من بينها القسمة والحظ والنصيب والعتبة والوجه الحسن
بغداد- هدى العزاوي
"امرأة تدخل عتبة باب لتقضي على صاحب المنزل" هذه حكاية زوجة محمد التي بدأت بسردها لنا والدته التي تتمسك بالاعتقاد ان زوجة ابنها (كَرفتها فكَر) وبسببها انتهت حياة زوجها، تقول ام محمد:
كنت أعتقد ان الايمان بالعتبة والكِصص مجرد خرافة، وأصدق في الكثير من الأحيان القصص التي تتعلق بها، إلا أن دخول زوجة ابني حياتنا غيَّر كلَّ ذلك، فلم نرَ الخير بمجيئها والدليل على ذلك ان زوجي قد وافاه الأجل عندما كان يضع العطر على ملابسه استعدادا لحضور زفاف ولده.
وأما قصة تغريد فلا تختلف كثيرا عن القصة السابقة، ولكن العكس هو الصحيح فلم يتبق على زواجها الا أيام عندما تعرض والدها إلى حادث واضطر الزوجان الى تقديم موعد الزفاف إلا أن ذلك الحل لم يقف عارضا أمام القدر وتوفي والد العروس قبل خروجها من عتبة باب أهلها؟!
فهل لحظ الرجل نصيب كحظ الأنثى في شؤوم بعض العتبات والكِصص أم إن ذلك لصيق بالمرأة فقط ؟
المعتقدات والغرائب
مازالت الكثير من المعتقدات والمصادفات تلعب دورا كبيرا في حياتنا وتتحكم بحياة البعض منا فهناك من يتفاءل أو يتشاءم من اقبال امرأة جديدة على منزله كزوجة له أو لأحد أبنائه ونحن على أعتاب القرن الـ 21 ومازالت بعض العوائل تؤمن بعدم دخول العروس إلّا أن تضرب إناءً فيه ماء بقدمها وامام حشد من الناس معتقدين ان هذه الطريقة تجلب الخير لاصحاب المنزل، ومازال نعيق الغراب و(الططوة) دليل شؤم لدى بعض الناس، وهناك اعتقاد بأن المقصَّ المفتوح يثير المشاكل بين أفراد العائلة، وفضلا عن ذلك هناك بعض يربط صفو مزاجه وتعكره وما يلاقيه من خير أو شر بأول وجه يراه عند خروجه من المنزل، على الرغم ان ما جرى قد يكون محض مصادفة، وهناك أمور لا تعدّ ولاتحصى مثل( فتحة القوري، وجهة السكين، والمرآة المكسورة ، والمقص المفتوح) إذ يعتقد بعض الناس ان مثل هذه الأشياء هي السبب في حدوث المشاكل كلّ هذه الامور عند رؤيتها باعتقادهم هي التي تخلق المشاكل بين الأهل والجيران والأقارب وتبثُّ اليأس والتشاؤم في النفوس، ولهذه الخرافات جذور عميقة ممتدة ومتوارثة عبر الأجيال ومأخوذة من خلفيات قديمة قد لا يكون لها أساس علمي أو شرعي.
الحظ والقسمة
(الي ماعنده حظ شيسوي ) بهذه العبارة تستهل انهار محمد حديثها بعد ان فاقم العوز وسوء العيش حياتها، بعد ان فقدت والديها وهي مازالت صغيرة، أما حظها في الزواج فقد كان هو الآخر بائسا، إذ تزوّجت اختاها الأصغر منها قبلها وبقيت هي على حالها حتى تعدى العمر الاربعين، وهي تعتقد ان حظ اختيها افضل من حظها فكلما تقدم شاب لخطبتها يرحل ولا يعود ابدا فبات حلم الزواج ليس سوى حظ وقسمة في مدارج الغيب، وبات الكثير من أقاربها يقولون: ( ما عدها حظ ويه الزلم)على الرغم من أن اغلب الشباب يرغبون بالارتباط بها.
ضربة حظ
قد يعتقد البعض ان الحظ يخلقه الانسان ولا يأتي إلّا مرة واحدة ولكن الحال مختلف بالنسبة لـ ( حمودي النايم) الذي كان يعمل حارسا في سوق تحت التكية في الشورجة، عندما استيقظ من النوم في أحد الأيام ليجد نفسه وقد اصبح مليارديرا! بعد ان كان شخصا معدما خالي الوفاض، وهذا ما يؤكده احد المواكبين قائلا: (عسى بختي مثل بخته) حيث اصبح اكبر مالك في منطقتنا ما بين يوم وليلة ؟! فبعض التجار في ذلك الوقت يستوردون البضائع للعراق ويقوم( النايم) بتخزينها في عدد من العمارات المستأجرة من قبلهم، ولكثرة الشاحنات المستوردة، اختلط الحابل بالنابل، وضاع الحساب، فقام (النايم) بشراء احدى الشاحنات بالآجل ليبيعها على التجار مباشرة، وعندما حصل على الأرباح لم يكن يحسن التصرف بها فاشترى محلا منزويا في الشورجة، لكنه باع هذا المحل بعشرات أضعاف سعره، إذ أصبح المحل في وسط سوق السكائر بعد توسع السوق وامتداده، ثم اشترى بكل ما يملك سكائر عراقية وقام بخزنها، وسرعان ما صدر قرار رسمي بمنع استيراد السكائر الأجنبية، فارتفعت أسعار السكائر المحلية وأصبح( النايم) مليارديرا!
مصادفات وحظوظ
يتحدث محمد الحفيد الذي لا ولن ينسى كلمات جده التي استوقفته في ايام كثيرة وعديدة وهو يتحدث عن ان الحظ لايأتي إلّا مرة واحدة ولن تتكرر أبدا. وقد جاءت لجده في العام1960 ، يقول محمد:
زار جدي احد اصدقائه ممن يملكون ماكنة يدوية لحياكة الجوارب على شكل قطعة واحدة وبلون واحد، وعندما راقب جدي عمل صديقه اقترح عليه التلاعب بألوان بكرات الخيوط المثبتة وفق نظام معين، وكانت النتيجة ان الجوارب خرجت بألوان ونقشات مختلفة، وسرعان ما أصبحت أكثر رواجا في السوق بعد ازدياد الطلب عليها.
وبعد عدة ايام كان جدي يجالس اصدقاءه في مقهى، فحضر صاحب أكبر معمل لصناعة الجوارب في العراق ذلك الوقت، وطلب من جدي ان يساعده في تحسين انتاج المعمل بعد كساده لكونه بلون واحد وخال من النقشات، لكن جدي طلب من صاحب المعمل ان يكون له شريكا في المعمل، فوافق التاجر، وباع جدي منزله الوحيد من أجل ذلك، وبعد عام واحد فقط استطاع جدي ان يشتري منزلا جديدا، ثم انهى شراكته مع صاحب المعمل، وأصبح من اصحاب
المعامل.
لفظة عتبة الباب
وظهر تعبير عتبة الباب كناية عن المرأة في اثر ما روي عن شؤم المرأة على زوجها، فقد ورد في المأثور ان نبي الله ابراهيم (ع) عندما ذهب الى بيت ولده اسماعيل وجد زوجته فقال لها: اين صاحبك ؟ فقالت: ليس هنا ذهب يتصيّد. فقال لها هل عندك ضيافة ؟ فأجابت: ليس عندي شيء وما عندي احد، فقال لها: اذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له: فليغير عتبة بابه، وذهب ابراهيم (ع) وجاء اسماعيل (ع) ووجد ريح ابيه فقال لامرأته: هل جاء احد ؟ قالت جاءني شيخ و قال لي : اقرئي زوجك السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه، فطلقها وتزوّج أخرى. فلبث ابراهيم مدة من الزمن وبعد ذلك زار ابنه، فقال لامرأته: اين صاحبك. قالت : يتصيّد وسيأتي عمّا قريب ، فقال لها: هل عندك ضيافة ؟ قالت : نعم فجاءت باللبن واللحم فدعا لها بالبركة، ثم ودعها وقال لها : اذا جاء زوجك فاقرئيه السلام وقولي له : قد استقامت عتبة بابك واوصيك بها خيرا .
حظ وعتبات وكِصص
يقول رجل الدين الشيخ عدي الاعسم:
بالنسبة للآية القرآنية( ولا يلقاها الا الذين صبروا ولا يلقاها الا ذو حظ عظيم) وامثالها تتعلق ليس بالحظ بمعناها التقليدي او ما يتداوله البسطاء، ولكن قبلها هناك الشارحة- الصابرين-، أي صابر على اتقان ونجاح عمله على الرغم من صعوبته، ولا يتكلل الصبر بالنجاح اذا لم يكن هناك عمل متقن بصعوبة، والاية واضحة، والحظ العظيم يتمثل في الصابر وذلك لقول رسول الله ( ص): تفاءلوا بالخير تجدوه، فهنا تأكيده على اقتران العمل بالصبر، والحظ له معانٍ عديدة وقد لا يرتبط بالعمل وانما بالمزاج الشخصي. وهناك استثناءات تخضع للحظ او القدر وهذه تفسّر بالارشادات الكونية ولها علاقة بمصطلحاتها.
إسقاطات نفسية متسلطة
ورسول الله (ص) نهى عن التطيّر فلا يجوز ان نتطيّر من نعيق الغراب او من النجوم او من بعض الوجوه هذا ليس له دور في التدابير الكونية وما هو إلّا اسقاطات نفسية، المشكلة هنا لماذا التشاؤم من المرأة ( كِصتها)؟
ان هذا يعود لتسلط الرجل عبر السنين وتهربه من الفشل وعكسه على المرأة المظلومة المضطهدة اما قصة ابراهيم عليه السلام فليس لها علاقة بالنصيب والحظ وانما صادف امرأة تتميز بالبخل في ما يتعلق بالضيافة، ومن جهة علمية وانسانية فمثلما هناك نساء بخيلات، هناك رجال بخلاء ايضا، ولا يمكن التركيز على المرأة فقط
الحظ والجانب الوراثي
الدكتور محسن الزهيري متخصص في علم النفس الاجتماعي والتربية يقول:
عندما يفشل الانسان فإنه يلقي بأسباب فشله على الحظ، وهناك نوعان من الحظ هما، السيء والحسن، وموضوع الحظ، على أساس علم النفس، هو ظاهرة تتعلق بما يسمى قلق المستقبل فهناك احساس مركز السيطرة فهناك الانسان الناجح الذي يركز على تحقيق أهدافه انطلاقا من جهده وخبرته الحياتية مستفيدا من تجارب الآخرين، وهناك من ينتظر ان يلعب الحظ دوره في تحقيق تلك الأهداف.
مركز السيطرة يقسم النوعين الى: من لا يؤمنون بالحظ بسبب نجاحهم وثقتهم بخبرتهم وبأنفسهم، وأولئك الذين يربطون الحظ والبيئة والمجتمع وبأشياء أخرى. ومهما يكن الأمر فان الحظ ، وهو النجاح في أكثر معانيه وضوحا موجود ولكي نفهم الحظ ببساطة علينا فهم الأسباب والعوامل والمقوّمات المؤدية للنجاح في أي عمل، فلكل عمل مقوّمات لا ينجح من دون وجودها، كما ان قضية الحظ ترتبط ارتباطا وثيقا بالقضاء والقدر، وهذا يعود للتدبير الإلهي، وهي أمور فوق طاقات البشر وليس لها علاقة بالامكانات البشرية في الكثير من الأحيان، مع ذلك يقع على عاتق المؤسسات التربوية والاعلامية والاجتماعية تنمية القدرات العقلية للأفراد وتكريس الاعتماد على قوة الذات والثقة بالنفس والتوجه لاكتساب القدرات والمهارات الحقيقية اللازمة لتحقيق النجاح.
السلام عليكم .. اخي البغدادي ..
موضوع جميل وشيّق ..
مع الاسف الكثير من الناس اليوم يعتقدون ببعض الخرافات والاوهام .. التي لا تقدم ولا تؤخر ؛
أو يُعلق أخطائه وفشله على شماعة النصيب ..
هذا الشعور يولد حالة من الانكفاء .. ويقتل روح المبادرة ..
تحية لك ولأنتقائك الجميل .. مع الود ~