|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 76190
|
الإنتساب : Nov 2012
|
المشاركات : 1,222
|
بمعدل : 0.28 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
هامة التطبير
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 18-11-2012 الساعة : 09:16 AM
مع أبيه:
كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يرعى ولده أبا الفضل في طفولته، ويعنى به كأشدّ ما تكون العناية فأفاض عليه مكوّنات نفسه العظيمة العامرة بالإيمان والمثل العليا، وقد توسّم فيه أنه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام، وسيسجّل للمسلمين صفحات مشرقة من العزّة والكرامة.
كان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يوسع العباس تقبيلاً، وقد احتلّ عواطفه وقلبه، ويقول المؤرّخون: إنّه أجلسه في حجره فشمّر العبّاس عن ساعديه، فجعل الإمام يقبّلهما، وهو غارق في البكاء، فبهرت أمّ البنين، وراحت تقول للإمام:
(ما يبكيك؟)
فأجابها الإمام بصوت خافت حزين النبرات:
(نظرت إلى هذين الكفّين، وتذكّرت ما يجري عليهما..)
وسارعت أمّ البنين بلهفة قائلة:
(ماذا يجري عليهما؟)..
فأجابها الإمام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً:
(إنّهما يقطعان من الزند..)
وكانت هذه الكلمات كصاعقة على أمّ البنين، فقد ذاب قلبها، وسارعت وهي مذهولة قائلة:
(لماذا يقطعان؟)..
وأخبرها الإمام (عليه السلام) بأنّهما إنّما يقطعان في نصرة الإسلام والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجهشت أمّ البنين في البكاء، وشاركتها من كانت معها من النساء لوعتها وحزنها(11).
وخلدت أمّ البنين إلى الصبر، وحمدت الله تعالى في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته.
نشأته:
نشأ أبو الفضل العبّاس (عليه السلام) نشأة صالحة كريمة، قلّما يظفر بها إنسان فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الاجتماعية في الأرض، فغذّاه بعلومه وتقواه، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه، وأنموذجاً لمثله، كما غرست أمّه السيّدة فاطمة في نفسه، جميع صفات الفضيلة والكمال، وغذّته بحبّ الخالق العظيم فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته.
ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة، وأسس الآداب الرفيعة، وقد لازم بصورة خاصة أخاه أبا الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) فكان لا يفارقه في حله وترحاله، وقد تأثّر بسلوكه، وانطبعت في قرارة نفسه مثله الكريمة وسجاياه الحميدة حتى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مثله واتجاهاته، وقد أخلص له الإمام الحسين كأعظم ما يكون الإخلاص وقدّمه على جميع أهل بيته لما رأى منه من الودّ الصادق له حتى فداه بنفسه.
إنّ المكونات التربوية الصالحة التي ظفر بها سيّدنا أبو الفضل العبّاس (عليه السلام) قد رفعته إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشرية بما قدّموه لها من التضحيات الهائلة في سبيل قضاياها المصيرية، وإنقاذها من ظلمات الذلّ والعبودية.
لقد نشأ أبوالفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحقّ، ورفع رسالة الإسلام الهادفة إلى تحرير إرادة الإنسان، وبناء مجتمع أفضل تسوده العدالة والمحبة، والإيثار، وقد تأثر العباس بهذه المبادئ العظيمة وناضل في سبيلها كأشدّ ما يكون النضال، فقد غرسها في أعماق نفسه، ودخائل ذاته، أبوه الإمام أمير المؤمنين وأخواه الحسن والحسين(عليهم السلام)، هؤلاء العظام الذين حملوا مشعل الحرية والكرامة، وفتحوا الآفاق المشرقة لجميع شعوب العالم وأمم الأرض من أجل كرامتهم وحرّيتهم، ومن أجل أن تسود العدالة والقيم الكريمة بين الناس.
انطباعات عن شخصيّته:
واحتلّ أبو الفضل (عليه السلام) قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.
وفيما يلي بعض الكلمات القيّمة التي أدلى بها بعض الشخصيات الرفيعة في حقّ أبي الفضل (عليه السلام).
1- الإمام زين العابدين:
أمّا الإمام زين العابدين فهو من المؤسسين للتقوى والفضيلة في الإسلام، وكان هذا الإمام العظيم يترحّم - دوماً - على عمّه العبّاس، ويذكر بمزيد من الإجلال والإكبار تضحياته الهائلة لأخيه الحسين وكان مما قاله في حقّه هذه الكلمات القيّمة:
رحم الله عمّي العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتى قطعت يداه، فأبدله الله بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة..)(12).
وألمّت هذه الكلمات بأبرز ما قام به أبو الفضل من التضحيات تجاه أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد أبدى في سبيله من ضروب الإيثار وصنوف التضحية ما يفوق حدّ الوصف، وما كان به مضرب المثل على امتداد التاريخ، فقد قطعت يداه الكريمتان يوم الطفّ في سبيله، وظلّ يقاوم عنه حتى هوى إلى الأرض صريعاً، وان لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة، فقد منحه من الثواب العظيم، والأجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الإسلام وغيره.
2- الإمام الصادق:
أمّا الإمام الصادق (عليه السلام) فهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دوماً بعمّه العبّاس، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه:
(كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً..)(13).
وتحدّث الإمام الصادق (عليه السلام) عن أنبل الصفات الماثلة عند عمّه العبّاس والتي كانت موضع إعجابه وهي:
أ - نفاذ البصيرة:
أمّا نفاذ البصيرة، فإنها منبعثة من سداد الرأي، وأصالة الفكر، ولا يتّصف بها إلا من صفت ذاته، وخلصت سريرته، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل فقد كان من نفاذ بصيرته، وعمق تفكيره مناصرته ومتابعته لإمام الهدى وسيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد ارتقى بذلك إلى قمّة الشرف والمجد، وخلدت نفسه العظيمة على امتداد التأريخ، فما دامت القيم الإنسانية يخضع لها الإنسان، ويمجّدها فأبو الفضل قد بلغ قمّتها وذروتها.
ب - الصلابة في الإيمان:
والظاهرة الأخرى من صفات أبي الفضل (عليه السلام) هي الصلابة في الإيمان وكان من صلابة إيمانه انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغياً في ذلك الأجر عند الله، ولم يندفع إلى تضحيته بأي دافع من الدوافع المادية، كما أعلن ذلك في رجزه يوم الطفّ، وكان ذلك من أوثق الأدلة على إيمانه.
ج - الجهاد مع الحسين:
وثمّة مكرمة وفضيلة أخرى لبطل كربلاء العباس (عليه السلام) أشاد بها الإمام الصادق (عليه السلام) وهي جهاده المشرق بين يدي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنّة، ويعتبر الجهاد في سبيله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل، وقد أبلى بلاءً حسناً يوم الطفّ لم يشاهد مثله في دنيا البطولات.
د - زيارة الإمام الصادق:
وزار الإمام الصادق (عليه السلام) أرض الشهادة والفداء كربلاء، وبعدما انتهى من زيارة الإمام الحسين وأهل بيته والمجتبين من أصحابه، انطلق بشوق إلى زيارة قبر عمّه العبّاس، ووقف على المرقد المعظّم، وزاره بالزيارة التالية التي تنمّ عن سموّ منزلة العبّاس، وعظيم مكانته، وقد استهلّ زيارته بقوله:
(سلام الله، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين..).
لقد استقبل الإمام الصادق عمّه العباس بهذه الكلمات الحافلة بجميع معاني الإجلال والتعظيم، فقد رفع له تحيات من الله وسلام ملائكته، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، والشهداء، والصدّيقين، وهي أندى وأزكى تحيّة رفعت له، ويمضي سليل النبوّة الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته قائلاً:
(وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحة لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم..)
وأضفى الإمام الصادق (عليه السلام) بهذا المقطع أوسمة رفيعة على عمّه العباس هي من أجلّ وأسمى الأوسمة التي تضفى على الشهداء العظام، وهي:
أ- التسليم:
وسلّم العباس (عليه السلام) لأخيه سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) جميع أموره، وتابعه في جميع قضاياه حتّى استشهد في سبيله، وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الإيمان الوثيق بالله تعالى، وعلى أصالة الرأي وسلامة القصد، والإخلاص في النيّة.
ب - التصديق:
وصدّق العبّاس (عليه السلام) أخاه ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع اتجاهاته، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته، وأنّه على الحق، وأن مَن نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.
ج - الوفاء:
من الصفات الكريمة التي أضافها الإمام الصادق (عليه السلام) على عمّه أبي الفضل (عليه السلام)، الوفاء فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة، ولم يفارقه حتى قطعت يداه، واستشهد في سبيله.
لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصراً من عناصر أبي الفضل وذاتياً من ذاتياته، فقد خلق للوفاء والبرّ للقريب والبعيد.
د - النصيحة:
وشهد الإمام الصادق بنصيحة عمّه العبّاس لأخيه سيّد الشهداء (عليه السلام)، فقد أخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيراً في جميع فترات التاريخ… ولننظر إلى بند آخر من بنود هذه الزيارة الكريمة، يقول (عليه السلام):
(فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار...).
وحوى هذا المقطع على إكبار الإمام الصادق (عليه السلام) لعمّه العبّاس وذلك لما قدّمه من الخدمات العظيمة، والتضحيات الهائلة لسيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام) فقد فداه بروحه، ووقاه بمهجته، وصبر على ما لاقاه في سبيله من المحن والشدائد مبتغياً في ذلك الأجر عند الله، فجزاه الله عن نبيّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وعن باب مدينته الإمام أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء على عظيم تضحياته.
ويستمرّ مجدّد الإسلام الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لعمّه العبّاس، فيذكر صفاته الكريمة، وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى، فيقول بعد السلام عليه:
(أَشهد، وأُشْهِد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأكثر الجزاء وأوفر الجزاء وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره...).
لقد شهد الإمام الصادق - العقل المفكّر والمبدع في الإسلام وأشهد الله تعالى على ما يقول: من أنّ عمّه أبا الفضل العبّاس (عليه السلام) قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام)، على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله فهم الذين كتبوا النصر للإسلام، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الأرض وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم، ويقين من عدالة قضيّتهم، وكذلك سار أبو الفضل العبّاس على هذا الخطّ المشرق، فقد استشهد لإنقاذ الإسلام من محنته الحازبة، فقد حاول صعلوك بني أميّة حفيد أبي سفيان أن يمحو كلمة الله، ويلف لواء الإسلام، ويعيد الناس لجاهليتهم الأولى، فثار أبو الفضل بقيادة أخيه أبي الأحرار في وجه الطاغية السفّاك، وتحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الإسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه.
ويستمرّ الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لعمّه العباس فيسجّل ما يحمله من إكبار وتعظيم، فيقول:
(أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبيّين، والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيّين، فجمع الله بيننا، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فإنّه أرحم الراحمين..)(14).
ويلمس في هذه البنود الأخيرة من الزيارة مدى أهميّة العبّاس، وسموّ مكانته عند إمام الهدى الإمام الصادق (عليه السلام)، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم من خالص النصيحة، وعظيم التضحيّة لريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام)، كما دعا الإمام له ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلا الأنبياء، وأوصيائهم، ومن امتحن الله قلبه للإيمان.
3- الإمام الحجة:
وأدلى الإمام المصلح العظيم بقيّة الله في الأرض قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله) بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس (عليه السلام) جاء فيها:
(السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي..)(15).
وأشاد بقيّة الله في الأرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان، وهي:
1- مواساته لأخيه سيّد الشهداء (عليه السلام)، فقد واساه في أحلك الظروف، وأشدّها محنة وقسوة، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.
2- تقديمه أفضل الزاد لآخرته، وذلك بتقواه، وشدّة تحرّجه في الدين، ونصرته لإمام الهدى.
3- تقديم نفسه، وأخوته، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عليه السلام).
4- وقايته لأخيه المظلوم بمهجته.
5- سعيه لأخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّ (صلى الله عليه وآله).
4- الشعراء:
وهام الأحرار من شعراء أهل البيت(عليهم السلام) بشخصية أبي الفضل التي بلغت قمّة الشرف والمجد، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الأمّة الإسلامية، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة، فيما يلي بعضهم:
1- الكُمْيت:
أمّا شاعر الإسلام الأكبر الكُمْيت الأسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:
وأبـو الفــضل إنّ ذكـرهم الحلو شفاء النفوس من أسقام(16)
إنّ ذكر أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وسائر أهل البيت(عليهم السلام) حلو عند كل شريف لأنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور، وسائر الأمراض النفسية.
2- الفضل بن محمد:
من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضل (عليه السلام) هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس فقد قال:
إنـــــي لأذكـــــر لـــــلعبّاس مـوقفه بكربــــلاء وهــــام الــقوم يختطف
يـــحمي الحسين ويحميه على ظمأٍ ولا يـــــولّي ولا يــــثني فــــيختلف
ولا أرى مشـــــهداً يـــوماً كمشهده مع الحسين عليه الفضل والشرف
أكــــرم بـــــه مشهداً بانت فضيلته وما أضــــاع لـه أفعاله خلف(17)
وصوّرت هذه الأبيات شجاعة أبي الفضل (عليه السلام) وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الأحرار، ووقايته له بمهجته، وسقايته له ولأفراد عائلته وأطفاله بالماء، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبد الله (عليه السلام) … وقد استولت مواقف أبي الفضل على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه، وكان من رثائه له هذه الأبيات الرقيقة:
أحــــق الــــناس أن يبكى عليه فـــتى أبـــكى الحسين بكربلاء
أخـــــوه وابــــن والــــــده علي أبو الفــــضل المضرّج بالدماء
ومــــن واســــاه لا يثنيه شيء وجادله على عطش بماء(18)
نعم إن أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبو الفضل رمز الإباء والفضيلة، فقد رزأ الإمام الحسين (عليه السلام) بمصرعه، وبكاه أمرّ البكاء لأنّه فقد بمصرعه أبرّ الإخوان، وأعطفهم عليه.
3- السيّد راضي القزويني:
وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضل (عليه السلام) قال:
أبـــا الفضل يا من أسس الفضل والإبا أبى الفــــــضل إلا أن تــــكون لــــه أبا
تطلـــــبت أســـــباب العــــلى فبــلغـتها وما كـــــل ســـــاع بـــــالغ مــــا تـطلبا
ودون احتـــــمال الضــــــيم عـزّ ومنعة تخـــــيرت أطـــــراف الأســـــنّة مركبا
إنّ أبا الفضل من المؤسسين للفضل والإباء في دنيا العرب والإسلام فقد سما إلى طرق المجد، وأسباب العلى، فبلغ قمّتها، وقد تخير أطراف الأسنّة والرماح حتى لا يناله ذلّ، ولا ضيم.
4 - محمد رضا الأزري:
وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الأزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم، والتي احتلت عواطف الأحرار ومشاعرهم يقول:
فانهض إلى الذكــر الجميل مشمّراً فالذكر أبــــقى مـــا اقــتنته كرامها
أومـــــا أتـــاك حـــديث وقعة كربلا أنّى وقــــد بـــلغ الســــماء قـتامها
يــوم أبو الفضل استجار به الهدى والشـــمس من كدر العجاج لثامها
ودعا الأزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الإنسان فإنه أبقى، وأخلد له، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) الذي استجار به سبط النبيّ (صلى الله عليه وآله) وريحانته، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لأخيه، يقول الأزري:
فحمى عــــرينته ودمـــدم دونــــــها ويذب مـن دون الشرى ضرغامها
والبيض فوق البيض تحسب وقعها زجل الـــرعود إذا اكفــهرّ غمامها
مـــن بــاسل يلـــقى الكتــيبة باسماً والشـــوس يرشــح بالمنية هامها
واشـــــم لا يــــحتل دار هـــضـــيمة أو يســــتقلّ عــلى النجوم رغامها
أولــــم تـــــكن تــــدري قــريش أنّه طــــلاع كـــل ثــــنية مقــــدامــــها
وهذه الأبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل، فقد صوّرت بسالته، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الأحرار فقد انبرى كالأسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملأت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية، وقد انطلق أبو الفضل باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أولئك الأوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة أن أبا الفضل طلاع كل ثنية، وأنه ابن من أرغمها على الإسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.
ونختم الموضوع بابيات ملا عطيه الجمري بلقصيده التي ادمت اعيون الزهراء البتول
وين الكفين ... يسردال الحرب ... وين الكفين ؟
إلى آخر القصيده على العباس بطل العلقمي.
|
|
|
|
|