عابر حياة - على طريقة «جوردان» خطوة خطوة
ثريا الشهري
يقول أسطورة كرة السلة الأميركية السابق مايكل جوردان: «لم أحقق شيئاً إلا وقسمته إلى خطوات. وكلما انتهيت من خطوة انتقلت منها إلى الأخرى... وهكذا إلى أن يتحقق هدفي. ومن بعده أبدأ بالتخطيط لهدف غيره. ذلك أنني في كل مرحلة أستطيع أن أنهيها بنجاح إنما يمنحني ذلك ثقة أكبر لأتقدم إلى المرحلة التالية. فإذا أنت لم تسلك هذا الطريق فكيف ستبني ثقتك بنفسك وبقدرتك؟ بل إنك إن لم تفعل فإنك عندها ستكون عرضة لإحباط يجوز أن يهاجمك عند فشلك في تحقيق الخطوات الكبيرة التي قد لا تتناسب مع قدرتك وحجم هدفك. فهب أنك فعلتها ومع ذلك لم تصل إلى غرضك كما تمنيته وخططت من أجله.
فلا بأس! ذلك أنك حتماً ستكون قد أنجزت في الطريق بعض الخطوات المهمة، عدا عن معرفتك الجديدة التي تكون قد اكتسبتها. فليس مقدراً لكل إنسان أن يكون الأفضل، ولكن الأكيد أنه سيكون من ضمن الأفضل. وهذا بذاته نجاح لا يُستهان به، ولا ينبغي أن يُستهان به».
أسلوب مايكل ليس اختراعاً كما نرى! ولكن النفس الطويل هو ما يميّز جوردان والـ»مجموعة» الذي ينتمي إليها من كان على شاكلته. فهذه الخطوات المقسّمة غني عن القول إنها لا تمر بسلام إن حاول المرء تخطيها. بل إن فيها من العراقيل والتحديات ما يجبر الإنسان أحياناً على اليأس من بلوغ النتيجة المرجوة... يأس قد يوقف المحاولات عند حد معيّن. أم كيف خُلِق عدم المساواة؟ فمن انتهى شوطه في أوله، ومن آخر في منتصفه، إلى ثالث حتى خط النهاية. ولذلك يعترف جوردان بأنه أبداً لم يسمح للتفكير السلبي أن يؤخّره. فإن عزم على القفز في الماء، فسيفعل وهو مصمم على النجاة. أمّا مقولة نعم سأقفز ولكنني قد أغرق فليست له ولا تليق باستعداده النفسي. باختصار، إنه الخوف الذي يشلّ الحركة ويعطلها وربما يلغيها... الخوف من الفشل والإحراج والوضع النفسي المتأزم. هذا الخوف هو السراب بعينه. تحسبه شيئاً وهو لا شيء، ولكن فقط إذا واجهته. فطالما أنك بعيد عنه، ستحسبه شيئاً. وفي الواقع لا شيء هناك سوى فرص تنتظر أداءك وإشغال عقلك. فمن المسؤول عن التأخير الآن؟
إن كنت موظفاً وطلب منك أن تقدِّم عرضك، فقمت بكل ما يمكنك من حسن إعداد وشرح وتقديم، عقبها تكون النتيجة بيد من سيعجبهم عملك وهذا ما لا حيلة لك به. فإن حصل ورُفض عرضك فعزاؤك أنك حاولت. وهذا بالضبط ما حاول جوردان أن يوصله إلى جمهوره. فعدم التوفيق قدر لا بد من أن يمر بحياة الإنسان. وهو عن نفسه متقبله إن تعرّض له، ولكنه أبداً لن يقبل ألا يحاول بينما هو يستطيع المحاولة. وبصرف النظر عن النتيجة طالما أنه بذل كل ما في وسعه.
فهل لهذا اللاعب الأسطورة من سر؟ «ولا سر ولا حاجة». كل الحكاية كما لخصها جوردان أنه يفضِّل أن يلعب مع خمسة لاعبين بموهبة أقل، ولكن بإيمان أكبر بقيمة اللعب كالفريق الواحد، على أن يلعب مع خمسة لاعبين ليس لديهم استعداد للتضحية ضمن الفريق الواحد لإحساسهم بنجوميتهم المتّقدة كأفراد. ذلك أن النجومية قد تفوز بالمباراة هذا صحيح، ولكن عمل الفريق الواحد إنما يحصد البطولة كلها.
خطران يواجهان اللاعب، تخليه عن روح الانضباط التي يجب أن يتحلى بها سواء كان في الملعب أم خارجه. لأن اللاعب المتهاون في أساسيات الالتزام في حياته، الأكيد أنه سيعيش انفصالاً لن يساعده في بلوغ قمته. والخطر الثاني ويتمثل في عشق اللاعب للتبجيل الآني. ففي سبيل تلك اللحظات البراقة قد يتناسى ما هو أهم! سواء كان «تكتيكاً» أنسب، أم أخلاق عمل أرقى، أو ترتيباً عقلياً أذكى. وما ينطبق على اللاعب ينسحب على «غيره» في «مجالات أخرى».
هذا التناسي الأحمق سينزل بصاحبه ولن يرفعه. وبالحديث عن انضباطات لاعبيهم فماذا عن لاعبينا؟
فهل دربوا مثلاً على قيم الالتزام والمسؤولية تجاه أنفسهم وجماهيرهم؟!
ولكن لِمَ نلومهم وهم جزء من نسيج الفوضى وانفصام المجتمع؟!