بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
أبوذيّة:
كسير ومحّد القلبي يجابر
عن احسين لا تنشد يجابر وتدري بالقدر حكمه يجابر
هاذي عيلته الكانت سبيّه
خشي يزيد الفتنة وانقلاب الأمر عليه من وجود أهل البيت وبقائهم في الشام, فعجّل بإخراجهم إلى وطنهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأمر النعمان بن بشير وجماعة معه أن يسيروا بهم ليلاً ويرفقوا بهم..
ولمّا وصلوا إلى طريق العراق قالوا للدليل: مرّ بنا على طريق كربلاء..
يا عمه خل حادي الظعينه
نوصل لعد عزنه وولينه
والله عگب عينه انسبينه لقبور أهلنه يميل بينه
نشكي الجره اوضيم العلينه
وهل گرّب اعلينه أربعينه
ولكن قبل أن يصلوا كان قد سبقهم إلى كربلاء جابر بن عبد الله الأنصاريّ زائراً قبر الحسين عليه السلام, فعن عطيّة العوفيّ قال: خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاريّ رحمه الله زائرين قبر الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ ائتزر بازار، وارتدى بآخر، ثمّ فتح صرّة فيها سعد1 فنثرها على بدنه، ثمّ لم يخط خطوة إلّا ذكر
الله حتّى إذا دنا من القبر قال: ألمسنيه فألمسته, فخرّ على القبر مغشيّاً عليه فرششت عليه شيئاً من الماء فأفاق.
ثمّ قال: يا حسين - ثلاثاً- ثمّ قال: حبيب لا يجيب حبيبه، ثمّ قال: وأنّى لك بالجواب، وقد شحطت أوداجك على أثباجك وفُرّق بين بدنك ورأسك؟ فأشهد أنّك ابن النبيّين وابن سيّد المؤمنين، وابن حليف التقوى, وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيّد النقباء، وابن فاطمة سيّدة النساء، وما لك لا تكون هكذا وقد غذّتك كفُّ سيّد المرسلين، وربيت في حجر المتّقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة لفراقك ولا شاكّة في الخيرة لك, فعليك سلام الله ورضوانه وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.
ثمّ جال ببصره حول القبر وقال: السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين، وأناخت برحله، أشهد أنّكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
قال عطيّة: فقلت لجابر: وكيف؟ ولم نهبط وادياً، ولم نعلُ جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم، وأوتمت أولادهم وأرملت الأزواج؟ فقال لي: يا عطيّة سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من أحبّ قوماً حشر معهم، ومن أحبّ عمل القوم أشرك في عملهم، والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه، قال عطيّة: فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام, فقلت: يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام, فقال جابر لعبده: انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره, فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلّنا نلجأ إلى ملجأ, وإن كان زين العابدين فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى, قال: فمضى العبد فما أسرعَ ما رجع وهو يقول: يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله! هذا زين العابدين قد جاء بعمّاته وأخواته!
فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من زين العابدين عليه السلام, فقال الإمام: أنت جابر؟! فقال: نعم يا ابن رسول الله, فقال: يا جابر, ههنا والله قتلت رجالنا! وذبحت أطفالنا! وسبيت نساؤنا! وحرقت خيامنا!
يجابر مات أبوي حسين ظامي بشط العلقمي والماي طامي
ولا واحد لفى من أهلي واعمامي بس الخيل حول الخيم تفتر
قالوا: بينما الإمام يتحدّث مع جابر وإذا بمنادية تنادي: وا حسيناه, وا أخاه..وإذا بها الحوراء زينب عليها السلام..
زينب تنادي على
اشكي له الحال
اشكي له الحال
خويه أخبرك راح الحباب
وگعدنا بخرابة على التراب قبر حسين دلّوني
وگلّه اسودت متوني
وگلّه عمين عيوني
وطبينا يخويه ديوان الاجناب
عفا قلبي يخويه اشلون ما ذاب
رمت بنفسها من على ظهر ناقتها.. بنات الرسالة رمين بأنفسهن من على ظهور رواحلهنّ..دنا منها الإمام عليه السلام قالت: خذ بيدي فلقد غشي على بصري أصبحت لا أرى, دلّني على قبر أخي, أخذ السجّاد بيدها, أقبل بها إلى قبر الحسين عليه السلام,
وضع يديها على القبر, فنادت: واحسيناه وا حسيناه.. أخي حسين هل غسّلوك أم كفّنوك أم بغير كفنٍ دفنوك؟!
لو ينكشف يحسين قبرك
ريت عمري قبل عمرك
يخويه نروح كلحنه فداياك
أهي غيبه يخويه واگعد اتناك أشق اللحد واتمدد بجنبك
وانت اللي تكفني يا لحسين
خذنا للقبر يحسين وياك
وگول سافر ويومين يرجع
وانكبّت فاطمة بنت الحسين عليه السلام على قبر أبيها, وأقامت الرباب على قبره, وأمّا أمّ كلثوم فقد نادت برفيع صوتها: اليوم مات جدّي المصطفى, اليوم مات أبي المرتضى, اليوم ماتت أمّي فاطمة الزهراء..
جينه وعلى قبرك گعدنه
هاي المحامل گوم ردنه
مهي مناسبه الغربه تردنه ونخيناك يا عزنه وضمدنه
لرض المدينه ووطن جدنه
ثمّ صاحت سكينة: وا محمّداه, وا جدّاه, يعزّ عليك ما فعلوا بأهل بيتك, ما بين مسلوب وجريح, ومسجونٍ وذبيح, وا حزناه, وا أسفاه..
قالوا: وأجالت زينب بطرفها يميناً وشمالاً, فقيل لها: لعلّك تريدين شيئاً؟ فقالت: قوموا بنا إلى قبر أبي الفضل العبّاس, فجاء بها الإمام زين العابدين عليه السلام حتّى أوقفها على قبر أبي الفضل العبّاس وهو باكي العين قائلاً: عمّه هذا قبر أخيك أبي الفضل رمت بنفسها على القبر منادية: واأخاه وا عبّاساه..
صاحت يالحرم گومن امشنّه
نريده يگوم ويردنه الوطنه لعد اللي تكفلنه امن اهلنه
ما هو اللي جابنه وبينه تكفّل
وجعلت زينب تقوم من قبر وتجلس عند قبر..
لقيم العزا واصبغ اهدومي
وحرّم عليّه طيب نومي سود اعلى اخوتي وروس گومي
أنا الفاگدة وارخص ادمومي
واجتمع إلى أهل البيت نساء أهل السواد, فخرجت زينب في الجمع ونادت بصوت حزين مقرّح للقلوب: وا أخاه, وا حسيناه, وا حبيب رسول الله, وا ابن مكّة ومنى, وا ابن فاطمة الزهراء, وا ابن عليّ المرتضى, آه ثمّ آه..
يَا نَازِلِيْنَ بِكَرْبَلَا هَلْ عِنْدَكُمْ
مَا حَالُ جُثَّةِ مَيِّتٍ فِيْ أَرْضِكُمْ
بِاللهِ هَلْ وَارَيْتُمُوْهَا فِيْ الثَّرَى خَبَرٌ بِقَتْلَانَا وَمَا أَعْلَامُهَا؟
بَقِيَتْ ثَلَاثاً لَا يُزَارُ مَقَامُهَا؟
وَهَلِ اسْتَقَرَّتْ فِي الُّلحُوْدِ رِمَامُهَا؟