قال تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكرت الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون(الأنفال )تشير هذه الآية الكريمة إلى أمر غاية في الأهمية ألا وهو ماهية الإيمان ومزايا المؤمن الحقيقي، ذلك أن هناك بعض اللبس والخلط في المفاهيم لدى العامة بين المسلم والمؤمن حتى لقد ساد الاعتقاد بأن الإيمان هو الإتيان بالعبادات اليومية المفروضة والابتعاد عن المحرمات فحسب.لذلك فقد بدأت هذه الآية الكريمة بأداة الحصر إنما، وكأنما هي تقول إن من لا يتصف بهذه الصفات الواردة في هذه الآية الكريمة فهو غير مؤمن. فكلمة إنما هنا قد حصرت الفئة المؤمنة في مجموعة معينة أوضحت صفاتها في:
1. إذا ذكر الله وجلت قلوبهم.
2. إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا.
3. وعلى ربهم يتوكلون.
هذه هي العناوين الرئيسية التي أبرزتها الآية الكريمة كمعايير للتمييز بين فئتين هما: فئة المؤمنة والفئة المسلمة فكما أسلفنا، ليس الإيمان الإتيان بالعبادات والابتعاد عن المحرمات فحسب، وإنما هو أن تتجلى أن تتجلى عظمة الله سبحانه وتعالى في القلب في جميع مواضع العظمة في صفات الله وذاته وأن يعيش الإنسان الإحساس بالارتباط بالله سبحانه وتعالى في كل حركة وسكنة.
صفات المؤمن: إذا ذكر الله وجلت قلوبهم :
إن الإيمان يقتضي بالضرورة أن يكون ذكر الله مرتبط ارتباطا كليا بالقلب وفي جميع الأوقات بحيث إنه إذا ذكر الله سبحانه وتعالى لفظا أو معنى أو تجلت آية من آياته الكونية أو القرآنية يضطرب قلب المؤمن ويخشع في كل أموره ويخضع لله تبارك وتعالى. وهذا يقتضي وجوبا أن لا يعظم غير الخالق في نفس المؤمن كما قال سيدنا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم".
2. إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا:
إن المبعث الأساسي للإيمان بالله عز وجل هو التحرك المتواصل للفكر، وهذا ما يلخصه لنا الباري جل وعلا في محكم كاتبه المجيد إذ يقول: "يتفكرون في خلق السموات والأرض" يقلبون أفكارهم ويبحثون ويتأملون ثم يصلون إلى نتيجة واحدة لا ثانية لها هي "ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار"- [آل عمران:191].
ولهذا فإننا نرى كيف أن القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تحث على قراءة الآيات الكونية والتدبر والتفكر فيها والوصول من خلالها إلى مقدار عظمة الخالق عز وجل، قال تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" – [محمد:24].
3. وعلى ربهم يتوكلون:
ويقصد بالتوكل على الله سبحانه وتعالى التسليم الكامل لمشيئته جل وعلا والاحتكام لقضائه والأخذ بأوامره ونواهيه. قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" – [النساء:65]، وقال عز من قائل: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" – [النساء : 59]. ويعتبر الله سبحانه وتعالى هذا الأمر وهو التسليم إلى حكم الله أحد الأمور الابتلائية التي هي موضع فتنة وامتحان للمؤمن فإما أن يجتازه وإما أن يقع في شراكه، ويدلل على ذلك قوله تعالى: "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون" – [النور:51]. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العنصر الإيماني يكمن في التوكل على الله سبحانه وتعالى وليس التواكل. فالتوكل والتواكل نقيضين يعتبر أولهما شرط للإيمان بالله عز وجل في حين يعتبر الآخر ضرب من ضروب ظلم النفس. ويعرف التوكل بأنه تسليم الأمر إلى الله سبحانه وتعالى والوثوق به مع بذل ما في الإمكان ومع العمل الجاد، في حين يعرف التواكل بأنه انتظار العطاء من الله سبحانه وتعالى من دون أي بذل للجهد. ولكي نفهم الفرق في هذا الموضع لنتصور أن لدينا فلاحين لكل منهما قطعة أرض، أما الأول فقد عمد إلى الأرض وحرثها وهيأها للزراعة ثم بذرها وسمّدها وقال يا رب ارزقني من رزقك الحلال، فذاك المتوكل على الله. وأما الآخر فوقف الأرض دون أن يحرك ساكنا وقال: رب ارزقني من رزقك الحلال، فذاك المتواكل. وكما ذكرنا آنفا، إن التواكل نوع من ظلم النفس لما فيه من مخالفة للسنن الإلهية وللطبيعية وللفطرة، نعوذ بالله ربنا وربكم من الظلم وشروره.