اللهم صل على محمد وآل محمد
يامولاتي يافاطمة أغيثيني
فاطمة الزهراء (ع) هي الميزان
عن بشّار المكاري قال: دخلت على أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) بالكوفة وقد قدّم له طبق من التمر وهو يأكل, فقال يا بشار, أدن فكل، فقلت هنّاك الله وجعلني فداك, قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي، أوجع قلبي وبلغ مني, فقال لي: بحقي لما دنوّت فأكلت قال: فدنوت فأكلت, فقال لي: حديثك, قلت: رأيت جلوازاً ـ شرطياً ـ يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس, وهي تنادي بأعلى صوتها: (المستغاث بالله ورسوله) ولايغيثها أحد قال: ولم فُعل بها ذلك؟ قال: سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت: (لعن الله ظالميك يا فاطمة) فارتكب منها ما ارتكب.
قال: فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى إبتلّ منديله ولحيته وصدره بالدموع, ثمّ قال: يا بشّار, قم بنا إلى مسجد السهلة فندعو الله عزوجل ونسأله خلاص هذه المرأة, قال: ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان, وتقدّم إليه بأن لايبرح إلى أن يأتيه رسوله, فإن حدث في المرأة حدث صار إلينا حيث كنا قال: فصرنا إلى مسجد السهلة, وصلّى كل واحد منا ركعتين, ثم رفع الصادق (عليه السلام) يده إلى السماء وقال: أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال فخرَّ ساجداً لا أسمع منه إلا النفس, ثم رفع رأسه فقال: قم, فقد أُطلقت المرأة قال: فخرجنا جميعاً, فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه إلى باب السلطان, فقال له (عليه السلام): ما الخبر؟ قال: قد أُطلق عنها قال: كيف كان إخراجها؟ قال: لا أدري ولكنني كنتُ واقفاً على باب السلطان, إذ خرج حاجب فدعاها وقال لها: ما الذي تكلّمت؟ قالت عثرت فقلت: (لعن الله ظالميك يا فاطمة), فَفُعِل بي ما فُعِل، قال: فأخرج مائتي درهم وقال: خذي هذه واجعلي الأمير في حلّ, فأبت أن تأخذها؛ لما رأى منها ذلك دخل وأعلم صاحبه بذلك, ثمّ خرج فقال: إنصرفي إلى بيتك؛ فذهبت إلى منزلها.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أبت أن تأخذ المائتي درهم؟ قال: نعم, وهي والله محتاجة الى المال, قال فأخرج من جيبه صرة فيها سبعة دنانير وقال: إذهب أنت بهذه إلى منزلها فاقرئها مني السلام وادفع إليها هذه الدنانير قال: فذهبنا جميعاً, فأقرأناها منه السلام, فقالت بالله أقرئني جعفر بن محمد السلام؟ فقلت لها: رحمك الله والله إن جعفر بن محمد أقرئك السلام فشقت جيبها ووقعت مغشية عليها.
إن ما يدفعنا إلى إعادة نشر هذه الرواية ليس التذكير بمعاناة الذين سبقونا إلى التشيع الذين كانوا يسجنون ويعذبون ويذبحون لمجرد إنتمائهم لمذهب أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، فالشيعي اليوم لايُلاقي أفضل مما كان يواجهه آباءه وأجداده من قبل, ونفس التحدي وروح المواجهة التي كانت لدى هؤلاء هي موجودة لدى الحاضرين, فليس غرضنا هو تبيان ذلك, ولاهدفنا إظهار مقام الإمامة وكراماتها في إستجابة الدعاء وكيف أُفرج عن تلك المرأة المؤمنة الصابرة بمجرد ما نطق الإمام الصادق بكلمات الدعاء, فما ينكر واحد من المسلمين فضل هؤلاء العظام ولاكراماتهم أو تقواهم.
إلا إن ما يثير الاهتمام في هذه الرواية هو كون حب فاطمة الزهراء(عليها السلام) أو بغضها هو ميزان عمل الإنسان, فللوهلة الأولى ينتبه المرء إلى أن إسم فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو المحور في هذه الرواية التي ذكرناها, حيث تدور القصة كلها بشأن كلمات تلفظتها المرأة المؤمنة بحق ظالمي حق فاطمة الزهراء عليها السلام.
إن إجراءات الاعتقال والتنكيل التي وقعت للمرأة تبين بما لاشك فيه أن هناك سياسة حكومية لمتابعة ومعاقبة محبي الزهراء وأبنائها البررة, بمعنى أن حب الزهراء أصبح ميزاناً ومعياراً للموالين.
وإذ أردنا أن نسأل كيف سيحاسب الله سبحانه وتعالى ذلك الشرطي المعادي وتلك المرأة الموالية, فمن ناحية الإسلام فكلاهما يقولان بأننا مسلمون, ومن ناحية الإيمان كذلك فما هو الميزان إذن في حقهم أو باطلهم؟ (الميزان هو فاطمة الزهراء سلام الله عليها).
لعلَّ بعض البسطاء والذين يجهلون حقيقة فاطمة سيقولون بأن هذا هو غلو في الدين! ونجيبهم بأن هذا هو ما أتى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث جاء عن سلمان قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا سلمان, من أحبّ فاطمة بنتي فهو في الجنّة معي, ومن أبغضها فهو في النار, يا سلمان, حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن, أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والحشر والصراط والمحاسبة, فمن رضيت عنه إبنتي فاطمة رضيتً عنه, ومن رضيتُ عنه, رضي الله عنه, ومن غضبت عليه غضبتُ عليه, ومن غضبتُ عليه غضب الله عليه, يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أميرالمؤمنين علياً ويل لمن يظلم ذريّتها وشيعتها) (فرائد السمطين ج2, ص67).
وهناك الكثير المشابه لهذا الحديث لانوردها طلباً للإختصار, وبعضها موجود في كتب المسلمين كافة, إلا إن ما يثير التساؤل دائماً هو لماذا التركيز على فاطمة الزهراء, لماذا لم يعطي الرسول الأكرم هذا المقام والجلال لإحدى نسائه, مع فضلهن وعلمهن وإيمانهن؟ ولماذا لم يعطِ هذه المنزلة لعماته وكانت بينهنّ المؤمنات الصالحات؟ لماذا لم يختر واحدة من نساء المؤمنين ليمنحها مثل هذا الوسام وهذه الدرجة ولسنَ قلائل في الإيمان والتقوى والعمل الصالح؟
مع الكثرة يتعين الاختيار, ولكن هل يمكن مقارنتها عليها السلام بهن؟ بالطبع كلا.. ولكنّ المراد والتأكيد على أن إختيار فاطمة الزهراء سلام الله عليها كسيدة لنساء العالمين أو أن تحضى بهذه المكانة المرموقة التي جاءت على لسان الرسول, إنما هو إختيار من جانب الباري عزوجل, فالذي لاينطق عن الهوى، لايودع المراتب والمناصب والكرامات من نفسه إنما هو يأتي بها من جانب الله سبحانه وتعالى.
هذا من جانب ومن جانب آخر فمن كانت بمقام فاطمة حتى تنافسها في موضعها وكرامتها وعلمها وتقواها وعملها وصبرها وكرمها؟ أم أيّ منهنّ نزلت فيها الآيات العظام مثلما نزلت في فاطمة وإبنيها وبعلها؟ وأيّ منهن إختصها الرسول للمباهلة أو تكون من أصحاب الكساء؟ وأيّ منهن كانت أم الحسن والحسين والتسعة المعصومين الذين هم خير البرية؟
فتكريم فاطمة جاء من الله سبحانه وتعالى فهو وحده الذي يمكن أن يعطي التفويض بأن يجعل رضا فلان من رضاه, وفي هذا الحديث المذكور عن النبي الأكرم(ص) هناك إشارات إعجازية وتلميح لما سيحدث في المستقبل القريب للبضعة البتول من غصب الحقوق, حيث يحتوي الحديث على التحذير من آية معارضة لفاطمة ومن أي ظلم قد تتعرض له.
إلا إن الحديث ذاك لايقتصر على زمان دون زمان, وكما لاحظنا في القصة فأن حب فاطمة الزهراء وبغضها هو ميزان أعمال الناس.
نسالكم الدعاااء