يُحكى أن رجلاً كان يعيش في مغارة ، وكانت له حظيرة لأغنامه ومواشيه أمام تلك المغارة ، وكان يرعى بأغنامه في النهار ، ثم يعود في ساعات المساء ليبيت في تلك المغارة والتي هي له بمثابة بيت حقيقي يعيش فيه .
ورأى ذات يوم أفعى طويلة تدخل في إحدى زوايا المغارة ، وتستقرّ في جُحر صغير ، وتلفّ نفسها وترقد طويلاً في ذلك المكان .
وقرّر الرجل بينه وبين نفسه عدم التعرّض لها خشية أن تكون من عُمَّار ذلك المكان ، فيصيبه مكروه بسببها .
وظلّ الرجل يراقبها عدّة أيّام ، وهي ترقد في نفس المكان ، وإذا خرجت فلا تلبث إلا قليلاً ثم تعود إلى مكانها ، فأنِسَ لها الرجل ، ولم يعد يخشى منها .
وخرجت الأفعى ذات يوم فحدّثته نفسه أن يرى ما في عشّها الذي ترقد فيه، فقام ونظر إليه ، فرأى فيه عدّة أفاعٍ صغيرة حمراء وملساء، فقال في نفسه سآخذ هذه الأفاعي وأُخبئها ، وأرى ماذا ستفعل أمهم إذا جاءت ولم تجدهم .
ووضع الرجل صغار الأفعى في علبة صغيرة وخبأهم في سلّةٍ مُعلقةٍ في سقف المغارة ، ثم خرج واختبأ في مكانٍ ليرى ماذا ستفعل الأفعى الأمّ عندما تعود ولا تجد صغارها .
وعادت الأفعى إلى عشّها ومرقدها ولكنها وجدته فارغاً ولم تجد صغارها فيه ، فأخذت تبحث عنهم قريباً من المكان علّها تجدهم هناك ، ولكنها لم تجد أحداً ، فأخذت تبحث في زوايا المغارة ، وفي كلّ مكانٍ منها ولكنها لم تجد شيئاً ، فعرفت أن ذلك الرجل هو الذي أخذ أولادها ، فعمدت إلى زير ماء يشرب منه الرجل ، وملأت فمها منه ، وأعادت الماء إليه ممزوجاً بالسم ، ثم أعادت الكَرّة عدّة مرات حتى سمّمت الماء الذي في الزير ، وخرجت من المغارة تبحث عن أولادها في مكان آخر .
وبعد أن خرجت الأفعى أعاد الرجل أولادها إلى عشّهم ومكانهم ، ثم عاد وكمن في مكانه الأّول ليرى ماذا ستفعل الأفعى إذا ما عادت ووجدت أولادها مكانهم ، ولم تكن الأفعى قد كفّت عن البحث عن صغارها فعادت لتبحث عنهم في المغارة من جديد ، وعندما رأتهم في مكانهم ولم يُصب أحدٌ منهم بأذى تركتهم مسرعةً وذهبت إلى زير الماء ولفّتْ ذنبها عليه وفَتَلَتْـهُ بقوة فوقع الزير وانكسر وانسكب ما بداخله من ماء على الأرض ، وبعد ذلك عادت لترقد على أولادها من جديد وكأن شيئاً لم يحدث . وعجب الرجل من أمومة تلك الأفعى ومن وفائها وإخلاصها ، ولم يعد يتعرّض لها أو لأولادها بأي أذى أو ضرر .