بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
من كتاب كمال الدين وتمام النعمة
عن الامام الصادق ع في حديث طويل ، اقتطع المقطع التالي : لما استنزلت العقوبة على قومه ( قوم نوح ع ) من السماء بعث االله عزوجل الروح الامين عليهالسلام بسبع نويات، فقال: يانبي االله إن االله تبارك وتعالى يقول لك: إن هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة فعادو اجتهادك في الدعوة لقومك فإني مثيبك عليه وأغرس هذه النوي
فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين. فلما نبتت الاشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت وزها التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من االله سبحانه وتعالى العدة، فأمره الله تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الاشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتد منهم ثلاثمائة رجل وقالوا: لو كان مايدعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف. ثم إن الله تبارك وتعالي لم يزل يأمره عندكل مرة بأن يغرسها مرة بعد اخري إلى أن غرسها سبع مرات فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين، ترتد منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا فأوحى االله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يانوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه وصفى(الامر والايمان ) من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة، فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد أرتد من الطوائف التى كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الارض وامكن لهم دينهم وابدل خوفهم بالامن من لكي تخلص العبادة لى بذهاب الشك من قلوبهم، وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالامن مني لهم مع ماكنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا وخبث طينهم وسوء سرائر هم التي كانت نتائج النفاق، وسنوح الضلالة فلو أنهم تسنموا مني الملك الذى اوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ولاستحكمت سرائر نفاقهم تأبدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرد بالامر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب كلا " فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا "
قال الصادق عليه السلام: وكذلك القائم فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه ويصفوا الايمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم عليه السلام.
-------------- انتهى ------------
اقـــــول : هناك نقطة مهمة نحتاج للتركيز عليها خاصة ونحن في هذا العصر وضروفه الارهاصية التي نحتملها ونتابعها .
هذه النقطة هي حالة التمحيص المتكرر والذي حصل في الامم السابقة وسيحصل في امة الرسول جيل الغيبة الكبرى للامام الحجة ع وكما هو واضح في تفاصيل المقطع اعلاه .
ويظهر منه أنّ هناك حكمة إلهية ورائه لتمحيص وغربلة نفس اتباع ادعياء المذهب الحق وهو مذهب ال البيت ع !!! وذلك لتخليصه ممن خبثت طينته ومن المنافقين !!!
هذا الامر او هذه الغاية تجري عليها على الاقل من ظاهر ما نستخلصه من الروايات طريقين على الاقل
واحدة منها ما ذكر في النص اعلاه وهو اختبار ايمان المؤمنين بالصبر والثبات على الامر بطول المدة وتمديدها على مراحل / فترات بحيث في كل مرة وحين اقتراب الفرج لتحقق الوعد يعاد تمديده لفترة اخرى ! ... فتأمّل .
وورد في الرواية عن علي بن الحسين (ع) قال عن غيبة الإمام المهدي (ع) : ( ... فيطول أمدها حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به ، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت )
الطريقة الاخرى وهي شدة المحن والابتلاء والفتن لغربلة ايمان المدعين ومعرفة من يثبت على طريق الحقق ممن ينحرف عنه .
- فقد ورد عن الإمام الكاظم : أما والله يا أبا اسحاق لا يكون ذلك حتى تميّزوا وتمحّصوا وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل .
- وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام : "كونوا كالنحل في الطير ليس شيء في الطير إلا وهو يستضعفها ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزاينوهم (خالفوهم) بقلوبكم وأعمالكم فوالذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين وحتى لا يبقى من شيعتي إلى كالكحل في العين وكالملح في الطعام وسأضرب لكم مثلا:
هو مثل رجل كان له طعامٌ فنقّاه وطيّبه ثم أدخله بيتاً وتركه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس (الشيطان) فأخرجه ونقّاه وطيّبه ثم تركه وعاد إلى البيت وتركه ما شاء الله ثم عاد إليه فإذا هو قد أصابه طائفةٌ من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده ولم يزل كذلك حتى بقيتْ منه رُزْمة كرزمة الأُندر ( رزمة الحنطة المتراصّة مع بعضها) لا يضرّه السوس شيئا كذلك أنتم تميّزون حتى لا يبقى منكم إلى عصابةٌ لا تضرّها الفتنة شيئاً" .
بالعموم ولكثرة الشواهد والادلة والقرائن الروائية فان عصر الظهور واحداثه الارهاصية الاخيرة وحتى الدخول فيه يتبين منها ان الناس سوف تنقسم وتتوزع الى جهتين لا ثالث لها ، فريق ايمان لا كفر ولا شرك ولا شك فيه ، وفريق كفر وشرك ونفاق . كما في حديث عن الرسول ص عن اخر الزمان : " يصيرَ الناسُ إلى فُسطاطَينِ فُسطاطُ إيمانٍ لا نفاقَ فيه وفُسطاطُ نفاقٍ لا إيمانَ فيه "
من هنا ومما سبق ننبه الى امرين :
1- هذه الاحداث التي نتابعها وتحت ما افترضناه واصطلحنا عليه ( فرضية عصر الظهور ) يجب ان لا نغالي فيها حتى لا نقع في محذور ما وقع به اتباع النبي النوح ع . فالاصل هو الايمان ، والمؤنة هي التسليم والصبر لأمر الله تعالى .
2- هناك فتن وتمحيص شديدة ، سوف تهدد حياة الانسان وعقيدته ، لتخليص فريق الايمان الذين وعد الله بان يستخلفه على الارض من كل خبيث ومنافق وهذا امتحان صعب ودقيق على الناس عموما وعلى نفس اتباع المذهب والدين الحق . ولا ينجوا منه الا النومة كما ورد في بعض الروايات وفسرت " النومة " بانهم من لم يعرف الناس ما في قلوبهم , بمعنى وكأنه سيكون هناك اتجاهات فكرية وعقائدية متنوعة مختلفة ومتخالفة وهي اقرب الى الاهواء منها الى الدين وتريد استقطاب كل من حولها اليها ، ولعلنا نشاهد في زماننا الحالي الذي نشهد في داخل المذهب الشيعي مثلها من حيث تعدد وتحزب كثير من الناس في تقليدهم لمراجع الدين بشكل يجعل اتباع كل اتجاه تخاصم وتنافر الاخريات وتستنكر عليها احيانا ناسين ان الاصل هو وحدة جوهر المذهب وهي ولاية ال البيت ع وتوليهم اعتقادا وعملا وحسن إتباعهم والسير بسيرتهم الكريمة واخلاقهم الفاضلة وتقواهم .