرفض الأحزان والآهات ، وكانت تناديني إحداهن لأهز مهد وليدها ، ولا أرفض إلا أن أرقب عين صغيرها ، علها تنام ، لألقى من أمه : شكرا يا بن الكرام .
ولكن عين أبي لم تستقر وتهدأ ، إذ قرر الذئب بأنيابه أن يبدأ ، قالوا : سيهدمون حيَّنا ، فانتقلنا بسيارات لا يُدرى آخر سِربِنا ، هكذا أرادها بني صهيون ، أن نطير كالمهاجرة فتقرَّ لهم العيون .
ولم نبطئ المسير حتى دخلنا مدرسة بجنب ملعب وباحة ، فاستوحشت وأبديت المناحة ، حتى من كثرة اللعب ، نسينا أننا في غربة وندب .
نعم ، أصبحت بيتنا ، حيث بتنا نكره أن ننظر خلفنا ، كي تمر الأيام ، ولا ننسى أن ننام ، بل ولا أنسى كل زواية افترشتها عيني ، وبجدرانها كيف اختلطت أنفاسي ، وأصوات أولادها لم يكن ليغادر أذني .
وبين اليوم وأمس ، شيء واحد يتكلم بهمس : لم تكن في بيتك ، ولا انتقلت إلى منزلك ، بل كلها كانت ضيافة ، وكأنك عن غدٍ تدرك أنها مسافة ، وكما استوحشت في المدرسة ، ستنام تحت التراب بلا مِكنسة .
وما يرّوعني ، مهما حاول الأنس التسلل إلى قلبي ، إلا أن تذكر آيةً تصرّ في أذني ، وكأنها تناديني ، لأشاهد تمثيلية أبدعتها أنامل ربي : أُنْظُر ، أُنْظُر ، لعلك تنظر وأنت تنظر ، فلا تكن في عذابها ، ومالِكٌ يعدّك من حطامها ، ولا ينقضي اقشعرار بدني عندما أسمعه يقول : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)) ، وما كان ليهدأ روعي حتى عاجلني بكلمة فتتت أحلامي وطمعي : ((يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)) .
فيا ليت شعري ، أين أنا وعملي ، بل أين كل أمانيِّ وذخري ، إن لم يكن الزاد تنميه الزناد ، فلا شك سأموت ، ولا أكتب بعدها بأي مِداد .
والحمد لله رب العالمين وسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
أرادوها هكذا بإرادة الجُبناء ..
بشراسة الـ صمت والخذلان ..
بـ قهر السلب وغصة الموت ..
أخذوها على طبق من ذهب ..
بدون أن يكون لهم أي رادعْ ..
حتى الكبرياءْ ..
ولى عنها .. وتولى ..
وأصبحت هي ..
في خبر كان ..
بإرادة الصمت العقيم لـ وطن العرب ..
الأصمْ عن آلامها وأوجاعها وندائها ..
والأخرس عن تلبية النداءْ حتى ولو بـ كلمة ... !
العاملي الرائع ..
في القلب جرحُ غائر ...
على فلسطين الـ أنين ..