|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 35766
|
الإنتساب : May 2009
|
المشاركات : 105
|
بمعدل : 0.02 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الثقافي
دموع أمام إمــرأة كرديّة
بتاريخ : 19-05-2009 الساعة : 11:46 AM
بمناسبة ذكرى فاجعة حلبجة
قصة قصيرة
..دموع امام امرأة كردية..
ما ان تقدم بضع خطوات وئيدة , حتى تيقن انه امام أمرأة جالسة على العشب الاخضر , وأن ليس هناك خدعة نظر .. او توهم فيما رأى ..
توقف للحظات .
وراح يحدق بأمعان في المرأة عن بعد ... وثمة تساؤلات عديدة قفزت الى رأسه مشحونة بتعجب واستغراب شديدين .. لكنه لم يحاول
التفكير بها ... بل تقدم خطوات اخرى , كانت اكثر بطأ .. وكأنه كان لايرغب في ان تنتبه المرأة الى حفيف خطوانه , قبل ان يجد اجابة شافية
لكل تساؤلاته
لم يبق لقدوم الربيع الا بضعة ايام , وقد استقبلته الارض اليابسة بحلل خضراء جميلة , كان الهواء لطيفا للغاية .. والشمس ترسل اشعتها الدافئة
الى هذه الحقول والروابي - الخالية - ! فتزينها بصبغة ذهبية ساحرة .. كان كل شئ يغري بالجلوس في احضان الطبيعة الغناء , والتمتع بسحرها
الاخاذ . . الا - الان - , وفي هذا المكان بالذات !
ثم تساءل ان كانت هذه المرأة قد جاءت لتروي ظمأ روحها بهذا السحر والجمال .. لكنه ما لبث ان هز رأسه مستنكرا ومستبعدا ذلك
وراحت الحيرة تطغى على ملامحه المنقبضة المتعبة
تقدم نحوها ..
وفكر مليا فيما يمكن ان يتحدث به معها .. فلا بد له ان يحادثها .. وخاف ان ترميه بالفضول ..او بأي صفة اخرى , قد تطلقها
امرأة على شاب غريب اقترب منها مخترقا وحدتها وانسها .. ولا يدري لماذا تمنى لو تكن عجوزا .. ربما ليسهل الحديث معها
... لكن امنيته ذهبت ادراج الرياح , فما ان اقترب منها اكثر , حتى ادرك انه امام فتاة , قد لايتجاوز عمرها العشرين عاما .
عرف ذلك من خلال خصلات شعرها الاسود الطويل , والتي كانت قد نفرت من بين طيات الوشاح الذي كانت تلف به شعرها .
والذي كان مزكرشا وملونا بالوان الورد الزاهية .. وكذلك كان ثوبها الكردي الجذاب ايضا ..
ولا يدري لماذا تسلل الخجل الى داخله ,لكنه تحرك نحوها بخطوات هادئة متزنة , وضجر كثيرا حين باغتته نوبة من السعال
.. ثم خاف بشدة من هذا السعال المفاجئ .. اضطرب , وتمتم لنفسه /
- ( هل اصبت ب ......)
ولم تطاوعه نفسه على اكمال الكلمة .. لكنه همس بثقة
-كلا .. كلا .. لاشك انه البرد القارس .. فالليل في هذه المناطق الجبلية بارد جدا .. وقد شعرت ببرد (شديد في الليلة الماضية
وانتبه الى المرأة .. راها مازالت جالسة لم تلتفت نحوه . . تعجب قليلا ,لكنه ما لبث ان فسر عدم انتباهها لوجوده بغرقهافي
بحر من الهموم , انساها كل ما يدور حولها .
تقدم بضع خطوات اخرى ..
باتت المسافة ما بينه وبينها لاتتجاوز العشر خطوات فقط .. توقف يتأملها .. وراها تحتضن رضيعا , وقد القت برأسها على
صدرها , بينما استلقى طفل خماسي امامها وهو يغط في نوم عميق .
سلم عليها ... فلم تجبه .
وكرر السلام , وهو يتقدم خطوتين نحوها .. وابتسم بحنان , وهو يهمس لنفسه /
- ( لعلها ارادت ان ترضع طفلها لينام , فنلمت قبله , وهكذا الكثير من الامهات )
لكنه كان مصمما على الحديث معها , فقال بصوت عال /
- ( اختاه .. يا اختاه .. انا صحفي , اتسمحين لي بالتكلم معك ؟)
لا فائدة .. فان - سلطان - نومها قوي للغاية ..
تقدم .. اصبح على بعد مترين منها .. ونظر اليها .. ولايدري ما الذي اخافه في هذه اللحظة , وبعث رعدة في اعضائه .
وسلم عدة مرات .. تكلم .. واخيرا صرخ بها
- ( انهضي يا اختاه .. النوم هنا سيجلب لك ولطفليك مرضا قاتلا .. لا بل موتا محققا . ! )
لاجواب .. لاحركة
خفق قلبه بشدة .. لكنه اقترب منها اكثر .. وخجل ان يطأطئ رأسه لينظر الى وجهها الغافي على صدرها , فحول وجهه الى
الطفل الراقد امامها .. راه نائما على بطنه .. فنظر بأمعان شديد اليه , وهو بلباسه الكردي الجميل .. وكاد ان يصعق وتنهار
كل قواه , وهو يرى جوانب وجهه مسمخة ..
تسارعت دقات قلبه .. احس بدوار مفاجئ .. وكمن عثر على شئ مهم للغاية , استدار بسرعة خاطفة نحو المرأة , وطأ طأ
رأسه .. و .. رأى وجهها .. وصرخ صرخة قوية من أعماقه ...
كان وجهها خليطا من اللون الاسود والازرق والاحمر , وكذلك رضيعها ..!
كان وجها بشعا مخيفا .. مثله مثل الاف الوجوه التي ماتت في هذه المدينة المنكوبة ؛ مختنقة بالغازات الكيمياوية التي امطرها
بها من ليس في قلبه ذرة من رحمة ..!
استدار وهو يمسح دموعا ساخنة انحدرت رغما عنه , اخذ يجول في بقية الروابي والحقول وهو يلتقط صورا للموت المزروع
في كل مكان .. للحيوانات .. للطيور .. ويدخل المدينة .. يدلف الى بيوتها .. يسير في شوارعها .. بين الاف الجثث ؛ ليكمل
تحقيقه الصحفي عن فاجعة القرن التعس ..
فاجعة حلبجة - الشهيدة -
طلال النعيمي
نشرت في جريدة الاتحاد
|
|
|
|
|