|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 23528
|
الإنتساب : Oct 2008
|
المشاركات : 4,921
|
بمعدل : 0.84 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نووورا انا
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 14-08-2009 الساعة : 02:50 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
الوراثة والتربية:
وجاء العلم الحديث فاعترف للوراثة بأثرها الكبير في توجيه حياة الإنسان ليس فسيولوجياً فقط وإنما سيكيولوجياً وسلوكياً. وأعطى للتربية دورها البعيد في صياغة نفس الإنسان وتحديد ممارسته.
وليست هذه حقيقة جديدة على الدين فهو يؤمن بدور الوراثة والتربية في توجيه الإنسان، ولكن في حدود لا تسمح لها بسلب حرية الإنسان واختياره، فالعامل الوراثي والتربوي لا يعدو أن يكون عاملاً مساعداً يدفع الإنسان لسلوك اتجاه ما في حياته، ولكن القرار الأخير والنّهائي بيد الإنسان نفسه، فباستطاعته أن يسير على طريق أبويه وعلى منوال بيئته، وبإمكانه أن يتمرَّد على كلّ ذلك ويسلك طريقاً آخر.
فابن نبي الله نوح(عليه السلام) لم يرث إيمان آبائه ولم يتمسّك بمبادئهم، يقول القرآن الكريم:{ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَّعَ الْكَافِرينَ. قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَــوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين }(17) .
وفي التاريخ الكثير من النّماذج والأمثلة التي تثبت حرية الإنسان في التمرّد على عادات أهله وتقاليد مجتمعه. فهذا مصعب بن عمير وقد تولَّد من أصلاب جاهلية مترفة، يتمرّد على جاهلية أهله وترفهم وينضمّ إلى صفوف الفقراء والعبيد من طلائع الإسلام، وفي حياتنا المعاصرة نشاهد الكثيرين ممّن وُلدوا في أحضان الرأسمالية وتلقّوا تربية برجوازية مستكبرة يثورون على واقعهم وينضمّون إلى صفوف المتمرّدين والثّائرين.
وفي مجال الصّفات النّفسية والسُّلوك والأخلاق، ليس هناك تطابق حتمي، وتوافق دائم، بين الأبناء وعوائلهم التي انحدروا منها، فكم من عائلة صالحة تبتلي بولد سيء فاسد، وكم من ولد صالح انحدر من عائلة شريرة.
لقد كان الجارود العبدي صحابياً جليلاً مستقيم السّيرة والسُّلوك حتى استشهد في سبيل الله، وكان له ولد يُقال له: المنذر بن الجارود، وضع الإمام علي (عليه السلام) فيه ثقته، وولاّه على بعض النّواحي، مؤمّلاً فيه الصلاح لمعرفته بجلالة قدر أبيه الجارود. لكنّ ما حصل هو العكس من ذلك حيث خان الأمانة فكتب إليه الإمام (عليه السلام) كتاباً يؤنّبه فيه على خيانته ويعزله عن منصبه.
جاء في ذلك الكتاب:
« أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ، وَظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ، وَتَسْلُكُ سَبِيلَهُ، فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لِهَواكَ إِنْقِيَاداً، وَلاَ تُبْقِي لآخِرَتِكَ عَتَادَاً، تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ، وَتَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ »(18) .
مظاهر الحريّة:
وكما خلق الله الإنسان حرّاً أراد له أن يعيش حراً، وأن يمارس إرادته واختياره، ولم يسمح الله تعالى لأيّ أحد أن يسلب من الآخر إرادته أو أن يقف مانعاً له من ممارسة حرّيته، فالرِّسالات السّماوية تعترف للإنسان بحريته وتحمي حريته، والمجالات التي يمكن للإنسان أن يستعمل فيها حريته في الإسلام هي بسعة الحياة وأبرزها ما يلي:
1ـ حرّية الرأي والفكر: فلا يصحّ أن تجبر إنساناً ما على اعتناق عقيدة معينة:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ }(19) ، { أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤمِنِين }(20) ، { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر }(21) ، ويقول الإمام علي(عليه السلام):« إِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِه عَمي »(22) ، وفي ظلّ الحكم الإسلامي عاش اليهود والنّصارى محتفظين بديانتهم وعقائدهم.
وما عدا الأُصول الأساسية للعقيدة الإسلامية، يتمتّع الإنسان المؤمن بحرّيته الكاملة في الإيمان بسائر المفاهيم الثّانوية، ما لم تصل إلى حدِّ المساس بالعقائد الأساسية.
فمثلاً: عالم الذرّ بتفصيله المعروف، للإنسان حريته في أن يؤمن به أو لا يؤمن فإذا ثبت لديه واقتنع بصحّته آمن وإلاّ فليس مسؤولاً عنه فلا يجبر على ذلك.
وأمّا القضايا الكونية والطّبيعية العلمية فلقد أوكلها الدّين إلى تفكير الإنسان ومستوى علمه، فلم يفرض عليه مثلاً: الاعتقاد بحركة الأرض ودوران الشّمس.. كما كانت الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى تفرض على المجتمع المسيحي آراءها المتعسّفة في هذا المجال وتكفّر وتقتل كلّ من يخالفها الرّأي في ذلك.
2ـ حرية القول والمعارضة: وللإنسان في ظلّ الإسلام الحقّ في أن يقول ما يشاء وأن يعارض ما يراه انحرافاً أو مخالفة.
وفي العصر الإسلامي الأوّل كان المسلمون يمارسون هذه الحرية غالباً بشكل رائع وجريء
ومرّة جاءت امرأة إلى الإمام علي (عليه السلام) تشكو أحد ولاته، فما كان من الإمام إلاّ أن رحّب بشكواها ودفع إليها كتاباً بعزل ذلك الوالي.
تقول سودة بنت عمارة الهمدانية في حديثها عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): والله لقد جئته في رجل كان قد ولاّه صدقاتنا، فجار علينا فصادفته قائماً يصلّي، فلما رآني إنفتل من صلاته، ثم أقبل عليّ برحمة ورفق وتعطّف، وقال: ألكِ حاجة؟ قلت: نعم. فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: اللهمَّ أنت الشّاهد عليّ وعليهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك، ثمّ أخرج قطعة جلد، فكتب فيها:
« بسم الله الرّحمن الرحيم{ قَدْ جَاءَتْكُم بَيّنَة مِن رَبِّكُم فَأوْفُوا الْكَيْلَ وَالميزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُم خَيْرٌ لَكُم إِنْ كُنْتُم مُؤمِنِين }(25) .
فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتّى يقدم عليك من يقبضه منك، والسّلام.
ثمّ دفع الرُّقعة إليّ، فوالله ما ختمها بطين ولا خزنها، فجئت بالرّقعة إلى صاحبه فانصرف عنّا معزولاً »(26) .
وروى المؤرّخون: أنّ الحريث بن راشد السّامي كان عدواً للإمام علي (عليه السلام) فجاءه قائلاً: والله لا أطعت أمرك، ولا صلّيت خلفك. فلم يغضب لذلك، ولم يبطش به، ولم يأمر له بالسّجن أو العقوبة، وإنّما دعاه إلى أن يناظره حتّى يظهر أيّهما على حق، ويبين له وجه الحقّ لعلّه يتوب. فقال له الحريث: أعود إليك غداً.
فقبل منه الإمام فانصرف الرجل إلى قومه ولم يعد »(27) .
والنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومون (عليهم السّلام) كانوا يتيحون المجال للآخرين أن يعلنوا آراءهم وأن يتحدّثوا بحريتهم،وإن كانت آراؤهم تخالف آراء الأئمة وعندها يقوم الإمام بإقناع الطّرف المقابل بوجهة نظره.
فالنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا رأى أحد العرب مرتبكاً في إبداء رأيه، قال له:« هَوِّن عَلَيـْكَ فَلَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا إبنُ إِمْرَأَةٍ كَانَتْ تَأْكُل القِدَّ »(28) .
والإمام علي حينما بايعته جماهير الأمة، أبى بعض الصّحابة كعبد الله بن عمر أن يبايعوا الإمام، فاقترح البعض على الإمام أن يجبرهم على البيعة فرفض إجبارهم.
جاء في[تاريخ الطّبري]: وخرج علي إلى المسجد فصعد المنبر وعليه إزار وطاق وعمامة خز، ونعلاه في يده، متوكّئاً على قوس، فبايعه النّاس وجاؤوا بسعد بن أبي وقاص.
فقال علي: بايع.
قال: لا أُبايع حتى يُبايع الناس، والله ما عليك مني بأس.
قال: خلُّوا سبيله.
وجاؤوا بإبن عمر-عبد الله- فقال: بايع.
قال: لا أُبايع حتى يبايع النّاس.
قال: إئتني بحميل -كفيل-.
قال: لا أرى حميلاً.
قال الأشتر: حل عني أضرب عنقه.
قال علي: دعوه أنا حميله »(29) .
والإمام الحسن بن علي لما صالح معاوية صارحه الكثير من أصحابه بمعارضتهم.
يقول السُّيوطي : إنّ بعض أصحابه كانوا يقولون له: يا عار المؤمنين!!
فيقول(عليه السلام): العار خير من النّار.
وقال له رجل: السّلام عليك يا مُذلّ المؤمنين.
فقال: لست بمذلّ المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك(30) .
3ـ حرية العمل والتصرّف: فالإسلام يمنح الإنسان حرّيته الكاملة في أن يعمل ما يريد ويتصرّف كما يشاء، فلا يمنعه من التملّك الفردي أو التّعامل التّجاري أو النّشاط الاجتماعي، بشرط أن لا يكون في تصرّفه تعدٍ على حقوق الآخرين وحرّيتهم أو إضرارٌ بالمصلحة العامة.
ولا يسمح الإسلام بمصادرة حرّيات النّاس وإجبارهم على عمل أو موقف لا يريدونه، يقول الإمام علي (عليه السّلام):« وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون »(31) .
|
|
|
|
|