زهد وعبادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام
عُرف الإمام العسكري (عليه السلام) في عصره بكثرة عبادته وتبتّله وانقطاعه الى الله سبحانه واشتهر ذلك بين الخاصة والعامة ، حتى أنّه حينما حبس الإمام(عليه السلام) في سجن علي بن نارمش ـ وهو من أشد الناس نصباً لآل أبي طالب ـ ما كان من علي هذا إلاّ أن وضع خديه له وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً وإعظاماً فخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسن الناس قولاً فيه. [7]
ولما حبسه المعتمد كان يسأل السجّان ـ علي بن جرين ـ عن أحوال الإمام (عليه السلام) وأخباره في كل وقت فيخبره علي بن جرين أنّ الإمام (عليه السلام) يصوم النهار ويصلي الليل . [8]
عن علي بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد عن عليّ بن عبدالغفّار قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف ودخل صالح بن عليّ وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبا محمّد(عليهما السلام) .
فقال لهم صالح: وما أصنع قد وكّلت به رجلين من أشرّ من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الى أمر عظيم، فقلت لهما: ما فيه؟ فقالا: ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم اللّيل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل وإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا ويداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك انصرفوا خائبين[9].
عن محمّد بن إسماعيل العلوي قال: دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمّد فقالوا له: ضيّق عليه، قال: وكّلت به رجلين من شرّ من قدرت عليه عليّ بن بارمش واقتامش، فقد صارا من العبادة والصّلاح الى أمر عظيم يضعان خدّيهما له، ثم أمر باحضارهما فقال: ويحكما ما شأنكما في شأن هذا الرجل؟ فقالا: ما تقول في رجل يقوم اللّيل كلّه ويصوم النّهار ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فاذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا[10].
وكان يتسوّر عليه الدار جلاوزة السلطان في جوف الليل فيجدونه في وسط بيته يناجي ربّه سبحانه .
إنّ سلامة الصلة بالله سبحانه وما ظهر على يدي الإمام من معاجز وكرامات تشير الى المنزلة العالية والشأن العظيم للإمام (عليه السلام) عند الله الذي اصطفاه لعهده والذي تجلّى في إمامته (عليه السلام) . [11]
سماحة وكرمه الإمام الحسن العسكري عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على ممد وآل محمد الطيبين الطاهرين
نقل المؤرخون نماذج من السيرة الكريمة للإمام العسكري (عليه السلام) نذكر بعضاً منها :
1 ـ روى الشيخ المفيد عن محمد بن علي بن ابراهيم بن موسى ابن جعفر(عليه السلام): قال : ضاق بنا الأمر فقال لي أبي : إمضِ بنا حتى نصير الى هذا الرجل ـ يعني أبا محمد ـ فإنه قد وصف عنه سماحة .
فقلت : تعرفه ؟
قال : ما أعرفه ، ولا رأيته قط .
قال : فقصدناه .
فقال لي أبي وهو في طريقه : ما أحوجنا الى أن يأمر لنا بخمس مائة درهم مائتا درهم للكسوة ومائتا درهم للدقيق ، ومائة درهم للنفقة .
وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاث مائة درهم ، مائة اشتري بها حماراً ومائة للنفقة ومائة للكسوة ، فأخرج الى الجبل .
قال ـ أي محمد بن علي ـ فلما وافينا الباب خرج غلامه ، فقال : يدخل علي بن ابراهيم ومحمد ابنه ، فلما دخلنا عليه وسلمنا ، قال لأبي : ياعلي ما أخلفك عنا الى هذا الوقت، فقال : ياسيدي : استحييت أن ألقاك على هذا الحال ، فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة، وقال: هذه خمسمائة درهم، مائتان لِلكسوة ، ومائتان للدقيق ، ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال : هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة ، ولا تخرج الى الجبل ، وصر الى سوار .
قال : فصار الى سوار وتزوج بإمرأة منها فدخله اليوم ألف دينار ومع هذا يقول بالوقف . [3]
2 ـ وروى اسحاق بن محمد النخعي قال : حدثني أبو هاشم الجعفري قال : شكوت الى أبي محمد (عليه السلام) ضيق الحبس وكلب القيد[4] ، فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك ، فاُخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال ، وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته إليه فاستحييت ، فلما صرت إلى منزلي وجّه إليّ بمائة دينار ، وكتب إليّ: اذا كانت لك حاجة ، فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله . [5]
3 ـ وعن اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال : قعدت لأبي محمد (عليه السلام) على ظهر الطريق ، فلما مرَّ بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أن ليس عندي درهم واحد ، فما فوقه ، ولا غذاء ولا عشاء قال : فقال (عليه السلام) تحلف بالله كاذباً وقد دفنت مائتي دينار ؟ ! وليس قولي هذا دفعاً لك عن العطية ، أعطه ياغلام ما معك ، فأعطاني غلامه مئة دينار ثم أقبل عليّ فقال: إنك تحرم الدنانير التي دفنتها أحوج ما تكون إليها ، وصدق (عليه السلام) ، وذلك أني أنفقت ما وصلني به ، واضطررت ضرورة شديدة الى شيء أنفقه ، وانغلقت عليّ أبواب الرزق ، فنبشت الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب ، فما قدرت منها على شيء . [6]
أهلُ البيت ورثة سيّد البيت، وإذا كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله قد تلقّى معارفه من الله تبارك وتعالى، فقد ورّثَها خلفاءه وأوصياءه.. أميرَ المؤمنين وأولاده الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، فأخذوا عنه وورثوه في كلّ فضيلةٍ وخير وهدى.
• حدّث الإمام محمّد الباقر عليه السّلام أحدَ خُلّص أصحابه، وهو جابر بن يزيد الجعفيّ، فقال له: يا جابر، إنّا لو كنّا نحدّثُكم برأينا وهوانا لَكُنّا مِن الهالكين، ولكنّا نحدّثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما يكنز هؤلاءِ ذهبَهم وفضّتهم.
وفي رواية أخرى: يا جابر، لو كنّا نُفتي الناسَ برأينا وهوانا لكُنّا من الهالكين، ولكنّا نُفتيهم بآثارٍ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وأصولٍ عندنا نتوارثها كابرٌ عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبَهم وفضّتهم(1).
• وعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام ـ كما روى فُضَيل بن يسار ـ أنّه قال: إنّا على بيّنةٍ مِن ربّنا، بَيَّنها لنبيّه فبيّنها نبيُّه لنا، فلولا ذلك كنّا كهولاء الناس(2).
• وكتب الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام إلى عبدالله بن جُنْدَب:
أمّا بعد، فإنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله كان أمينَ الله في خَلْقه، فلمّا قُبِض صلّى الله عليه وآله كنّا ـ أهلَ البيتِ ـ ورَثَتَه، فنحن أُمناء الله في أرضه(3)..
ومن هنا ـ أيُّها الإخوة الأعزة ـ يكون دور الأئمة عليهم السّلام فيما أوكل الله إليهم من شؤون وتكاليف، هو تحصين الرسالة الإسلاميّة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله من التحريف والتشويه، والحفاظ عليها باستخراج المضامين والبواطن التي تخفى على الناس.
لذا، اقتضى أن يكونوا عليهم السلام معصومين من كلّ زلل واشتباه وخطأٍ ونسيان، وأن يكونوا محاطين بتأييد الله تعالى من كلّ شكّ ولَبْس وخلط. فلو كان يجري عليهم ما يجري على الناس، لم يُؤهَّلوا لحماية الشريعة الإسلاميّة إلى حين تدوينها وبثِّها في الآفاق وحفظِها من عبث العابثين والمحرّفين والضالّين المضلّين.
وقد أودع اللهُ تعالى أئمّة الهدى عليهم السّلام قابليّة الإلهام في تلقّي العلم الربّانيّ، ليرتفع كلُّ حَرَجٍ لدى الناس في المسائل المستعصية، وليثبت لهم أنّ الأئمّة هم ـ بحقّ ـ أولياء الله المكلّفون بصيانةِ الدين الحنيف، وأنّهم خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهُم أولو الأمر الذين أمر الله جلّ وعلا بطاعتهم، حيث قال في مُحكَم تنزيله المجيد: يا أيُّها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الأمرِ منكم... (4)
، فعنهم يُؤخذ، وإليهم يُتوَجَّه، ومن مَنْهلِهم يُغتَرف.. في معارف الشريعة والأخلاق والحِكَم والأحكام والاعتقادات.
• قال خَيْثمة الجُعفيّ: قال لي أبو عبدالله ( الصادق ) عليه السّلام: يا خيثمة، نحن شجرةُ النبوّة، وبيت الرحمة، ومفاتيح الحكمة، ومعدِنُ العلم، وموضع الرسالة، ومختلَفُ الملائكة، وموضع سرّ الله، ونحن وديعة الله في عباده، ونحن حَرَمُ الله الأكبر، ونحن ذمّة الله، ونحن عهد الله.. فمَن وفى بذمّتِنا فقد وفى بذمّة الله، ومَن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد الله، ومَن خَفَرها ( أي نقض وغدر ) فقد خَفَر ذمّةَ الله وعهده(5).
إذن.. فعندهم كلُّ خير، ومن الخير الذي عندهم سلام الله عليهم الحكمة، ومَن يُؤتَ الحِكمةَ فقَدْ أُوتيَ خيراً كثيرا (6)،
وممّن أوتيَ الحكمة الإلهيّة من أهل البيت: الإمام الحسن العسكريّ عليه السّلام، فلنتعرّف على جوانب من حكمته البليغة البالغة.
إنّ المتبصّر ـ أيّها الإخوة ـ في حِكم ومواعظ الإمام العسكريّ عليه السّلام، يجدُه إذا أراد أن يوصيَ أحداً هداه إلى أوضح المسالك، وأراه أنجحَ السُّبل، ودلّه إلى حيثُ كرامةُ الدنيا وسعادة الآخرة.
• فمِن وصيّة له عليه السّلام إلى شيعته.. جاء فيها:
أُوصيكم بتقوى الله، والورعِ في دينكم، والاجتهاد لله، وصِدقِ الحديث، وأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم مِن برٍّ أو فاجر، وطولِ السجود، وحُسن الجوار.. فبهذا جاء محمّد صلّى الله عليه وآله..(7)
• وكتب عليه السّلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ:
يا إسحاق، ليس تَعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور؛ وذلك قول الله في محكم كتابه حكايةً عن الظالم إذ يقول: ربِّ لِمَ حَشَرتَني أعمى وقد كنتُ بصيرا * قال كذلك أتَتْك آياتُنا فنَسِيتَها وكذلكَ اليومَ تُنسى (8).
وأي آيةٍ أعظمُ من حُجّةِ الله على خَلْقه وأمينهِ في بلاده، وشهيدهِ على عباده ؟! مِن بعدِ مَن سلَفَ مِن آبائه الأوّلينَ النبيّين، وآبائه الآخِرينَ الوصيّين، عليهم أجمعين السلامُ ورحمة الله وبركاته...
إنّ الله ـ بمَنّه ورحمته ـ لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليكم، بل رحمةً منه ـ لا إله إلاّ هو ـ عليكم؛ ليَميزَ الخبيثَ من الطيّب، وليبتليَ ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، لِتَسابَقوا إلى رحمة الله، ولتتفاضلَ منازلُكم في جنّته..
ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقامَ الصلاة وإيتاءَ الزكاة والصومَ والولاية، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبوابَ الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله.
لولا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله والأوصياءُ مِن ولْده، لكنتم حيارى كالبهائم..
لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تُدخَل مدينةٌ إلاّ مِن بابها، فلمّا مَنّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم، قال الله في كتابه: اليومَ أكملتُ لكُم دِينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورَضِيتُ لكمُ الإسلامَ ديناً (9)،
ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمَرَكم بأدائها؛ لِيحَلّ لكم ما وراء ظهورِكم مِن أزواجِكم وأموالِكم ومآكلكم ومشاربكم، قال الله: « قُلْ لا أسألُكم عليهِ أَجْراً إلاّ المودّةَ في القُربى »(10)..(11)
• وأوصى عليه السّلام أحدَهم، فقال له:
إدفعِ المسألةَ ما وجدتَ التحمّل يُمكنك؛ فإنّ لكلّ يومٍ رزقاً جديدا، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويُورِث التعبَ والعناء، فاصبر.. حتّى يفتحَ الله لك باباً يسهل الدخولُ فيه، فما أقربَ الصنيعَ من الملهوف، والأمنَ مِن الهارب المَخوف! فربّما كانت الغِيَر ( أي الأحداث المتغيّرة أو المصائب ) نوعاً من أدب الله.
والحظوظُ مراتب، فلا تعجَلْ على ثمرةٍ لم تُدرَك، وإنّما تنالها في أوانها. واعلم أنّ المدبّر لك أعلمُ بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثِقْ بخيرته في جميع أُمورك يصلحْ حالُك، ولا تَعجَلْ بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.
واعلمْ أنّ للسخاء مقداراً، فإن زاد عليه فهو سرف. وأنّ للحزم مقداراً، فإن زاد عليه فهو تهوّر(12).
* * *
وهكذا يُسدي الإمام العسكريّ عليه السّلام إلى الآخرين الحقائق الواقعيّة، فيصيب أصل التجربة وعين المستقبل، بنظرةٍ باصرةٍ على هدى الله ونوره..
فقد أُوتِيَ الحكمة كما أُوتيها آباؤه الأئمّة الأطياب عليهم السّلام من أصولها وينابيعها، فمضَوا أهلَ خيرٍ وأصحابَ فضلٍ على البشريّة جمعاء، حيث عمّ فضلُهم على مَن رآهم ومَن سمع بهم ومَن قرأ لهم، وحظيَ بالنعيم الحقيقيّ مَن أخذ عنهم، بعد أن قدّموا للجميع وسائل الخير وأسباب الصلاح والسعادة،
وأناروا الطريق إلى الله بالحكمة البليغة، والكلمة الهادئة، والعبارة الواضحة، في صِيَغٍ تُعرَّف بـ « السهل الممتنِع » و « المختصر النافع، الجامع المانع »، فيسهل فهمُه ويمتنع على مَن يريد أن يقلّده أو يُحاكيه، وهو وجيزٌ ولكنّه يجمع المعاني ويمنع من اختلاط غيرها معها أو التباس شيء آخر في ذهن سامعها.
كلُّ ذلك في أساليب بلاغيّة أدبيّة سَلِسة رائقة، بعيدة عن التكلّف أو التزويق المشوِّه أو الغموض المُمِلّ. وكلُّ ذلك في معانٍ عالية، تحملها صورٌ جميلةٌ من الاستعارات والتشبيهات والكنايات التي تُقرّب المفاهيم إلى الأذهان، وتبعث الاستئناس في تلقّي الحقيقة، وتؤثّر في النفوس والقلوب ربّما بإشارات هي أبلغ من جُمَلٍ وعبارات، تُغني عن الشروح المطوّلة المُتعِبة، وتوصل إلى قلب المطلب وحقيقته مبرهَنةً جليّةً حاكمةً على العقل والوجدان.
* * *
• من طريف ما رُوي.. أن الكنديّ ( فيلسوف العراق ) أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسَه بذلك، وتفرّد في منزله. وقد دخل بعضُ تلاميذ الكنديّ يوماً على الإمام العسكريّ عليه السّلام فقال له الإمام: أما فيكم رجل رُشدٍ يردعُ أُستاذَكمُ الكنديَّ عمّا أخذ فيه مِن تشاغله بالقرآن ؟! فقال التلميذ: نحن من تلاميذه، كيف يجوز لنا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره! فقال له الإمام عليه السّلام: أتؤدّي إليه ما أُلقيه إليك ؟ قال: نعم.
قال عليه السّلام: فصِرْ إليه، وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأُنسةُ في ذلك فقل: قد حضرَتْني مسألةٌ أسألك عنها.. فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّمُ بهذا القرآن.. هل يجوز أن يكون مرادُه بما تكلّم منه غيرَ المعاني التي قد ظننتَها أنّك ذهبتَ إليها ؟! فإنّه سيقول: من الجايز؛ لأنّه رجلٌ يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يُدريك لعلّه أراد غيرَ الذي ذهبتَ أنت إليه، فتكون واضعاً بغير معانيه!
فصار الرجل إلى أُستاذه إسحاق الكنديّ، وتلطّف معه إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له الكنديّ: أعِدْ علَيّ. فأعاد عليه.. فتفكّر في نفسه ورأى ذلك مُحتَمَلاً في اللغة وسائغاً في النظر. ثمّ قال الكنديُّ لتلميذه:
ـ أقسمتُ عليك إلاّ أخبرتَني.. مِن أين لك ؟!
ـ إنّه شيءٌ عَرَضَ بقلبي.. فأوردتُه عليك.
ـ كلاّ! ما مِثْلُك مَن اهتدى إلى هذا، ولا مَن بلَغَ هذه المنزلة، فعرِّفْني.. مِن أين لك هذا ؟!
ـ أمرَني به أبو محمّد ( الحسن العسكريّ ).
ـ الآن جئتَ به، وما كان لِيخرجَ مِثْلُ هذا إلاّ مِن ذلك البيت.
ثمّ إنّ الكنديّ دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه في ادّعائه بتناقض القرآن(13).
1 ـ بصائر الدرجات للصفّار القمّي 299 ، 300 / ح 1 ، 4 ـ من الباب 14، الفصل 6.
2 ـ بصائر الدرجات 301 / ح 9 ـ من الباب 14، الفصل 6.
3 ـ أصول الكافي للشيخ الكلينيّ 174:1 / ح 1 ـ باب أنّ الأئمّة وَرِثوا علمَ النبيّ وجميعِ الأنبياء والأوصياء الذين مِن قَبلهم.
4 ـ سورة النساء:59.
5 ـ بصائر الدرجات 57 / ح 6 ـ الباب 1 من الفصل الثاني.
6 ـ سورة البقرة:269.
7 ـ تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّانيّ 362.
8 ـ سورة طه: 125 ـ 126.
9 ـ سورة المائدة:3.
10 ـ سورة الشورى:23.
11 ـ تحف العقول 359 ـ 360.
12 ـ إعلام الدين في صفات المؤمنين للديلميّ 313 ـ من كلام الإمام العسكريّ عليه السّلام.
13 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 459:2.