فأمّا(51) الكلام في علة الغيبة وسببها والوجه الذي يحسنها فواضحٌ بعد تقرر ما تقدم من الأصول:
لأنّا إذا علمنا بالسياقة التي ساق إليها الأصلان المتقرران (52) في العقل: أن الإمام ابن الحسن عليهما السلام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار: علمنا أنه لم يغب - مع عصمته وتعينّ فرض الإمامة فيه وعليه - إلا لسبب اقتضى ذلك، ومصلحةٍ استدعته، وضرورةٍ قادت إليه - وإن لم يعلم الوجه على التفصيل والتعيين - لأنّ ذلك مما لا يلزم علمه.
وجرى الكلام في الغيبة ووجهها وسببها - على التفصيل - مجرى العلم بمراد الله تعالى من الآيات المتشابهة في القرآن، التي ظاهرها بخلاف ما
____________
(51) في «ب»: وأمّا.
(52) في «ج»: المقرّران.
دلت عليه العقول، من جبرٍ أو تشبيهٍ أو غير ذلك.
فكما (53)أنّا ومخالفينا لا نوجب العلم المفصّل بوجوه هذه الآيات وتأويلها، بل نقول كلّنا: إنّا إذا علمنا حكمة الله تعالى، وإنّه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات، علمنا - على الجملة - أن لهذه الآيات وجوهاً صحيحة بخلاف ظاهرها تطابق مدلول أدلة العقل، وإن غاب عنا العلم بذلك مفصلاً، فإنه لا حاجة بنا إليه، ويكفينا العلم على سبيل الجملة بأن المراد بها خلاف الظاهر، وأنه مطابق العقل.
فكذلك لا يلزمنا ولا يتعين علينا العلم بسبب الغيبة، والوجه في فقد ظهور الإمام على التفصيل والتعيين، ويكفينا في ذلك علم الجملة التي تقدّم ذكرها، فإن تكلّفنا وتبرّعنا بذكره فهو فضل منّا.
كما أنه من جماعتنا فضل وتبرع إذا تكلفنا ذكر وجوه المتشابه والأغراض فيه على التعيين.
____________
(53) في «أ» و «ب»: وكما.