لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)
قبل أن تقع الأحداث، هي بانتظار اللحظة التي ستقع فيها، ولحظة وقوعها تدخل في مكونات الحاضر، وعندما يمر زمان على وقوعها، تصبح شيئا من الماضي، وهذا هو التاريخ، لذا فإن التاريخ يمثل الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أهمية التاريخ لا يزال كـ(علم) يعاني في مواطن عديدة من اشكاليات تمنعه عن الوصول إلى الحقيقة أو التصريح بها، فيرى المختصون أن التاريخ الإسلامي يعيش في أجواء مرتبكة ومشوشة ويرجعون ذلك إلى أسباب من أهمها: ان معظم الذين يكتبون التاريخ يعملون كأفراد لا كمؤسسات مثلما يتطلبه هذا العلم الصعب والمتفرع، كما أن من أخطر المؤثرات السلبية في كتابة الحقائق التاريخية هو تحكم ذات الكاتب والمؤرخ في نسج التاريخ وحسب ما تملي عليه أهواؤه ونزواته الفكرية ومراهقته الانتمائية.
من وسط تلك الأزمة العلمية والمهنية في قراءة التاريخ تبرز أهمية كتاب (فلسفة التاريخ) لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) الذي يتناول بدراسة تحليلية في المناهج والآليات التي تبحث في حقائق التاريخ وانعكاساتها على واقعنا المعاش من أجل صياغة المستقبل مؤكداً سماحته (قدس سره) من خلال هذه الدراسة التفصيلية أن موضوع التاريخ لمفرده هو علم مستقل ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرخ إنما يؤرخ للذين دخلوا التاريخ ولعبوا دوراً فيه.
إن ما يعطي هذا التاب أهمية أكبر رؤية سماحة المؤلف إلى التاريخ التي يستبعد فيها ما يسير عليه بعض الباحثين في التاريخ من إن التاريخ علم يقتصر على الجانبين السياسي والعسكري إذ يرى (قدس سره) أن التاريخ مشهد يستحضر المجموع سواء أكانوا شخصيات أو حضارات أو أدياناً أو حروباً أو غير ذلك.
يؤكد سماحة السيد المؤلف ان التحول في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أن تاريخ الأفراد صار منسياً، لأن الاستفادة العلمية الكاملة لا تكون إلا عبر قراءة الجانبين, وهو ما عليه بعض العلماء, فقد اتخذ هذا الـ ( بعض ) التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ ولهم فلسفة التاريخ, وهو ما يضفي على الكتاب أبعاداً علمية وقيمية تستقرأ التاريخ علماً ومنهجاً وعبراً ودروساً وتراثاً وحاضراً ومستقبلاً.