اللهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
بسم الله الرحمن الرحيم
عن الاصبغ بن نباته قال : كنت مع سلمان الفارسي - وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين (ع)- حيث مرض مرضه الذي توفي فيه.
قال سلمان : يا اصبغ إني سمعت رسول الله يقول لي : يكلمك ميت إذا دنت وفاتك.
فقال الاصبغ : بماذا تأمرني؟..
قال سلمان : آتني بسرير واحملني إلى المقبرة!..
فقال الاصبغ : سمعاً وكرامه!..
فأخذه إلى المقبرة، وأخذ سلمان يكلم الموتى : السلام عليكم يا أهل القبور، ألا من مجيب؟..
فأجاب أحد الموتى : وعليكم السلام يا أهل البناء والفناء والمنشغلين بعرصة الدنيا!.. ها نحن لكلامك مستمعون، فاسأل عن ما بدى لك - يرحمك الله -!..
فقال سلمان : يا عبد الله، أأنت من أهل الجنة أم من أهل النار؟..
فقال : أنا ممن أنعم الله عليهم وأدخلني جنته.
فقال سلمان : يا عبد الله، صف لي الموت كيف وجدته، وما عاينت منه؟..
فقال : اعلم إني كنت في دار الدنيا من المؤمنين الصالحين، وكنت أطيع الله ورسوله وأبر الوالدين، ومرضت حتى دنا موتي، فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة لا إلى السماء صاعد ولا إلى الأرض نازل، فأشار إلى بصري فأعماه والى لساني فأخرسه والى سمعي فأصمه، فقلت له : من أنت يا عبد الله فقد أشغلتني عن أهلي وولدي؟..
فقال : أنا ملك الموت أتيتك لأقبض روحك، فلقد دنا أجلك.
فضج الأهل بالبكاء ووصل خبري إلى الجيران والأحباء، فالتفت ملك الموت إليهم بغيض، فقال :
ما اعتدينا عليه فتبكون!.. لقد انتهى عمره وصار إلى ربه الكريم، نحن وأنتم عبيد رب واحد يحكم فينا ما يشاء.
لا تبكوا عليه!.. فإن لي فيكم رجعة ورجعة، آخذ البنين والبنات، والآباء والأمهات.
ثم وضعت على المغتسل، فأتاني الغاسل، فنادته الروح :
يا عبد الله، رفقاً بالبدن الضعيف!.. فو الله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميتاً أبداً!..
ثم حملني المشيعون وأنزلوني في لحدي، ولما أنزلوني عاينت هولاَ عظيماً - يا سلمان - لقد خيّل لي أني سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي، ولما أهالوا التراب عليّ وانصرفوا عني أخذت بالبكاء والندم، وقلت : يا ليتني كنت من الراجعين لأن أعمل صالحاً!.. فأجابني مجيب من جانب القبر :
كلا!.. إنها كلمة هو قائلها : (ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون)..
فقلت له : من أنت؟..
فقال : أنا ملك وكلني الله على جميع خلقه لأحصي أعمالهم.
فقلت له : أنا لا أحصيها.
فقال الملك : ألم تسمع قول ربك (أحصاه الله ونسوه)؟.. اكتب وأنا أملي عليك.
فقلت له : ليس عندي ورق.
فجذب جانباً من كفني، وقال : هذه صحيفتك.
فقلت له : ليس عندي قلم.
فقال : سبابتك (يعني إصبعك).
فقلت له : من أين المداد (الحبر)؟.. فقال : ريقك.
فملا عليّ أعمالي، فلم يبقَ منها صغيرة ولا كبيرة ألا أحصاها!..
فأتاني عند ذلك ملكان عظيمان بيدهما عمود من حديد لو اجتمع عليه الثقلان لما حركوهما، فروعاني وكان من شأنهما ما كان.. هذا وأنا من الصالحين!.. فانقطع كلامه.
فرمق سلمان بعينه إلى السماء، وقال : يا من لا يخلف الميعاد!.. اقبضني إلى رحمتك، وأنزلني دار كرامتك، فأنا أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال الاصبغ :
فأتى رجل على بغلة شهباء، فأخذ بتجهيز سلمان، وكان معه حنوط وكفن، فغسله وكفنه وصلى عليه، فصلينا معه، وأنزله في قبره وذهب، فتعلقنا به، وقلنا له : من أنت؟..
فكشف اللثام وسطع النور من ثناياه كالبرق الخاطف، وإذا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
فقال الاصبغ : كيف كان مجيئك من المدينة إلى المدائن؟..
فرد الإمام : سأخبرك ولا تخبر أحداً إلا بعد موتي.
فقال الاصبغ : أتموت وأنا حي؟..
فقال الإمام : نعم.
فقال الإمام : ذهبت للصلاة وبعد أن أنهيتها رجعت إلى البيت واستلقيت، فأتاني آت في منامي، وقال لي : يا علي، إن سلمان قد قضى نحبه، فركبت بغلتي، وقرب الله لي البعيد، وها أنا وصلت كما ترى