وورم أنف المنصور ، وتميز غيظا لما يراه ، ويسمعه ، من إجماع المسلمين ، على تعظيم الامام الصادق عليه السلام ، والاعتراف له بالفضل ، فأخذ يبغي له الغوائل لاغتياله ، ولكن الله صرف عنه كيده ، ولما قفل من يثرب ، أقام بالربذة ، التي دفن بها الثائر العظيم في الاسلام ، أبوذر الغفاري ، وكان فيها الامام الصادق عليه السلام ، فأوعز المنصور إلى إبراهيم ابن جبلة . يإحضار الامام ، فأسرع إليه ، وفزع منه الامام ، ودفع يديه بالدعاء إلى الله تعالى قائلا :
" اللهم ، أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من كرب يضعف عنه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه القريب ، ويشمت به العدو ، وتعييني فيه الامور ، أنزلته بك ، وشكوته إليك ، رغبة فيه إليك عمن سواك ،ففرجته ، وكشفته ، وكفيتنيه ، فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل حاجة ، فلك الحمد كثيرا ، ولك المن فاضلا . "وحينما دخل على الطاعية السفاك دعا الله قائلا :" ياإله جبرائيل ، وإسرافيل ، وإله أبراهيم ، وإسماعيل ،وإسحاق ، ويعقوب ، ومحمد صلى الله عليه وآله ، تولني في هذه الغداة ، وعافني ولا تسلط علي أحدا من خلقك بشئ لا طاقة لي به . . "
وصاح الطاغية بالامام ، متهما له بأنه ينازعه في سلطانه ، قائلا : : " أماوالله لاقتلنك . " .فقال له الامام برفق :" ما فعلت ؟ فأرفق فوالله لقلما أصحبك . " .وخلى المنصور سبيله ، إلا أنه أوجس في نفسه خيفة من قوله : " فوالله لقلما أصحبك " وخاف أنه قد عناه بذلك ، فأوعز إلى عيسى بن علي يسأله عن ذلك ، فأجابه : إنه عنى نفسه ، وأنه هو الذي ، يفارق الحياة عما قريب . . قال إبراهيم بن جبلة : فخرجت ، فوجدت الامام عليه السلام جالسا ينتظرني ليشكرني على ما قدمته له من خدمات ، وكان يدعو الله بهذا الدعاء : " الحمد لله الذي أدعوه فيجيبني ، وإن كنت بطيئا حين يدعوني ، والحمد لله الذي أسأله فيعطيني ، وإن كنت بخيلا حين يستقرضني ، والحمد لله الذي أستوجب الشكر علي بفضله ، وإن كنت قليلا شكري ، والحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني ، ولم يكلني إلى الناس يهينونني ،فرضيت بلطفك يارب لطفا ، وبكفايتك خلفا ، اللهم ، يارب ما أعطيتني مما أحب ، فاجعله قوة لي فيما تحب ، اللهم ، وما زويت عني مما أحب ، فاجعله قواما ، اللهم ، إعطني ما أحب ، واجعله خيرا لي ، اللهم ، ما غيبت عني من الامور ، فلا تغيبني عن حفظك ، وما فقدت ، فلا أفقد عونك ، وما نسيت ، فلا أنسى ذكرك ، وما مللت فلا أمل شكرك ، عليك توكلت حسبي الله ونعم الوكيل . . "