|
عضو نشط
|
رقم العضوية : 13762
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 227
|
بمعدل : 0.04 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الثابت
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 10-12-2007 الساعة : 05:07 PM
3-توبة نصوح
كان" نصوح " رجلاً امراداً، لا ينبت الشعر في وجهه وله كالنساء ثديان .. وكان يعمل حينذاك في احد حمامات النساء ويغسل اجسامهن .. وكان على درجة من المهارة في عمله ، بحيث ان جميع النساء كن يرغبن في ان يتولى نصوح تنظيفهن في الحمام .. وشاع صيته في الافاق حتّى بلغ مسامع بنت الملك في ذلك الزمن ،فمالت نفسها إلى رؤيته ؛ فارسلت اليه واحضر بين يديها ،ولما رأته أعجبها وأبقته عندها تلك الليلة ، وفي الصباح أمرت بإخلاء الحمام ومنعت الناس من دخوله ، ثم اخذت نصوح معها وامرته بتنظيف بدنها .
شاءت الأقدار ان تفقد بنت الملك جوهرة ثمينة ، فغضبت وأمرت اثنين من حاشيتها بتفتيش جميع العاملين هناك للعثور على الجوهرة .
راح الموكّلون يفتشون العاملين الواحد تلو الاخر إلى ان وصل الدور إلى نصوح، فخاف إذا فتّشوه ان يفتضح حاله ؛ ولهذا ابى ان يخضع للتفتيش ، واخذ يهرب منهم هنا وهناك ويتظاهر بأنَّ الجوهرة عنده ، مما جعل الموكّلين يجدون اكثر في طلبه .
لم يجد نصوح أمامه من طريق للخلاص سوى الدخول في خزان الماء ، ولما رآهم دخلوا الخزان للقبض عليه وانّه شارف على الفضيحة اتّجه إلى ربه من اعماق قلبه وتاب من سيئاته بكل اخلاص ، ومدََّ يد الحاجة إلى ربّه داعياً اياه لانقاذه من هذه الفضيحة.
وما ان تاب نصوح واستغفر ربه على معاصيه ، حتى جاء صوت من خارج الحمام ينادي: كفّوا عن هذه المسكينة فقد وجدت الجوهرة . فكفوا عنه ، وشكر نصوح ربّه ، واستأذن من الاميرة وذهب إلى داره ، وقسم على الفقراء كلّ مال حصل عليه من الحرام .. ولما كان اهالي ذلك البلد يرغبون في عمله ولا يكفون عنه ، لم يكن قادراً على البقاء فيه.. وهو من جانب آخر لم يكن قادراً على البوح بسره لأحد ، فاضطر لمغادرة المدينة والعيش في جبل يبعد عنها عدّة فراسخ ، واستغرق هناك بالعبادة .
وفي احدى الليالي رأى في المنام شخصاً يقول له : يا نصوح !..كيف تبت وهذا لحم بدنك قد نبت من الحرام ؟!.. يجب ان تذيب هذا اللحم ..وما ان افاق حتى قرر حمل الصخور الثقيلة ليذيب لحم بدنه.. داوم نصوح على عمله ذاك حتى وقع بصره يوماً على نعجة كانت ترعى في ذلك الجبل ، ففكر في امرها من اين جاءت ، ومن عسى ان يكون صاحبها ؟.. واستقر رأيه في اخر المطاف على انها لا بد وان تكون قد هربت من راعيها ، ولا بد من الإحتفاظ بها إلى ان يإتي ويأخذها .. فامسكها واحتفظ بها عنده ، وكان يطعمها من النباتات التي يأكل هو منها .
مضت على هذا الحال عدّة ايام فانطق الله النعجة وقالت : يا نصوح !.. اشكر ربّك الذي خلقني لك ، فصار نصوح من ذلك الوقت يشرب من حليبها . وهو إلى جانب هذا يكثر من عبادة ربّه.. إلى ان صادف وان مرّت من هناك قافلة ضلّت طريقها ، والناس فيها قد شارفوا على الهلاك من شدّة العطش. فرأوا نصوح وطلبوا منه الماء ، فقال لهم :أعطوني اوانيكم لاعطيكم بدل الماء حليباً ،فجاؤوه بالاواني وقدم لهم حليباً فشربوا منها جميعا .. وهكذا انقذ نصوح القافلة من الهلاك ، ودلهم بعدها على الطريق إلى المدينة.
وقبل السير الى المدينة قدّم كلّ واحد من افراد القافلة مبلغا من المال لنصوح ازاء ما قدمه لهم من خدمة .. وبما ان الطريق الذي عليه كان اقرب إلى المدينة ، لذلك جعلوا طريقهم الدائمي من هناك ، ثم علمت سائر القوافل بذلك الطريق فتركت الطريق القديم واخذت تسلك هذا الطريق .. وكان مرور القوافل من هناك سبباً في حصول نصوح على مال وفير، صار يبني به الابنية ، ويحفر الآبار ، ويصلح الاراضي ويعدّها للزراعة، وسكن فيها قوم واستطاع ان يبسط بينهم العدالة، وتولى هو زمام امورهم .. وكان الجميع ينظرون اليه هناك نظرة اجلال واكبار .
اشتهر اسم نصوح تدريجياً وشاع بين الناس حسن تدبيره، حتى بلغ اسماع الملك وهو والد تلك الاميرة .. فصار الملك يتشوق الى رؤيته فأمر بدعوته إلى البلاط ، ولكن نصوح رفض تلبية دعوة الملك وقال : لا شأن لي بالدنيا واهل الدنيا ، واعتذر عن الذهاب إلى بلاط الملك .. ولما بلغ الملك مقالة نصوح تعجب وقال : ان كان قد اعتذر عن المجيء الينا فما أولانا بالمسير اليه ومشاهدة قلعته الجديدة عن قرب ، وسار مع خاصّته إلى الموضع الذي يعيش فيه نصوح .
وما ان وصلوا إلى هناك حتّى جاء أمر الله بقبض روح الملك .. ولما بلغ نصوح الخبر ، وعلم ان الملك كان قد خرج من مدينته للقائه وتوفي في الطريق ، حضر للمشاركة في تشييعه ودفنه.. وهذا الملك لم يكن له ابن يرث حكمه وهذا ما دفع اركان الدولة الى التفكير في انتخاب نصوح ملكاً ، وهذا ما حصل فعلا ، واصبح نصوح ملكاً بسط العدل في جميع ارجاء بلاده ، وتزوج بنت الملك وهي الاميرة التي سبق الحديث عنها .. وفي ليلة الزفاف دخل عليه رجل وقال : كنت قبل سنوات راعياً وفي احد الأيام فقدت نعجة ، ووجدتها الان عندك .. هيا رد اليَّ مالي .
قال نصوح : كما تحب سآمرهم الآن ان يعطوك نعجة.. فقال الرجل : بما انك حفظت لي النعجة ، فان ما شربته من حليبها حلال لك ، لكن القسم الذي جنيت من ورائه منافع يكون مناصفة بيني وبينك ..امر نصوح باعطائه نصف امواله وممتلكاته ، وامر الكتاب بتقسيم البلد بينهما مناصفة، فقال له الراعي : يا نصوح !..بقي شيء لم نقسمه .. فقال نصوح: وما هو ؟!..
قال : هذه الفتاة التي تريد الزواج بها، لأنها جاءتك من نفع نعجتي .. قال نصوح: ان تقسيم الفتاة يعني موتها ، فهب نصفها لي .. فرفض الراعي..قال له نصوح : اهب لك نصف ملكي ، وهب لي الفتاة .. فرفض الراعي أيضاً .. فقال له نصوح : أهب لك كلّ ملكي ، وانصرف عن هذا الرأي .. فلم يوافق الراعي .. فاضطر نصوح إلى استدعاء السياف، وامره بتقسيم الفتاة إلى نصفين ، فاستل السياف سيفه واراد ان يضربها على رأسها ، فجزعت وخرّت مغشياً عليها ..عندها امسك الراعي يد السياف وقال لنصوح : اعلم انني لست راع ، ولا تلك نعجة .. بل كلانا ملكين ارسلنا الله لاختبارك .. وبغتة غابا كلاهما عن الانظار .
شكر نصوح ربّه ، واستمر من بعد زواجه يعبد الله ويحكم البلد بالعدل .. وقال البعض : ان الآية الشريفة { وتوبوا الى الله توبة نصوحاً } . سورة التحريم: 8 انما تشير غلى مثل هذا الشخص .
نستنتج من هذه القصة ان من يتوب، يصلح الله امر دنياه وآخرته ، ويستجيب دعاءه ، ويكتب له العزّة والكرامة عند الناس وعند الملائكة ، ويجزيه افضل جزاء الدنيا والآخرة .
قال الشاعر:
تبارك ربي لا يزال ولم يزل عظيم العطايا رازقاً دائم السبب
لهجت بدار الموت مستحسناً لها وحسبي له دار المنية من عيب
لعمرك ما عين من الموت في عمىً وما عقل ذي عقل من البعث في ريب
ديوان أبي العتاهية: ص54
|
|
|
|
|