بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلِ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
إضرام النار على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام
فلما أن رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وتعظيمهم إياه لزم بيته، فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا والآخر أفضهما وأغلظهما و أجفاهما، فقال له أبو بكر: من نرسل إليه ؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد، والناس حولهما فقالوا: لم يؤذن لنا فقال عمر: إذهبوا فان أذن لكم وإلا فادخلوا بغير إذن. فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة عليها السلام أحرج عليكم أن تدخلوا على بيتي بغير إذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء، ثم أمر أناسا حوله بتحصيل الحطب، وحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفيه علي وفاطمة وابناهما ( عليهم السلام ) ، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة ( عليهما السلام ) . والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار فقامت فاطمة ( عليها السلام ) فقالت: يا عمر ما لنا ولك ؟ فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت: يا عمر أما تتقي الله تدخل على بيتي، فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب، ثم دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة ( عليها السلام ) وصاحت يا أبتاه يا رسول الله فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت يا رسول الله: لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر. فوثب علي ( عليه السلام ) فأخذ بتلابيبه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وما أوصاه به، فقال: والذي كرم محمدا ( صلى الله عليه وآله ) بالنبوة يا بن صهاك، لولا كتاب من الله سبق وعهد عهد إلي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلمت أنك لا تدخل بيتي، فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي ( عليه السلام ) إلى سيفه، فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي ( عليه السلام ) بسيفه لما قد عرف من بأسه وشدته، فقال أبو بكر لقنفذ: ارجع فان خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فأضرم على بيتهم النار، فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار علي ( عليه السلام ) إلى سيفه، فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا، وحالت بينهم وبينه فاطمة ( عليها السلام ) عند باب البيت، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وان في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله. ثم انطلقوا بعلي ( عليه السلام ) يتل (1) حتى انتهى به أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبو حذيفة ومعاذ بن جبل، والمغيرة بن شعبة، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسائر الناس حول أبي بكر عليهم السلاح (2). [ احتجاج فاطمة ( عليها السلام ) مع أبي بكر ] وفي رواية العياشي فخرجت فاطمة ( عليها السلام ) فقالت: يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي ؟ والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي، فأخذت بيد الحسن والحسين وخرجت تريد قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال علي ( عليه السلام ) لسلمان: أدرك إبنة محمد ( صلى الله عليه وآله ) فاني أرى جنبتى المدينة تكفئان (3)، والله إن نشرت شعرها، وشقت جيبها وأتت قبر أبيها وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها، فأدركها سلمان ( رضي الله عنه ) فقال: يا بنت محمد إن الله انما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: يا سلمان يريدون قتل علي ( عليه السلام ) وما علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي، فأنشر شعري وأشق جيبي وأصيح إلى ربي فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة وعلي بعثني إليك يأمرك أن ترجعي له إلى بيتك وتنصرفي فقالت ( عليها السلام ) : إذا أرجع وأصبر واسمع له وأطيع (4).
الاحتجاج: روى عن الصادق ( عليه السلام ) انه قال: لما استخرج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من منزله، خرجت فاطمة ( عليها السلام ) فما بقيت هاشمية إلا خرجت معها حتى انتهت قريبا من القبر، فقالت لهم: خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمدا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على رأسي ولأصرخن إلى الله تبارك وتعالى، فما صالح بأكرم على الله من أبي ولا الناقة بأكرم مني ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان ( رضي الله عنه ) : كنت قريبا منها فرأيت والله أساس حيطان المسجد مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تقلعت من أسفلها، حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها، فقلت: يا سيدتي ومولاتي، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت، ورجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا (5).
وروى الشيخ الكليني قدس سره عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) قالا: إن فاطمة ( عليها السلام ) لما أن كان من أمرهم ما كان، أخذت بتلابيب عمر فجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا بن الخطاب، لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لا ذنب له لعلمت أني سأقسم على الله، ثم أجده سريع الإجابة (6). وروى أيضا انه: لما أخرج بعلي ( عليه السلام ) خرجت فاطمة ( عليها السلام ) واضعة قميص رسول الله علي رأسها، آخذة بيدي إبنيها، فقالت: مالي ولك يا أبا بكر ؟ تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي ؟ والله لولا أن يكون سيئة، لنشرت شعري، ولصرخت إلى ربي، فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا ؟ ثم أخذت بيده فانطلقت به (7). وفي رواية أخرى، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: والله نشرت شعرها ماتوا طرا (8). [ في أن عمر وخالدا أتيا بعلي ( عليه السلام ) والزبير للبيعة. ] روى ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة للجوهري، باسناده عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر أين خالد بن الوليد ؟ قال هو هذا، فقال: إنطلقا إليهما يعني عليا والزبير، فأتياني بهما، فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف ؟ قال: أعددته لأبايع عليا، قال: وكان في البيت ناس كثير منهم المقداد ابن الأسود وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره، ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ، ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا، فأمسكه خالد وكان في خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر ردءا لهما، ثم دخل عمر فقال لعلي ( عليه السلام ) قم فبايع، فتلكأ واحتبس، فأخذه بيده فقال: قم، فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير ثم أمسكهما خالد وساقهما عمر ومن معه سوقا عنيفا، واجتمع الناس ينظرون وامتلأت شوارع المدينة بالرجال. ورأت فاطمة ( عليه السلام ) ما صنع عمر فصرخت وولولت واجتمعت معها نسوة كثيرة من الهاشميات وغيرهن، فخرجت إلى باب حجرتها ونادت يا أبا بكر: ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا اكلمه حتى ألقى الله، قال فلما بايع علي ( عليه السلام ) والزبير وهدأت تلك الفورة مشى إليها أبو بكر بعد ذلك فشفع لعمر وطلب إليها فرضيت عنه. قال ابن أبي الحديد: والصحيح عندي، إنها ماتت وهي واجدة علي أبي بكر وعمر، وإنها أوصت أن لا يصليا عليها وذلك عند أصحابنا من الصغائر (9) المغفورة لهما، وكان الأولى بهما إكرامها وإحترام منزلتها لكنهما خافا الفرقة واشفقا من الفتنة، ففعلا ما هو الأصلح بحسب ظنهما وكان من الدين وقوة اليقين بمكان مكين، ومثل هذا لو ثبت كونه خطأ لم تكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لا يقتضي التبري، ولا يوجب التولي، إنتهى كلام ابن أبي الحديد عليه ما يستحقه ويريد (10).
====
المصادر:
(1) في المصدر: يعتل عتلا يعني يجذب جذبا. واتله: أي أوثقه وجره.
(2) كتاب سليم بن قيس ص 83 - 84 بحار الانوار ج 28 ص 269.
(3) قوله تكفئان: أي تضطربان وتنقلبان.
(4) العياشي: ج 2 ص 67 وبحار الانوار ج 28 ص 227. (5) الاحتجاج ج 1 ص 113.
(6) الكافي ج 1 ص 460.
(7) روضة الكافي ص 237.
(8) روضة الكافي ص 238.
(9) من الأمور - خ م.
(10) شرح النهج ج 6 ص 49 - 50.