صفة العلم هو النظر، ووظيفته التفسير والتنبُّؤ، وخاصيته الضبط والوضوح، وغايته تحقيق سعادة الإنسان، وآلته العقل، ومادته الوجود، ودليله القرآن، ومحطَّته الزمان والمكان... ومثاله المطلق سيد الخلق محمَّد عليه السلام. العلم شرفٌ كلُّه، والعالِم كريم بذاته، والمتعلِّم سعيد بفعله متفائل بمستقبله، والجاهل شقيٌّ بتضييعه للفرص وملاحقته للسراب. كيف نبدأ من حيث ينتهي العلم؟ وكيف نحوِّل مادة العلم إلى واقع؟ وكيف نركِّز تنظير العالم ليتحوَّل إلى طاقة فاعلة؟
كيف نجعل كلَّ الكتب، والمقالات، والمحاضرات، والمواعظ، والمقولات، والنظريات... تنتهي إلى آليات للتفعيل والفعالية، لا إلى توصيات ونصائح لا تمتُّ إلى الواقع بصلة؟
ما بعدَ العلم، وما بعد الفكرة، وما بعد النظر... حلقة فارغة في الفكر الإسلاميِّ اليوم، عموما.
تختمر الفكرة في ذهني، ويستحكم الإشكال، وتتوالى الافتراضات، فتتهجَّم عليَّ الاختبارات والاختيارات... وأستجمع ملكات الذهن، فأجمِّع الأفكار، وأكتب ما أظنُّ – أو أعتقد – في تلك اللحظة أنه الحلُّ الأخير، والجواب النهائيُّ، والدواء الأكيد لهذا المرض العضال!
ثم أنتهي بصياغة رأي، أو نموذج، أو نظرية متكاملة المعالم... ثم ألوذ إلى تأليف مقال، أو تنضيد كتاب، أو إلقاء محاضرة، أو إعداد دورة تدريبية...
ويكون آخر العنقود فكرة ناضجةٌ، مستساغة، طيبة، طاهرة، حلال... تُسبي الناظرين، وتريح المنتظرين.
في هذه النقطة بالذات، أتحوَّل إلى "راصدٍ" لِما كتبتُ فيه، وما نظرَّت له، وما حلَّلت به... أي أنتقل إلى "المستوى الثاني" من النظر، وإلى "السلَّم" الأعلى من الإدراك، وهو مستوى "ما حول"، وسلَّم "الميتا" كما يسمَّى (****).
بهذه الرؤية الجديدة أجدُ أنَّني تحولت إلى مقترِح، وواعظ، وناصح... أدفع القارئ بالكلمات إلى تنفيذ ما كتبتُ فيه، وأحثُّ المستمع بالكلمات إلى تمثُّل ما ألقيت عليه...
ولكن، هيهات، ثم هيهات...
وأعود إلى البحث عن "ميلاد فكرة" جديدة، فأعيد نفس المراحل مرحلة مرحلة، بلا كلل ولا ملل... وهكذا، إلى ما شاء الله تعالى.
متى العمل؟ وكيف العمل؟
لولا المشاريع الأرضية، الواقعية، العملية، التربوية، والفكرية... التي تشغلني وأشغلها، والتي تغمرني وأغمرها، لكنتُ في قلق مميت، ولعشت في دوَّامة قاتلة؛ لكن ولله الحمد، فإنَّ الانتقال من فعل إلى فكر، ومن فكر إلى فعل... جعلني أؤمن بهذا السبيل، ولا أجد له بديلا.
هذه "بؤرة تفكيري"، وهذا "خطِّي المنهجي"، وهذا محطُّ جهدي، ومحلُّ جهادي، منذ أمد، وإلى حين، بإذن الله تعالى...
التفعيل، الفعالية، الإنجاز، العلم النافع، الواقعية... تعدَّدت الصفات، والمؤدَّى واحد... إنه: "الرشد" بكلُّ أبعاده، وبجميع مواصفاته.
قد يطول الوقت، بل سيطول يقينا، لإيجاد الجواب المريح نسبيا، لكنَّ الانكباب والبحث والتنقيد، بعقلية العابد، وروح المجاهد، وأداء القائد، وخلُق الصادق... كلُّ أولئك ضرورة ولا ريب، وواجب شرعيٌّ ولا شك... فالجديد النافع دائما يولد من رحم المعاناة.
هل أنا في حاجة إلى مزيد من القراءة؟
أم إلى مزيد من الكتابة؟
أم إلى مزيد من التأمل؟
أم إلى مزيد من الإنجاز؟
أنا، وأنت، وهو، وهم، ونحن... جميعا، في حاجة ماسَّة إلى كلِّ ذلك، وإلى أكثر من ذلك... في حاجة أولا أن ندرك هذا البعد الحضاريَّ الدقيق، وأن نتحرَّك على أساسه...
وقبل ذلك، وبعده، نحن في حاجة ملحَّة وأكيدة إلى توفيق من الله تعالى، القائل في محكم التنزيل: "اتقوا الله" هذا عمل، "ويعلَّمكم الله" وهذا علم. والقائل في آية أخرى "واعلموا" وهذا علم، "أنَّ الله بما تعملون بصير" وهذا عمل.
عمل يسنده علم، وعلم يرفعه عمل... "والعمل الصالح يرفعه".
والله الموفق للصواب.
بؤرة تفكيري، وخطِّي المنهجي
وكم هي رائعة تلك البؤرة من التفكير وذلك الخط ,,
تشكر أخي الكريم ,,
اختيار موفق ورائع فعلآ
جزاك الله خيرآ لكل ماتطرح من مميز جديد
تقديري
بؤرة تفكيري، وخطِّي المنهجي
وكم هي رائعة تلك البؤرة من التفكير وذلك الخط ,,
تشكر أخي الكريم ,,
اختيار موفق ورائع فعلآ
جزاك الله خيرآ لكل ماتطرح من مميز جديد
تقديري
اختي الكريمة نور النجف
أنا فرح لهذه الذائقة الادبية المهذبة التي تترشح من قلمك الثر
واشكرك لجميل كلامك ومرورك الرائع
تقبلي تحيتي واحترامي