حياكم الله أخي آكسل
نشكركم على هذا السؤال المهم وننتظر الإخوة السنة للإجابة
سؤالكم هذا ذكرني بهذه المحاورة في مركز الأبحاث العقائدية
وتم نسف الشبهة فيها :
يقول الذي خلقنا والذي له تصرف جميع عباداتنا خالصة: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ )) (التوبة:100).
هذه الآية الكريمة تتكلّم عن مهاجرين وأنصار وآخرين اتبعوهم بإحسان... هل تدبّرت.. هل تفكّرت.. فهل آل البيت من جملتهم ومن ضمنهم أم لا؟
إن قلتَ: نعم، فهذا يعني أنّهم فريق واحد رضي الله عنهم جميعاً لا فريقان.. وإن قلت: لا، فإنّك تخرج آل البيت من فضل هذه الآية الكريمة... فهل فهمت قصدي الآن؟... أرجو ذلك وأتمناه!!!
وهذه الآية على سبيل المثال لا الحصر... فالآيات في هذا المعنى كثيرة..
فهل يوجد في كتاب الله تبارك وتعالى آية (واحدة) تقسّم كلّ من لقيَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مؤمناً به ومات على ذلك إلى فريقين.. فريق اسمه آل البيت وفريق اسمه الصحابة؟
الإجابة
الأخ أبا زهراء المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قبل كلّ شيء يجب أن نبيّن: إنّ اجتماع مفهومين في مصداق واحد لا يعني اتّحادهما، فمفهوم أهل البيت (عليهم السلام) غير مفهوم الصحابة، ومع ذلك فيمكن أن يصدقا على مصداق واحد، كما يصدق على عليّ (عليه السلام) أنّه من أهل البيت (عليهم السلام) ومن الصحابة.
وكذلك فإنّ مفهوم المهاجرين ومفهوم الأنصار غير مفهوم الصحابة، وإن كان من الصحابة مهاجرون وأنصار، ومثله يمكن أن يكون من أهل البيت (عليهم السلام) مهاجرون.
وقد بُيّن في علم المنطق علاقة المفاهيم فيما بينها من جهة صدقها على المصاديق، كالخصوص والعموم المطلق، أو من وجه، أو التباين، أو التساوي(1).
ومن هنا فنحن نقول جواباً على السؤال الأوّل: نعم، إنّ من كان من آل البيت الذين هم آل محمّد - عليّ، وفاطمة، والحسن والحسين (عليهم السلام) - زمن الهجرة فهو من جملة السابقين الأوّلين، ومن جملة المهاجرين، وهم حائزون على رضوان الله وفضله.
ولكنّا لا نقول: بأنّ المهاجرين مساوون لأهل البيت (عليهم السلام)، بحيث كلّ من صدق عليه الهجرة يكون مثلهم، إذ الهجرة لوحدها لا يلزمها نيل رضوان الله لمن هاجرها!
نعم، إنّ الظاهر البدوي من الآية أنّ مجرّد السبق إلى الهجرة والنصرة كافٍ ووافٍ في رضوان الله، وأنّه حسنة لا تضرّ معه سيئة؛ ولكن هل هذا الظاهر حجّة ملزمة، بحيث يجب علينا أن نقدّس كلّ من سبق إلى الهجرة والنصرة حتّى ولو ثبتت عليه المعصية؟
والجواب: إنّ المراد بالسابقين الأوّلين من أقام على طاعة الله، ومات على سُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أمّا من عصى وأساء بعد الهجرة والنصرة فلا تشمله مرضاة الله؛ كيف وهو القائل: (( مَن يَعمَل سُوءاً يُجزَ بِهِ وَلاَ يَجِد لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً )) (النساء:123)، والقائل: (( لِيَجزِيَ اللَّهُ كلّ نَفسٍ مَا كَسَبَت إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ )) (إبراهيم:51)؛ وروى البخاري في صحيحه (كتاب الفتن): ((إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم القيامة: (أي ربّي أصحابي)، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك))، وزاد عن أبي سعيد الخدري: ((فأقول: (سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي)))(2).
وليس من شكّ أنّ للسابق في الهجرة والنصرة الأفضلية على اللاحق، ولكن هذا شيء والسماح له بالمعصية أو عدم الحساب عليها شيء آخر، لأنّ في الآية قيد لا بدّ من الالتفات إليه، وهو: (( وَرَضُوا عَنهُ ))، ولا يصدق على العاصي لله والمشاقق لرسول (صلى الله عليه وآله) أنّه راضٍ عن الله.
ونجيب عن سؤالك الثاني: هنالك آيات كثيرة تشير إلى تقدّم أهل البيت وتذكرهم بالاسم كآية التطهير أو تشير إليهم كآية المباهلة، بينما لا يوجد في كتاب الله آية واحدة تذكر الصحابة بالاسم، سوى آية الغار التي وردت التسمية فيها بصيغة المفرد (صاحبه) ولا يراد منه المعنى الاصطلاحي، ولا يمكن أن يستفاد منها أيّة مزية لمن أُدّعيت له.
أمّا نفس التقسيم إلى أهل البيت والصحابة فلا يوجد في القرآن، وهذا يدلّ على أنّ ذكر أهل البيت مع ما أسند إليهم من الفضل العظيم في كتاب الله دون الصحابة يثبت ما أشرنا إليه آنفاً من أنّ مجرّد الهجرة والنصرة بل والصحبة لا تدلّ على رضوان الله، بل العبرة كلّ العبرة في الثبات على الهجرة والنصرة والاقتداء بالسُنّة، فإن استطعت أن تثبت لنا أنّ جميع المهاجرين والأنصار قد ثبتوا على مقتضى رضوان الله وأنّهم رضوا عن الله حتّى قبضوا فأنت أنت، وإلّا فلا.
ثمّ إنّ انطباق معنى كلّي على فئة من الناس لا يعني أنّهم جميعاً متساوون من جميع الجهات، نعم هم متساوون من جهة صدق هذا المعنى والمفهوم عليهم، وأمّا أنّ بعضهم لا يصدق عليه مفهوم آخر أخصّ فلا يقول به متعلّم فضلاً عن عالم.
وصدق مفهوم السابقين من المهاجرين على مجموعة من الناس منهم أهل البيت (عليهم السلام)، لا يعني عدم تميّز أهل البيت (عليهم السلام) بمفهوم آخر أخصّ من الأوّل، فهذه طبيعة المفاهيم أحدها أخصّ من الآخر أو أعمّ، وبالتالي تكون مصاديقها حسب الانطباق أخصّ أو أعمّ، ولك مثلاً على ذلك: فإنّ الله اختار العرب من البشر، واختار قريش من العرب، واختار بني هاشم من قريش، واختار النبيّ (صلى الله عليه وآله) من بني هاشم(3)، فهل في هذا منافاة؟ أو هل يحقّ لأحد إن يقول أنّ كلّ العرب أو كلّ قريش يساوون رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفضيلة؟! - أستغفر الله -.
وإن قلت: أنّي اعترف بوجود العموم والخصوص المطلق بين هذه المفاهيم، ولكن هذا غير التباين والانفصال كما تدّعون.
قلنا: من قال إنّنا ندّعي التباين والانفصال بين مفهوم السابقين الأوّلين وبين مفهوم أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ أهل البيت (عليهم السلام) يدخلون تحت السابقين وإن كانوا مميزين وأفضل منهم.
ولكن دعوانا أوّلاً: إنّ السابقين الأوّلين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنهم لا يساوون أهل البيت (عليهم السلام) في الرتبة.
وثانياً: عدم صدق السابقين الأوّلين على أولئك البعض الذين كانوا في الطرف الآخر، مقابل أهل البيت (عليهم السلام)، وتدّعي أنت دخولهم فيهم؛ فتأمّل!
ودمتم في رعاية الله
(1) انظر: المنطق، للمظفّر: 77 النسب الأربعة.
(2) صحيح البخاري 8: 87 كتاب الفتن.
(3) انظر: الخصال، للصدوق: 26 باب الاثنين الحديث (11)، طبقات ابن سعد 1: 20.
تعليق على الجواب
عامر ناصرالعراق
العراق
السلام عليكم
قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ)(التوبة: 100)، فمن يعلم الغيب أنتم أم الله سبحانه وتعالى!
فكيف تقولون أنّ الصحابة انقلبوا على الرسول الكريم بعد موته؟!
فهو من قال: (خَالِدِينَ فِيهَا)، ألا يعلم الله سبحانه من سيدخل الجنّة؟ إن قلتم: لا، وقعتم في كفر، لأنّ الله علام الغيوب.
جواب المركز
الأخ عامر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قد وقعت بكلامك هذا في إشكالين بعد الاستناد على مغالطات واضحة..
أولاها: عدم الجمع بين آيات الكتاب المبين، والاكتفاء بظاهر هذه الآية الكريمة!
والثانيها: اتهامك لنا بعدم الإيمان والاعتقاد بأنّ الله تعالى علاّم الغيوب، وهذا كلام باطل لا نلتزم به.
هذا وليست الشيعة من قال بأنّ الصحابة سترتد من بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن أمر كانوا عليه معه ويحدثوا حدثا واحدا بعينه يتفقون عليه، بل الرسول الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال ذلك بحسب رواياتكم الصحيحة المتواترة، كما في أحاديث الحوض، من بعد تنصيب أمير المؤمنين(عليه السلام) وليّا للمؤمنين وخليفة له بأمر من الله تعالى، ولكنّهم انقلبوا عليه بمجرد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعقدوا الخلافة لأبي بكر ببيعة الفلتة على حد مقولة عمر، وتحقق ما أخبر به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما وصفهم به تجاه عليّ(عليه السلام)، حتّى روى الحاكم في (مستدركه 3/140و142) بسندين صحيحين عن عليّ(عليه السلام)، قال: (إنّ ممّا عهد إليَّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الأُمّة ستغدر بي بعده)، ووافقه على تصحيحهما الذهبي، وأخرج من طريق ثالث عن عليّ(عليه السلام) أيضاً رواه عنه ثعلبة، قال: قال عليّ على المنبر: (والله إنّه لعهد النبي الأُمّي إليَّ أنّ الأُمّة ستغدر بي)، وذكره الهيثمي في المجمع 9/137) فقال: رواه البزار وفيه علي بن قادم وقد وثق وضعف. هذا أوّلاً.
وثانياً: (المهاجرون) عنوان كـ(المسلمين، والمؤمنين، والكفار، والمرتدين) لا يمكن حصر معناها في معنى واحد يستفاد منه ظاهر اللفظ.
فالمسلم يمكن أن يكون مؤمناً صالحاً، بل نبيّاً معصوماً (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام: 163)، و(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)(آل عمران: 18)، و(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران: 85)، وغيرها.
وكذلك يمكن أن يكون على ظاهر الإسلام كقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَظ°كِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)(الحجرات: 14)، و (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىظ° إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَظ°لِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا)(النساء: 94)، و(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(الحجرات: 17). ويمكن إطلاقه على المنافقين حيث إنّ المنافق يظهر الإسلام والإيمان ويبطن الكفر، ولذلك كان المنافقون عبد الله بن أبي بن سلول وأتباعه محسوبين على الصحابة والمسلمين لأنّهم يظهرون الإسلام، فحقنوا دمائهم بإظهار الإسلام والإيمان مع كونهم كفّاراً واقعاً، وقال تعالى عنهم: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)(المنافقون: 1ـ4).
وكذا الحال في الإيمان فهو درجات وأصناف كالإسلام بالضبط، وكذا الكفر، كما قال ابن عبّاس أنّ هناك (كفر دون كفر)، والردّة أيضاً كما في حديث الحوض (ردّة دون ردّة).
ولذلك لا يمكن حمل المهاجر أو الأنصاري على المدح وأعلى درجات القبول والرضا دائماً، ولو كان الأمر كذلك لما قال لهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مخاطباً المهاجرين حين هجرتهم: (إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)(مسند أحمد 1:25). وكذلك الأنصار منهم سعد بن عبادة الذي تمرّد على أبي بكر وعمر ومات، بل قتل، وهو لم يبايعهما لخلفاء وأئمّة له إضافة لمن انتحر وإضافة إلى من ارتد من المهاجرين والإنصار أو تنصر ناهيك عن المنافقين وما أكثرهم... الخ.
فلو كانت هذه الآيات مطلقة تشمل كلّ مهاجر لَما قال لهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما قال، ولما حذّرهم وطلب منهم النية الخالصة وعدم قصد شيء من حطام الدنيا، ولقال لهم: أيّها المهاجرون أنتم مبشّرون بالجنّة كلّكم وقد رضي الله عنكم جميعاً.
ودمتم في رعاية الله.
هل يستطيع المخالف إدخال مهاجر أم قيس في الآية الكريمة!
أنقل مايلي:
فتح الباري بشرح صحيح البخاري المؤلف: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الناشر: دار المعرفة - بيروت، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (1/ 10) ( كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ).