الغارة على بيت الوحى
كتب المؤرّخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري مؤلف كتاب«تأويل مختلف الحديث» و«ادب الكاتب»و... ـ في كتاب«الامامةوالسياسة»:
«إن أبا بكر رضي اللهعنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه
فبعث إليهم عمر فجاءفناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب
وقال: والذي نفس عمر بيدهلتخرجنّ أو لاحرقنّها على من فيها، فقيل له:
يا أبا حفص إنّ فها فاطمة فقال: وإن!!»
ثم كتب ابن قتيبة بعد هذه القضيّة المؤلمة يقول:
«ثمّ قام عمر فمشى معهجماعة حتّى أتوا فاطمة فدقّوا الباب فلّما سمعت أصواتهم
نادت بأعلى صوتها يا أبتاهيا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن
أبي قحافة فلما سمع القوم صوتهاوبكائها انصرفوا.
وبقي عمر ومعه قومفأخرجوا عليّاً فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له بايع: فقال:
إن أنا لم أفعلفمه؟
فقالوا: إذاً والله الذيلا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
2ـ الطبري وتاريخه
يروي محمّد ابن جرير الطبري (المتوفي 310) في
تاريخه قضيّة هتك حرمة دار الوحي بهذه الصورة:
«أتى عمر بن الخطاب منزلعلي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين،
فقال: والله لاحرقنّ عليكم أو لتخرجنّإلى البيعة، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف
فعثر فسقط السيف من يده، فوثبوا عليهفأخذوه؟.
يحكي لنا هذا الجانب من التاريخ أن البيعة أيضاً اُخذت من الناسبالقهر والقوة
والتهديد، فما قيمة مثل هذه البيعة؟، على القارىء أن يحكمبنفسه.
3ـ ابن عبد ربه في كتابه «العقدالفريد»
كتب شهاب الدين احمد المعروف بـ«ابن عبد ربه الاندلسي» مؤلف كتاب«العقد
الفريد» (المتوفي 463هـ) في كتابه بحثاً مفصّلاً حول تاريخ السقيفة أورده تحت عنوان«الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكروقال»:
«فأمّا على والعباسوالزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر، عمر
بن الخطاب ليخرجهم من بيتفاطمة وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فاقبل بقبس من
نار أن يُضرم عليهم الدار، فلقيتهفاطمة فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق
دارنا!!
قال: نعم، أو تدخلوافيما دخلت فيه الاُمّة.
بدأالغارة!
4ـ ابو عبيد في كتابه «الاموال»
نقل أبو عبيد قاسم بن سلام (المتوفي 224) في كتابه المسمى بـ«الاموال»الذي
يعتبر مورداعتماد فقهاء الاسلام:
عن عبد الرحمن بن عوف قال:
دخلت على أبي بكر في مرضه عائداً... فقال بعد كلام طويل:
«أجل إنّي لا آسى عن شيءمن الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهن،
وثلاث تركتهنّ وددت أنّيفعلتهنّ ـ إلى أن
قال ـ: فأمّا الثلاثالتي فعلتهنّ وددت إنّى تركتهنّ.. ـ منها ـ:
«فوددت أنّي لم أكشف بيتفاطمة وتركته وأن أغلق على الحرب.
5 ـ الطبراني والمعجمالكبير
نقل ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني (260 ـ 360) ـ الذي يقولفي حقّه
الذهبي في«ميزان الاعتدال»: الحافظ
1 . الاموال، الهامش 4، طبع ونشر كليات الازهرية، الاموال، ص144،طبع
بيروت وكذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد، ج4، ص93،.
الثبت المُعَمَّرـ في كتاب«المعجمالكبير»ـ والذي طبع كراراً ـ كلاماً حول أبي بكر
وخطبهووفاته:
ودّ ابو بكر عند موته اموراً:
«ثلاث فعلتهنّ وددت أنّيتركتها
ثلاث تركتهنّ وددت أنّيفعلتها
أمّا الثلاث اللائي وددتأني لم أفعلهنّ
فوددت إنّي لم أكن أكشفبيت فاطمة وتركته.
هذه الكلمات تكشف لنا بوضوح أن تهديدات عمر قد تحققت عملياً، ولوكان هذا
أمراً بسيطاً لما تأسف عليه الخليفة في آخر عمره.
6 ـ ابن عبد ربه و«العقدالفريد»
نقل ابن عبد ربه الاندلسي مؤلف كتاب «العقد الفريد» (المتوفي 463هـ) في كتابه
عن عبد الرحمن بن عوف:
«دخلت على أبي بكر فيمرضه الذي توفي فيه... قال: أمّا الثلاث التي فعلتهنّ
وددت أني تركتهن ـ منهاـ:
وددت أنّي لم أكشف بيتفاطمة عن شىء و ان كانوا
اغلقوه على الحرب
ووددتانّى لم أكن حرقت الفجاءة السّلمي...
ووددت أنّي يوم
سقيفة بني ساعدة قَدْ رَميْتُالأمر في عنق اَحَدِ رجلين
- يريد عمر وأبا عبيدة
.
7 ـ كلام النظّام في كتابه «الوافيبالوفيات»
نقل ابراهيم بن سيار نظام المعتزلي (160 ـ 231) ـ الذي عرفبالنظّام لروعة
كلامه في نظمه ونثره ـ ما وقع بعد حضورهم في دار فاطمة(عليهاالسلام)في كتب
متعددة وقال:
«إن عمر ضرب بطن فاطمةيوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها.
ويا لها من مصيبة فادحة!
8 ـ المسعودي و«مروجالذهب»
كتب المسعودي (المتوفي 325) في«مروج الذهب»:
«لمّا احتُضِرَ ـ أي أبوبكر ـ قال: أجل إنّي لا آسى عن شيء من الدنيا إلاّ على
ثلاث فعلتهنّ وددت أنّيتركتهن ـ منها ـ وددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة
وذكر في ذلك كلاماًكثيراً.
9 ـ ابن أبي دارم في كتاب «ميزانالاعتدال»
نقل «احمد بن محمّد» المعروف بـ«ابن أبي دارم» المحدّث الكوفي (المتوفي
357) إذ يقول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي في مدحه «كان مستقيم الأمر، عامة
دهره»، نظراً إلى مكانته هذه يقول، قُرأ هذا الحديث فيمحضره:
«إنّ عمر رفس فاطمة حتىاسقطت بمحسن.
10 - كتاب مقاتل بن عطية
نختم هذا البحث بحديث آخر من كتاب «مقاتل ابن عطية» فيكتاب الامامة
والسياسة رغم أنّ ما لم يقل أكثر مما قال.
كتب في هذا الكتاب:
«إن أبا بكر بعد أخذالبيعة لنفسه من الناس بالارهاب والسيف والقوة أرسل عمر،
وقنفذاً وجماعة إلى دارعلي وفاطمةعليهما السلام
وجمع عمر الحطب على دار فاطمة واحرق بابالدار.
فلم يكن هذا مجرّد تهديد وارهاب!
النتيجة:
هل يصحّ أن يقال مع كلّ هذه الوثائق التاريخية الصريحة المأخوذةبصورة عامة
من كتب أهل السنّة المشهورة أنّ استشهادها كان«اسطورة»؟
اين الإنصاف؟
ومن البديهي أنّ كلّ من يقرأ هذا البحث الموجز والذي
يقوم على اساس الوثائق والمصادر المعتبرة سوف يدرك جيداً ما حصل منشدة
الفتنة بعد رحيل الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) وما ارتكب من أعمال
منأجل نيل الحكومة والخلافة وهذه هي الحجّة التامة الدامغة على جميع من
يتحرك في فهمالاحداث التاريخية من موقع العقل والانصاف وبعيد عن التعصب
والعناد لاننا لا نكتبشيئاً سوى ما ورد في المصادر المعتمدة المعروفة، ولو فرض
فرضاً غير مقبول، المناقشةفي بعضها ففي الباقي غنى وكفاية والله الهادي إلى
سواء السبيل.
من كتاب
الغارة على بيت الوحي
تأليف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي