أن يعلم ابنه الحكمة وكيف يصنع المعروف خالصاً لوجه الله تعالى
، فطلب من ابنه ألا يصنع معروفا مع أحد أبداً من الناس .
وبعد موت الرجل وبينما كان ابنه في رحلة صيد ممتطيا جواده وبجانبه
سلاحه، رأى نسرا مجروحا لا يتمكن
من الطيران ، أشفق الرجل على النسر فحمله من أجل مداواته في بيته
وأصرّ على أن يطلقه بعد علاجه .
وفي اليوم الثاني وأثناء رحلة صيد له أيضاً داخل الغابة
رأى رجلا فاقدا للوعي مكبلا في جذع شجرة ؛ فأشفق عليه ومسح
وجهه بالماء وفك قيده ، وبمجرد أن عاد إليه وعيه ، حمله الرجل معه إلى بيته
، وجهز له مكانا خاصا واهتم به اهتماما كبيراً ، وقدم له كل ما يحتاجه
دواء وكساء وطعام وشراب وراحة .
وفي اليوم الثالث خرج أيضا للصيد فرأى ثعبانا مريضا ،
فأشفق عليه وحمله إلى بيته لعلاجه .
بعد أن تماثل النسر للشفاء رفض أن يبتعد عن البيت ،
وفي يوم من الأيام دخل النسر وحط بجوار زوجة الرجل وفي منقاره عقدا جميلاً
من اللؤلؤ والماس والياقوت .
فرحت المرأة بالعقد فرحا كبيرا ، وهي التي طالما عانت من مرارة الفقر
وشظف العيش ، وكان الرجل المريض الذي كان في حالة إغماء في
الغابة ينظر ويرقب ما حدث باهتمام
كبير . وبعد أن تماثل الرجل للشفاء غادر المكان بسلام وأمان .
وفي الطريق سمع هذا الرجل مناديا يقول : إن زوجة الملك قد فقدت
عقدا لها ، ومن يخبرنا عن مكانه فله مائة ليرة ذهبية ، سمع الرجل
النداء وقال في نفسه : مائة ليرة من الذهب !! ،
وأنا رجل فقير لا املك من حطام الدنيا شيئا !! ،
وذهب إلى قصر الملك فأخبره بأن العقد الذي تبحث عنه زوجته
موجود في بيت رجل صياد ،
( وهو الصياد الذي اعتنى به وصنع معه معروفا وآواه وعالجه وأكرمه ).
ذهب رجال شرطة الملك إلى بيت ذلك الصياد الطيب واعتقلوه ، واتهموه بالسرقة
وأعادوا العقد إلى زوجة الملك ،
ثم حكموا عليه بقطع رأسه .
عرف الثعبان الذي عالجه الصياد الطيب في بيته بالقصة كاملة ،
فأراد أن يقدم لصاحبه خدمة لا ينساها العمر كله مقابل ما خدمه
وأحسن إليه عندما كان مريضا في الغابة .
ذهب الثعبان إلى قصر الملك ، ووصل حجرة بنت الملك والتف
حولها ، وعندما رأت زوجة الملك هذا المشهد المرعب خافت على
بنتها فأخذت تصرخ ، وأسرعت لتخبر الملك ورجال القصر، ولكن
لم يتمكن احد من الاقتراب خشية على حياة بنت الملك .
احتار الجميع في الأمر ، وكان كل واحد منهم يفكر ويبحث
عن مخرج لهذه المصيبة التي حلت بالمملكة .
قال الوزير للملك : أليس عندنا في السجن رجلا متهماً بالسرقة
ومحكوماً عليه بقطع الرأس ؟ .
قال الملك : بلا .
قال الوزير نحضره إلى هنا فإما أن يموت من لدغ الثعبان وإما
أن ينجي بنت الملك من الثعبان لأنه في كل الأحوال محكوم عليه بالإعدام .
أحضر الجنود الصياد ، ووقف بين يدي الملك ، فطلب منه
الملك أن يدخل الغرفة لينجي بنته من الثعبان .
قال الصياد الطيب ، أرأيت يا ملك الزمان إن فعلت ذلك ،
فبماذا تكافئني وماذا سيكون جزائي ؟ .
قال الملك : بالعفو وأمنحك العقد هدية لك .
دخل الرجل غرفة بنت الملك ، وعندما رآه الثعبان أقبل إليه
بهدوء وتسلق إلى كتفيه ، فحمل الرجل الثعبان وسار به إلى
بيته والعقد في جيبه آمنا مطمئنا وقال : لقد حفظ
الثعبان المعروف ، وحفظ النسر المعروف ، أما الإنسان فلم
يحفظ المعروف ، وهذا ما كان يقصده أبي عندما أوصاني وهو
على فراش موته ، بألاّ أصنع المعروف مع إنسان ، بمعنى ليس
المعروف من أجل الإنسان ، فإن الله الذي ينظر ويسمع ويعلم هو الذي خلق
الإنسان ، وأن عمل المعروف مع الإنسان هو من أجل الله
رب العالمين وليس من أجل مخلوق . وكما قال نبينا محمد
صلى الله عليه وعلى آله : اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله
، فإن لم تجد أهله فأنت أهله ، ثم قال :