عضو برونزي
|
رقم العضوية : 70414
|
الإنتساب : Jan 2012
|
المشاركات : 832
|
بمعدل : 0.18 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
المنتدى الثقافي
الحاج , مسؤول
بتاريخ : 29-03-2012 الساعة : 03:41 PM
الحاج ,مسؤول
كواحد من أصحاب الكهف والرقيم,,, ظلّ ذلك الصباح متكاسلا في فراشه, يقتات حلما رقيقا راوده قبيل الصبح , من تلك الليلة الطويلة من الأرق .
وعلى رأيه ما الجدوى من النهوض ؟ فجميع ايامه متشابهة إذ لم يبق باب إلّا وطرقه بحثا عن وظيفه ,,أيّ وظيفه , انشا الله حتى وزير! على حد قوله, وهو يتهكم من وضعه المزري .
تبددت الاحلام , وكم هو نادم على تلك الليالي الطويلة التي قضاها في الجد والدراسة ,,,ليته تعلّم صنعة ولو بسيطة ,, رضي بالقليل من كل شيء , وطبعاً كان مجبراً, فتقاعد الوالد الذي اختار أن يتوكل الى بارئه مبكراً ,, لم يكن ليسد رمق العائلة , والدة واختان لم يطرق احد من الخطّاب بابهن على الرغم من تقدم قطار العمر .
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه , كان له ما يسمى بيتاً ودائما كان يترحّم على الوالد حيث استطاع , وبعد ان حرم نفسه من كل شيء ان يبني لعائلته ذلك البيت البسيط كسم خياط , والا لكانوا الان في الشارع .
في ذلك الصباح الثقيل - برطوبته الغريبة- استعرض شريط حياته الطويل , حاول ان يجد يوماً عذباً فلم يجد لا في ايام الدراسة حيث تندّر الاطفال على ملابسه ,, ولا في الجامعة حيث لم يستطع يوماً ان يدخل ناديها , فالمصروف على قدر اجرة السيارة ذهاباً واياباً , واذا ما ا أحرجته الظروف ان يشتري شيئاً اضافياً فعليه ان يعود مشياً على قدميه ذلك اليوم , ومع ذلك تمكن أخيراً أن يحصل على شهادة ,عجز الكثيرون - من أبناء الاغنياء - أن يحصلوا عليها ,, لكن ما الفائدة فالسماء لا تمطر وظائف ,,فأما أن تكون ابن فلان أو قريب فلان , أو تابعا لحزب ما , أو أن تعطي مبلغاً من المال كرشوه لأحد المسؤولين لتحصل على الوظيفة .
وما اكثر النصابين في هذه الغابة القاسية , حيث يدفع العاطلون لهم كل ما يملكون ولا يملكون من حطام الدنيا ,, مصوغات والدة اعتزت بها منذ زواجها ,, او قطعة ارض بقيت من اجل عاديات الزمن , يبيعونها لأحظار مبلغ الرشوة , والغريب انني سمعت ان احد رجال الدين قد أجاز للمضطر فعل ذلك , فاين لعن الله الراشي و,,!!
ثم ,,, ,, يتبخر الحلم سريعا , بهروب المدعي بالجاه والمسؤولية وتتحول الوظيفة والمال المقدم كرشوه , الى سحائب دخان ينفثونها في مقاهي العاطلين .
( المفلس في القافلة امين ) قالها وهو يتحدث الى شاب يجالسه في المقهى ,,, الحمد لله ليس لدي ما يمكن أن يضيع ,, فقد عرض عليّ أحدهم قبل أيام وظيفة في إحدى الوزارات ,,, والرجل ثقة , حيث يعمل سائقاً لدى أحد المسؤولين الكبار وأراه احياناً يغسل تلك السيارة الفارهة في محطة قريبة ,,, لقد اخبرني أنه بغضون ايام واعطيك الــ ok ,, كلّمت الحاج بموضوعك وحاجتك الملحة للوظيفة ,,, وبعون الله اليوم سأعرض الموضوع على الحاجة ايضا ,, فقد كلفني الحاج أن أوصلها لزيارة أهلها فالحاج كثير المشاغل ,, وانا اوصلها دائماً ,, امرأة طيبة وكلامها امر على الحاج.
الحاج ,,, كان الله في عونه فبعد الدوام يخرج الى شركته الخاصة فليس له ثقة بالموظفين , ومن ثم يمر على بيته الجديد ,, الذي مر على بداية العمل فيه اكثر من عامين ولا يزال في طابقه الاول ,,, وعلى رأي الحاج لم يبق عامل مخلص في هذا البلد,, كان الله بعونه الرجل يتعب كثيراً ,,, على كلٍ انتظرني اليوم .
يا سيدي ,, انتظرت ذلك اليوم - بفارغ الصبر- في ذلك المقهى بانتظار سائق الحاج العزيز, وقبيل المغرب هلّ بسيارته الفارهة , وأشار اليّ من خارج المقهى , فهو لا يسمح لنفسه ان يجلس بين هؤلاء الناس , فهو سائق الحاج ,,, تعثرت بإحدى الطاولات وبأخرى ولم اسمع ورائي سوى اصوات تحطم كؤوس الشاي واستهجان الجالسين ,,, التقيته , ومن غير ان يرد سلامي طلب مني ان اصعد السيارة ثم سرنا ,,, انتظرت بفارغ الصبر ان يبيض تلك البيضة الذهبية لكنه لم يفعل ,, واخيراً بادرته : خير انشاء الله فقال: خير, خير ,, طلبك الحاج اليوم فقد اتصلت به الحاجة و وعد خيراً ,, وها نحن ذاهبون لجلبه من بيته الجديد ويكون الكلام وجه لوجه .
في سور الصين العظيم !! الذي يبنيه الحاج رأيت العجب العجاب , ليس من ابهة البناء وشموخه فحسب , فهناك ما لا يعقله او يتصوره مثلي,, انما احدّثك عن اول لقائي بالحاج ,, بالمختصر المفيد : كان غولاً اصلعاً , يكيل الشتائم لمن صادفه من عمال او مهندسي الموقع ,, وكل هذا من اجل حفنة اسمنت , اسقطها احد العمال على الارض بعد ان تعثّر بحجر,, القينا التحية وطبعاً لم يرد وانما غسل صاحبي السائق بسيل من الشتائم , مصحوبة بما تطاير من فمه من لعاب ,, لقد تأخرت كثيراً , ثم التفت اليّ ,, كدت اغوص في الارض فعيون الرجل الجاحظة تخيف أيّا كان,, لكنه غيّر نبرته ,,,ومباشرة : خمسون ورقه – طبعا يقصد بالورقة : فئة المئة دولار- وفايل , وتنتظرني مع هذا الحمار!! غداً قبل الدوام ,,, تجرأ الحمار ,عفواً أقصد :السائق : يا حاج لقد حدثتك عن حالته ,,, طيب اربعون وهي ليست لي فالكل يريد ,,, بين شد وجذب وخاطر الحاجة وافق ان يعيّنني على أن أعطيه نصف راتب الوظيفة ولمدة سنه ,, أدار وجهه , وهو يستغفر ربه ويتمتم : عجباً كيف يعيش هؤلاء الناس ؟. وافقت وانا الممنون ,, فنصف العمى ,,,,
بدعاء الوالدة ,ودلو مائها الذي اراقته خلفي تيمناً بالخير : بدأت ذلك الصباح ,,, وعلى باب تلك الدائرة الموعودة وقفت مبكراً امسح حذائي بظهر بنطالي اليتيم ,,, وصلت سيارة الحاج ,, وها هو الحلم يوشك ان يصبح حقيقه ,, وفجأة ,وعلى غير انتظار ,,,
عجّ الشارع بمسؤولين ورجال أمن غلاظ أحاطوا بالسيارة,, من كل الجوانب وبدأ الموظفون يتراكضون هنا وهناك الا انا ,, فكما قلت المفلس في القافلة امين . واذا بالحاج مكبلاً كثور جاموس , يقوده مجموعه من الجزارين الى المذبح وسط السوق بطريقه استعراضيه ,, فقد وصلت رائحة فساده واختلاسه الى أعلى المستويات ,, وها هي لجنة النزاهة البرلمانية تلقي القبض عليه ليأخذ جزاءه .
بات الرجل مشدوهاً من شدة الصدمة ,, انكمش داخل جسده الضخم ,, كقماش ردئ بعد الغسيل ,, يحرّك شفتيه من غير ان يصدر صوتا مسموعا ,, يتلفّت يمنة ويسرة , كدب هرم وقع في فخ , وقد احاط به الصيادون ,,, من بين كل المتجمهرين والموظفين نظر الي , او هكذا تخيلت , وكأنه يقول لي: اي غراب شؤم انت ؟
|