لاَ تَغْدِرَنَّ : بِذِمَّتِكَ .
وَلاَ تَخِيسَنَّ : بَعَهْدِكَ .
وَلاَ تَخْتِلَنَّ : عَدُوَّكَ .
شرح الحديث :
لوحة حسنة المنظر والمعنى جميلة : وذمتي على ما أقول رهينة . وقولي أنا به زعيم ، لأن الغدر من شيم اللئيم ، والوفاء من خصال الكريم ، فمن أتخذ على نفسه عهدا يجب عليه الوفاء به ، ولا ينكل عنه ، فإن ذمة الإنسان وحرمة قوله وضمانه هي مقدار قيمته وشأنه ، فلا يحق له أن يغدر وينكث عهد فيخيس به وينقضه ، وبخصوص بعد أن التزم به وأعطى ميثاقه ، والناس وثقت به و أطمئنت له ، فإن الله لا يحب من يقول ما لا يفعل .
ثم ليس من العقل : ولا من الحنكة ، أن يختلي إنسان بعدوه ، فإن العدو يتحين الفرص ليجعل لمن يعاديه غصة ، فكيف تختلي به وتأتمنه وبمراده تخصه ، بل يجب على الفطن حين يجالس عدوه أن يحذره ، وهذا معنى كريم إمامنا به لمن يلاقي عدوه ينذره.
ويا أخوتي الطيبين : قبل أن نشرح هذا الحديث بمعنى أوسع نذكر قصته ونصه ، فإنه يشرح نفسه ويعرف أسه ، ونتعرف به على معاني كريمة ترينا أصله .
فتدبروا به يا أخوتي الطيبين : فإنه بيان من أمير المؤمنين ومولى الموحدين ، وفيه وصاية عالية المعاني ، راقية الحقوق والمباني ، حتى لقد ذكروا أنه تمام العهد أوصي لأن يكون ميثاقا يرعى في حقوق الأمم المتحدة ، وهذا قسم من كل الكتاب فيه نص يتقدم ويتأخر على نص اللوحة ، فيشرح معناها ، فتأمله بطيب نفس وتحققه ، لأنه وصية حق وكلام إمام الخلق فصدقه ، وأنه من جوامع الكلم التي تعرف خلق الدين وما يجب عليه أن يكون من الآداب كل المسلمين ، وبالخصوص المؤمنين والموقنين .
قال أمير المؤمنين ومولى الموحدين في عهده الذي كتبه لمالك الأشتر حين ولاه مصر ، والكتاب طويل ومنه .... :
وَ لَا تَدْفَعَنَّ صُلْحاً : دَعَاكَ إِلَيْهِ عَدُوُّكَ و لِلَّهِ فِيهِ رِضًا .
فَإِنَّ فِي الصُّلْحِ : دَعَةً لِجُنُودِكَ ، وَ رَاحَةً مِنْ هُمُومِكَ ، وَ أَمْناً لِبِلَادِكَ .
وَ لَكِنِ الْحَذَرَ : كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّكَ بَعْدَ صُلْحِهِ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ رُبَّمَا قَارَبَ لِيَتَغَفَّلَ .
فَخُذْ بِالْحَزْمِ : وَ اتَّهِمْ فِي ذَلِكَ حُسْنَ الظَّنِّ .
وَ إِنْ عَقَدْتَ : بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً ، أَوْ أَلْبَسْتَهُ مِنْكَ ذِمَّةً .
فَحُطْ : عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ .
وَ ارْعَ ذِمَّتَكَ : بِالْأَمَانَةِ .
وَ اجْعَلْ نَفْسَكَ : جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ .
فَإِنَّهُ لَيْسَ : مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ ، شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً ، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَ تَشَتُّتِ آرَائِهِمْ ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ ، وَ قَدْ لَزِمَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ .
فَلَا تَغْدِرَنَّ : بِذِمَّتِكَ .
وَ لَا تَخِيسَنَّ : بِعَهْدِكَ .
وَ لَا تَخْتِلَنَّ : عَدُوَّكَ .
فَإِنَّهُ لَا يَجْتَرِئُ : عَلَى اللَّهِ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ .
وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ : عَهْدَهُ وَ ذِمَّتَهُ ، أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ ، وَ حَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ ، وَ يَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ .
فَلَا إِدْغَالَ : وَ لَا مُدَالَسَةَ ، وَ لَا خِدَاعَ فِيهِ .
وَ لَا تَعْقِدْ عَقْداً : تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ ، وَ لَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لَحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ وَ التَّوْثِقَةِ .
وَ لَا يَدْعُوَنَّكَ : ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيهِ عَهْدُ اللَّهِ ، إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ .
فَإِنَّ صَبْرَكَ : عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَهُ ، وَ فَضْلَ عَاقِبَتِهِ ، خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَهُ ، وَ أَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللَّهِ فِيهِ طِلْبَةٌ ، لَا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ وَ لَا آخِرَتَكَ .
نهج البلاغة ص441كتاب53 .
++++
يا طيب : كلام الإمام عليه السلام في اللوحة كما عرفت ، هو من كلام كثير فيه وصايا قيمة ، وكلمات جامعة ، تعرف حق الحاكم والمحكوم ، وما جيب على الوالي في ولايته حتى لا يكون ملموم ، فهو دستور دين ، وقانون عمل ، وبيان حقوق ، ووثيقة أخلاق ، وعهود الآداب الإسلامية الحقة ، وما يجب أن يتصف به ولاة المسلمين من الصفات النبيلة ، والأخلاق الكريمة الحسنة .
ولكن لا حياة لمن تنادي : غدروا بأمير المؤمنين نفسه ، وخاسوا ففسدوا أفسدوا ، وكذبوا ونقضوا عهده ، ومع ما حذر أغتاله عدوه ، فما أقساهم وأضل قلوبهم ، وأشنع فعلهم ، وهو ومولى الموحدين ، والمصطفى المختار من رب العالمين بعد سيد المرسلين ، ولا يحق لهم مخالفته بكلمة ، فضلا عن محاربته .
ولكن : للأسف : حرموا العباد نوره ، وضيعوا هداه ، فضلوا عن الصراط المستقيم للمنعم عليهم ، فعلى من قتله وقاتله وحرمه حقه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم : فإنهم في مدينة الرسول والرهط الأول من الصحابة وأول المسلمين ، مع نبي الرحمة هاجروا وجاهدوا ولكن من أجل الدنيا بعد الني انقلبوا ، فعرفنا حالهم وخروجهم ، على أفضل خلق الله وسيد الأبرار والأوصياء ، أنهم بحق كان في قلوبهم مرض ، وبأقل زلزلة وبأبسط فتنه زلوا ، وفي الاختبار الإلهي هووا فلم ينجحوا ، فخسروا الدنيا والآخرة .
لأنه بعد ما بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام : غدروا وخفروا ذممهم ، وباعوا وجدانهم وهدموا إيمانهم ، فنقضوا بيعته وتنكروا لولايته ، وخاسوا بذمتهم ونكسوا عن حقه عليهم ، فصاروا أعدائه ، وحاربوه في الجمل وصفين والنهروان ، وهو أحق الخلق بخلافة رسول الله وولاية الله على المؤمنين .
{ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ( 46) } الحج .
فإنه عليه السلام في ضمن وصيته لمالك الأشتر حين ولاه مصر وهو :
كلام الإمام روحي له الفداء : يعصر القلب ، ويدمع العين ، ويحزن النفس.
فإنه كلام ووصية : عن تجربة حكمية تجرعها ، سقاها له ممن عاش معهم سينين ، وهم حول رسول الله معه وكلا على شاكلته ، فغصصوه بعده بجرع مره ، وأنالوه أهات في أعلى حسرة .
نعم يقول عليه السلام : راجع ما ذكرنا من كلامه ، إذا عقدت مع عدوك عهد ، فضلا عن صديقك ومن عليه حق الله عليك ، وصار بينكم عقد ، فإنه ستلبس لباس الذمة ، وهي أنك اتخذت على نفسك حرمة القول ، وبالخصوص أنك مؤمن مسلم ، والله سبحانه لا يحب نقض العهد ، والقول بلا عمل ، فضلا من أن تخالف وتعتدي على من عاهدته ، ولقد قال الله تعالى :
{ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } الصف .
فإن عن تجربة الإمام يوصي ويعلم : فضلا عن كونه علم إلهي ، ومن آداب دنيه ، فإنه يعرف حقيقة معنى ما يلفظ بكل وجوده ، ولذا بينه بأعلى كلام وأفضل أسلوب ، فإنهم :
ألم يبايعوه : في غدير خم ، بل وفي غيره من المواقف :
أنظر كتاب الغدير : تعرف فيه حقائق كريمة وكبيرة في بيعتهم له وعهدهم له ، وأنهم صفقوا على يده بعد أجلس النبي الأكرم سيد المرسلين بأمر رب العالمين الإمام علي في خيمة على كرسي ومد يده .
وأمر سيد الأنبياء والمرسلين : بأمر الله له ، كل المسلمين ، أن دخلوا الخيمة ، ويبايعوه ويعاهدوه على أنه ولي لهم بأمر الله سبحانه .
وكل المسلمين : بل والمنافقين دخل الخيمة وبايعه ، سواء من ثبت معه ، أو ممن قاتله وأقصاه عن حكومة المسلمين ، وخلافة الله في أرضه لعباده بعد سيد المرسلين .
فكانوا / يدخلون عليه ويبايعوه ، وقال بعضهم : بعدما صفق يد أمير المؤمنين وبايعه وأعطاه عهده :
بخ بخ : لك يا علي ، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة .
فأي عهد وعقد وبيعة : أعلى من هذه ، وهي بأمر رب العالمين وبتأييد وإشراف سيد المرسلين ، ولكن حقا فإن الله سبحانه يعلم حقائقهم ، ولذا خاطبهم ، وعرفهم أحوالهم فقال :
{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ
انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ
فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا
وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران144) } .
والناس : يسمي من أنقلب على أمير المؤمن ، ومن غدر وخفر ذمته وما ألزم به نفسه بقوله ، وعاهد ربه به بقلبه وإيمانه ، فنقض عهده.
نعم يسموهم : المبشرون بالجنة .
والله سبحانه : عرف الأبرار ممن يدخل الجنة ، أنه يجب أن يوفي بعهده مهما كان ، أسمع قوله تعالى :
{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ
مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ
إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) } البقرة .
ولكنهم : نقضوا عهدهم ، وخفروا ذمتهم ، وتركوا ولم يلتزموا بما ضمنوا على أنفسهم ، ونقضوا عدهم وما عاهدوا الله ورسوله عليه ، فالويل لهم .
ويا طيب : لو تراجع كتاب الله وتأريخ الإسلام ، فإنك سترى أنه أنزل الله في علي بن أبي طالب .
أنه قد أوفى بعهده : وصدقه الله ، وما أكثر ما صدقه الله في كتابه ، في عدة آيات في سورة التوبة ، وفي آية المباهلة ، والتصدق باليل والنهار وسرا وعلنا ، والتصدق بالخاتم ، ويشرون أنفسهم في مرضاة الله حين المبيت ، وفي آيات الدار من قبل ، والكثير ليس محل ذكرها هنا .
ولكن يا أخوتي : هذه آية من كلام الله تذكر العهد نصا ، قال سبحانه في يوم الخندق في حرب الأحزاب .
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ( 23)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24) } الأحزاب .
وراجع يا أخي : تفسير الآية في كل التفاسير وشأن نزولها ، فإنه قال أمير المؤمنين في شأن نزولها :
لمن سأله : عن سبب سكوته عمن تقدمه ونقض عهده وغصب حقه ، في حديث طويل .. منه :
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
فقد علم : من حضر ممن ترى ، و من غاب من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
أن الموت عندي : بمنزلة الشربة الباردة ، في اليوم الشديد الحر ، من ذي العطش الصدى .
و لقد كنت : عاهدت الله و رسوله :
أنا : و عمي حمزة ، و أخي جعفر ، و ابن عمي عبيدة ، على أمر .
وفينا به : لله و لرسوله .
فتقدمني : أصحابي .
و تخلفت بعدهم : لما أراد الله عز و جل ، فأنزل الله فينا :
{ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ
صَدَقُوا
ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } .
فمن قضى نحبه : حمزة و عبيدة و جعفر .
و أنا : المنتظر .
.. و ما بدلت تبديلا .
الاختصاص ص164 .
فأين يا أخوتي : أئمة من يعيب الشيعة ويتنكر لفضل آل محمد من أئمتنا ، وأين أولياءه من أولياءنا ، وأين سادتهم من سادتنا .
فإن أئمتهم : لا حياء لهم ، يغدرون ، ويكذبون ، ويخفرون الذمة ، ولم يلتزموا بما ضمنوا على أنفسهم لله ورسوله ، ويكذبون فيخيسون العهود ويفسدونها وينقضوها ، ولم يفوا بها ولم يراعوا حرمة الله وما أعطوه من العهد .
فإنهم في بيعتهم : لأمير المؤمنين أمام رسول الله بيعة لله سبحانه ، وقد قال لمثل هذا سبحانه :
{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ
إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ
وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10) } الفتح.
والله إن البيعة : عام صلح الحديبية ، وعام غدير خم ، هي واحدة بيعة لله ، فمن لم يفي بها فقد خاس وغدر ونكث وفسد ونقض .
وإن أمير المؤمنين عليه السلام : وكل من وفى له بحقه ، ولو بعد ألف عام ، بل بعد ملايين السنين ، وقبل ما عهد الله إليه من ولايته ، لكان هو بحق ممن لم يبدل تبديلا وصدق بعده مع الله ورسوله ووليه .
ولهذا يا أخوتي : إن أمير المؤمنين عليه السلام يوصي بوجوب الوفاء بالعهد ، وأن يلتزم المؤمن بالذمة ويرعها لمن نلتزم له بقول .
يعلمنا عليه السلام : بحرقة حرمة الغدر ، وخفر الذمة وتركها وعدم التمسك بها ، لأنه عرفت آثارها ، وأنه تسلط أئمة الضلال ، وتجعل الناس في اختلاف ، ويتسلط من يمكر .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم :
فإنهم يا طيب : ليس فقط نقضوا العهود وخفروا الذمم غدرا ، بل عادوه ، ولم يختلي بهم ولكنهم هجموا على بيته وأخرجوه ، واعتدوا على بنت رسول الله وأسقطوها جنينها ، فما أشرهم وأقبح فعلهم وضلالهم عنه ، حسبهم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأسأل الله لي ولكم يا طيبين : أن يجعلنا ممن لم نبدل ولم نغير ، ونفي لله بعهده وميثاقه ، بقبول من اصطفاهم وأختارهم واجتباهم وعرفهم بكل سبيل فجعلهم أئمة وولاة ، ومعلمين حق لكل نعيم ، ويقودنا بهدى صدق لكل حق وعهد لله ، فيسيروا بنا ويوصلونا لرضا الله وعبوديته ودينه بصراط مستقيم ، فإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
++++
ويا أخوتي الكرام : لكي نعرف ما ضيع من خالف أمير المؤمنين ، من العهود والمواثيق والذمم ، وما نكثوا وغيروا وبدلوا من القول ، نذكر مختصر قصة يوم غدير خم :
عن شهر بن حوشب : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة ، كتب الله له صيام ستين شهرا .
و هو يوم غدير خم : لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي .
فقال : أ لست ولي المؤمنين ؟
قالوا : بلى يا رسول الله .
فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .
فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ، و مولى كل مؤمن .
و أنزل الله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3)} المائدة .
شواهد التنزيل ج1ص203ح 213 .
وقال المرحوم الطريحي في مجمع البحرين :
غدر : قوله تعالى : { فحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا } .
أي لم نبق " منهم أحدا ، و منه سمي الغدير : لأنه ماء تغادره السيول ، أي تخلعه ...
و يوم الغدير : هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة، و هو اليوم الذي نصب به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام خليفة ، بحضرة الجمع الكثير من الناس
حيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه .
وقال قال الغزالي : و هو من أكابر علماء القوم ، في كتابه المسمى بسر العالمين ، ما هذا لفظه :
قال رسول الله : لعلي ، يوم الغدير : من كنت مولاه فعلي مولاه .
فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ يا أبا الحسن ، لقد أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة .
ثم قال: و هذا رضى ، و تسليم ، و ولاية ، و تحكيم .
ثم بعد ذلك : غلب الهوى ، و حب الرئاسة ، و عقود البنود ، و خفقان الرايات ، و ازدحام الخيول ، و فتح الأمصار ، و الأمر و النهي .
فحملتهم : على الخلاف ، فنبذوه وراء ظهورهم ، و اشتروا به ثمنا قليلا ، فبئس ما يشترون... .
إلى أن قال : ثم إن أبا بكر ، قال على منبر رسول الله :
ثم إن أبا بكر قال على منبر رسول الله ص: أقيلوني فلست بخيركم ، و علي فيكم .
أ فقال ذلك : هزءا ، أو جدا ، أو امتحانا.
فإن كان : هزءا ، فالخلفاء لا يليق بهم الهزل ....
ثم قال: و العجب من منازعة معاوية بن أبي سفيان عليا في الخلافة ، أين و من أين .
أ ليس رسول الله : قطع طمع من طمع فيها .
بقوله : إذا ولي الخليفتان فاقتلوا الأخير منهما :
و العجب من حق واحد كيف ينقسم بين اثنين، و الخلافة ليست بجسم و لا عرض فتتجزأ .انتهى كلامه .
مجمع البحرين ج3ص420 .
وعن صباح المزني : عن جابر عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :
لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بيد علي عليه السلام يوم الغدير .
صرخ إبليس : في جنوده صرخة ، فلم يبق منهم أحد في بر و لا بحر إلا أتاه .
فقالوا : يا سيدهم و مولاهم ، ما ذا دهاك ، فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه .
فقال لهم : فعل هذا النبي فعلا إن تم ، لم يعص الله أبدا .
فقالوا : يا سيدهم ، أنت كنت لآدم .
فلما قال المنافقون : { إنه ينطق عن الهوى } .
و قال أحدهما لصاحبه : أ ما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون ، يعنون رسول الله .
صرخ إبليس : صرخة بطرب ، فجمع أولياءه .
فقال : أ ما علمتم أني كنت لآدم من قبل . قالوا : نعم .
قال : آدم نقض العهد و لم يكفر بالرب ، و هؤلاء نقضوا العهد و كفروا بالرسول .
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و أقام الناس غير علي .
لبس إبليس : تاج الملك ، و نصب منبرا، و قعد في الوثبة ، و جمع خيله و رجله .
ثم قال لهم : اطربوا ، لا يطاع الله حتى يقوم الإمام .
و تلا أبو جعفر الباقر عليه السلام : { و لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين } .
قال أبو جعفر عليه السلام : كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله ، و الظن من إبليس ، حين قالوا لرسول الله :{ إنه ينطق عن الهوى } ، فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه .
الكافي ج8ص344ح542 .
وهذا الحديث الغدير : وهذا بيان لغدرهم في الشعر ونكثهم ونقضهم لعهدهم ممن خالف أمير المؤمنين عليه السلام ، وما يجب الوفاء به لآل محمد عليهم من المؤمنين :
قال الإمام الصادق عليه السلام :نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين .
و ما أعطي : أمير المؤمنين حقه ، بشهادة عشرة آلاف نفس يعني الغدير .
و الغدير : في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة ، و على أربعة أميال من الجحفة ، عند شجرات خمس دوحات عظام .
أنشد الكميت عند الإمام الباقر عليه السلام :
و يوم الدوح دوح غدير خم _ أبان له الولاية لو أطيعا
و لكن الرجال تبايعوها _ فلم أر مثلها خطرا منيعا
و لم أر مثل هذا اليوم يوما _ و لم أر مثله حقا أضيعا
فلم أقصد بهم لعنا و لكن _ أساء بذاك أولهم صنعا
فصار لذاك أقربهم لعدل _ إلى جور و أقربهم مضيعا
أضاعوا أمر قائدهم فضلوا _ و أقربهم لدى الحدثان ريعا
تناسوا حقه فبغوا عليه _ بلا ترة و كان لهم قريعا
وقال مهيار الديلمي رحمه الله :
و أسألهم يوم خم بعد ما عقدوا _ له الولاية لم خانوا و لم خلعوا
قول صحيح و نيات بها دغل _ لا ينفع السيف صقل تحته طبع
إنكارهم بأمير المؤمنين لها _ بعد اعترافهم عادية ادرعوا
و نكثهم يك ميلا عن وصيته _ شرع لعمرك ثان بعده شرعوا
المناقب ج3ص27.
وقال السيد الحميري رحمه الله في إحدى و عشرين موضعا من شعره و منها :
قد قال يوم الدوح خير الورى _ بوجهه للناس مستقبل
من كنت مولاه فهذا له _ مولى فلم يرضوا و لم يقبلوا
لكن تواصوا لعلي الهدى _ أن لا يوالوه و أن يخذلوا
و قال أبو نواس رحمه الله :
قام النبي بها يوم الغدير لهم _ و الله يشهد و الأملاك و الأمم
حتى إذا أنكر الشيخان صاحبها _ باتت تنازعها الذئبان و الرخم
و صيرت بينهم شورى كأنهم _ لا يعلمون ولاة الأمر أين هم
تالله ما جهل الأقوام موضعها _ لكنهم ستروا وجه الذي علموا
الصراط المستقيم ج1ص312 .
وقال ابن طوطي رحمه الله :
و يوم غدير قد أقروا بفضله _ و في كل وقت منهم الغدر أضمروا
أرى دوح خم و النبي محمد _ ينادي بأعلى الصوت منهم و يجهر
أ لست إذن أولى بكم من نفوسكم _ فقالوا بلى و القوم في الجمع حضر
فقال لهم من كنت مولاه منكم _ فمولاه بعدي حيدر المتخير
فوال مواليه و عاد عدوه _ أيا رب و انصره لمن ظل ينصر
فلما مضى الهادي لحال سبيله _ أبانوا له الغدر القبيح و أظهروا
وقعة صفين ص550 .
ولكي نعرف الحق ونؤمن به ونثبت عليه : أذكر بعض الأبيات الكريمة ، والتي يجب الإيمان بمضمونها الحق :
الصاحب بن عباد رحمه الله :
و قالوا عليا علا قلت لا _ فإن العلى بعلي علا
و ما قلت فيه بقول الغلاة _ و لا كنت أحسبه مرسلا
و لكن أقول بقول النبي _ و قد جمع الخلق كل الملا
ألا إن من كنت مولى له _ يوالي عليا و إلا فلا
الصراط المستقيم ج1ص311 .
وقال ابن الرومي رحمه الله :
يا هند لم أعشق و مثلي لا يرى _ عشق النساء ديانة و تحرجا
لكن حبي للوصي مخيم _ في الصدر يسرج في الفؤاد تولجا
فهو السراج المستنير و من به _ سبب النجاة من العذاب لمن نجا
و إذا تركت له المحبة لم أجد _ يوم القيامة من ذنوبي مخرجا
قل لي أ أترك مستقيم طريقه _ جهلا و أتبع الطريق الأعوجا
و أراه كالتبر المصفى جوهرا _ و أرى سواه لناقديه مبهرجا
و محله من كل فضل بين _ عال محل الشمس أو بدر الدجى
قال النبي له مقالا لم يكن _ يوم الغدير لسامعيه بمجمجا
من كنت مولاه فذا مولى له _ مثلي و أصبح بالفخار متوجا
و كذاك إذ منع البتول جماعة _ خطبوا و أكرمه بها إذ زوجا
المناقب ج3ص29.
وأسأل الله أن يوفقنا : لأن نفي بعهدنا لله ورسوله ولأمير المؤمنين ، وأن يثبتنا على ولايتهم وهداه وطاعته ، فهو ولي التوفيق وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .
++++++
يا أخوتي الطيبين : قد عرفنا معاني أغلب كلمات الحديث الشريف ، وقصص تعصر الإنسان ألما لما حل بأمير المؤمنين ومن بعده آله الطيبين الطاهرين ، من نقض عهد الله ورسوله لهم ، ولكي نعرف تلك المعاني بتصور أوسع ، نذكر بعض معاين كلمات الحديث في اللغة ، وبعض الأحاديث في حرمة الغدر ونقض العهد والنكث والختل والخيانة ، والعياذ بالله منها ومن كل رذيلة وخلق لئيم .
وأسأل الله : أن يوفقنا لكل خصال المؤمنين ومكارم أخلاق الدين ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين ، آمين .
وأما معاني كلمات الحديث :
الغدر :
و الغدر : ترك الوفاء و نقض العهد، و قد غدرته فهو غادر .
و المغادرة: الترك، و هو ترك شيء مسلما.
و قوله تعالى: لا يغادر صغيرة و لا كبيرة ، أي لا يترك الكتاب شيئا إلا أحصاه.
ومرت معاني : الغدر ، وستأتي أحاديث توضحه مفصلا .
الذمة :
الذمة ذم : الذم : اللوم في الإساءة ، و منه التذمم، فيقال من التذمم: قد قضيت مذمة صاحبي، أي أحسنت أن لا أذم.
و يقال: افعل كذا و كذا و خلاك ذم، أي خلاك لوم.
و الذمام : كل حرمة تلزمك ، إذا ضيعتها، المذمة، و منه سمي أهل العهد أهل الذمة الذين يردون الجزية على رءوسهم من المشركين كلهم.
و الذُّموم : العُيوب؛ أَنشد .
و الذِّمامُ و المَذَمَّةُ: الحق و الحُرْمة، و الجمع أَذِمَّةٌ.
و الذِّمَّة: العهد و الكَفالةُ، و جمعها ذِمامٌ.
و فلان له ذِمَّة أَي حق.
و في حديث عليّ كرم الله وجهه : ذِمَّتي رَهِينُه و أَنا به زعيم ، أَي ضماني ، و عهدي رَهْنٌ في الوفاء به.
الذِّمامُ: كل حرمة تَلْزمك إِذا ضَيَّعْتَها المَذَمَّةُ .
و قيل : ما يجب أن يحفظ و يحمى.
و عن أبي عبيدة الذمة: التذمم ممن لا عهد له، و هو أن يلزم الإنسان نفسه ذماما أي حقا يوجه عليه يجري مجرى المعاهدة من غير معاهدة.
و في النهاية: الذمة و الذمام بمعنى العهد و الأمان و الضمان و الحرمة و الحق.
قال: و منه يسعى بذمتهم أدناهم
خيس :
خاس يخيس خيسا: و هو أن يبقى الشيء في موضع فيفسد ، و يتغير كالجوز و التمر الخائس و اللحم و نحوه ، فإذا أنتن قيل: أصل فهو مصل .
و إبل مخيسة: و هي التي لم تسرح و لكنها تخيس للنحر أو القسم.
و الإنسان يخيس في المخيس حتى يبلغ منه شدة الغم و الأذى ، و يذل و يهان، يقال : قد خاس فيه .
و يقال في الشتم: يخاس أنفه، فيما كره، أي: يذل أنفه.
و خاس فلان بوعده«» أي: أخلف، و خاس فلان أي: نكل عما قال«».
خيس: الخَيْسُ بالفتح : مصدر خاسَ الشيءُ يَخِيسُ خَيْساً تَغَيَّرَ و فَسَد و أَنْتَن.
و خاسَتِ الجيفة : أَي أَرْوَحَتْ.
و خاسَ الطعامُ و البيع خَيْساً: كَسَدَ حتى فسد، و هو من ذلك كأَنه كَسَدَ حتى فسد.
و من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام :
لما هرب مصقلة : بن هبيرة الشيباني إلى معاوية ، و كان قد ابتاع سبي بني ناجية ، من عامل أمير المؤمنين عليه السلام ، و أعتقهم .
فلما طالبه بالمال : خاس به ، و هرب إلى الشام .
قبح الله : مصقلة ، فعل فعل السادة ، و فر فرار العبيد .
فما أنطق : مادحه ، حتى أسكته ، و لا صدق واصفه حتى بكته .
و لو أقام : لأخذنا ميسوره ، و انتظرنا بماله وفوره .
نهج البلاغة ص85ح44.
العهد :
وفي كتاب العين ولسان العرب ومجمع البحرين :
عهد: العهد : الوصية و التقدم إلى صاحبك بشيء ، و منه اشتق العهد الذي يكتب للولاة، و يجمع على عهود.
و قد عهد إليه يعهد عهدا و العهد: الموثق و جمعه عهود .
و العهد : الالتقاء و الإلمام يقال: ما لي عهد بكذا، و إنه لقريب العهد به
و العَهْدُ : المَوْثِقُ و اليمين يحلف بها الرجل، و الجمع كالجمع.
تقول: عليّ عهْدُ الله و ميثاقُه، و أَخذتُ عليه عهدَ الله و ميثاقَه .
و تقول: عَلَيَّ عهدُ اللهِ لأَفعلن كذا؛ و منه قول الله تعالى: و أَوفوا بعهد الله إِذا عاهدتم؛ و قيل: وليُّ العهد لأَنه وليَ الميثاقَ الذي يؤْخذ على من بايع الخليفة.
و العهد أَيضاً: الوفاء.
و في التنزيل : { و ما وجدنا لأَكثرِهم من عَهْدٍ } أَي من وفاء .
و العُهْدةُ : كتاب الحِلْفِ ، و الشراءِ.
و العَهْدُ: الحِفاظُ و رعايةُ الحُرْمَة.
و المُعَاهَدُ: الذِّمِّيُّ.
و في الحديث: إِنَّ كَرَمَ العَهْدِ من الإِيمانِ أَي رعاية المَوَدَّة.
و في الحديث عن النبي، صلى الله عليه و سلم: لا يُقْتَلُ مُؤمنٌ بكافِرٍ، و لا ذو عهْد في عَهْدِه .
و التَّعَهُّدُ: التَّحَفُّظُ بالشيء و تجديدُ العَهْدِ به، و فلان يَتَعَهَّدُه صَرْعٌ.
وقوله تعالى : { فأتموا إليهم عهدهم } .
و في التنزيل: { لا يَنَالُ عَهْدِي الظالمين (124 )} البقرة .
قال الزمخشري : و قرىء الظالمون ، أي من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي و عهدي إليه بالإمامة ، و إنما ينال من كان عادلا بريئا من الظلم.
و قالوا : في هذا دليل على أن الفاسق لا يصلح للإمامة ، و كيف يصلح لها من لا يجوز حكمه و شهادته و لا تجب طاعته و لا يقبل خبره و لا يقدم للصلاة.
وقال الإمام علي عليه السلام :
إن حسن العهد : من الإيمان .
إن العهود : قلائد في الأعناق إلى يوم القيامة ، فمن وصلها وصله الله ، و من نقضها خذله الله ، و من استخف بها خاصمته إلى الذي أكدها و أخذ خلقه بحفظها .
خلوص الود و الوفاء بالوعد من حسن العهد
غرر الحكم ص252ح 5276 .ص252ح 5277 .ص252ح5281 .
ختل :
خَتَله يَخْتُله و يَخْتِله خَتْلًا و خَتَلاناً و خاتَله: خَدَعه عن غَفْلة .
ختل : في حديث العالم يختل الدنيا بالدين ، أي يطلب الدنيا بعمل الآخرة.
يقال ختله يختله : إذا خدعه و راوغه.
و المخاتلة : المخادعة .
و التخاتل: التخادع .
عدو :
و العدوان : و الاعتداء و العداء، و العدوى و التعدي: الظلم البراح.
و العدوي: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك ، أي: ينتقم لك منه باعتدائه عليك.
و العدو ضد الولي، و الجمع أعداء ، و هو وصف لكنه ضارع الاسم، يقال: عدو بين العداوة و المعاداة و الأنثى عدوة
و عدا يعدو عليه عدوا و عدوا و عدوانا و عداء بالفتح و المد: ظلم و تجاوز الحد ، و هو عاد و الجمع عادون مثل قاض و قاضون.
و المعتدون أصحاب العدوان و الظلم.
و عدا طوره، و عدا قدره، أي: جاوز ما ليس له.
وأما ذكر الأحاديث : في كل كلمات الحديث يطول ، ونذكر ويا أخوتي بعض الأحاديث في :
باب المكر و الغدر و الخديعة : والعياذ بالله منها ، وإنها تعد من كبائر الذنوب والآثام ، وأقبح الأخلاق وأرذل الآداب :
قال أمير المؤمنين عليه السلام في الغدر وذمه :
الغدر : شيمة اللئام .
الغدر : يضاعف السيئات .
الغدر : لأهل الغدر ، وفاء عند الله سبحانه .
الغدر : بكل أحد قبيح ، و هو بذي القدرة و السلطان أقبح .
الغدر : يعظم الوزر ، و يزري بالقدر .
إياك و الغدر : فإنه أقبح الخيانة ، و إن الغدور لمهان عند الله بغدره .
أقبح : الغدر ، إذاعة السر .
جانبوا الغدر : فإنه مجانب القرآن .
من غدر : شانه غدره .
ما أخلق : من غدر ، أن لا يوفى له .
لا إيمان : لغدور .
الفصل الثاني في البخل
غرر الحكم ص 292ح6498 _ 6510 .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم : غدروا بآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، ونقضوا عهود ونكسوا وخاسوا بعقود لهم عليهم ، والله لمن ظلمهم بالمرصاد ، وللكلام بقية أحاديث تأتي إن شاء الله ، وأسأل الله لي ولكم : أن ويفقنا للوفاء بكل عهد وعقد ، وأن يثبتنا على ولايته المتجلية في نبي الرحمة وآله الطيبين الطاهرين ، إنه أرحم الراحمين ورحم الله ، من قال آمين يا رب العالمين .
++++
ويا أخوتي قد عرفنا بعض : الأحاديث التي تعرفنا خبث الغدر والخيانة والخيس وكل ما يفسد العهد وينقضه ويتركه ، وحرمة ذلك ، وأنه من الأخلاق المذمومة والتي لا تناسب حال المؤمن .
وبالإضافة لما عرفت : نذكر أحاديث أخرى عن مولى الموحدين أمير المؤمنين وآله الكرام تعرفنا ، خسة وشين الغدر وخفر الذمة وما يلزم الإنسان به نفسه من العهود والمواثيق :
قال أمير المؤمنين عليه السلام :
من علامات : اللؤم ، الغدر بالمواثيق .
المروءة : برية ، من الخيانة و الغدر .
كن عاملا : بالخير ، ناهيا عن الشر ، منكرا شيمة الغدر .
إياكم : و صرعات البغي ، و فضحات الغدر ، و إثارة كامن الشر المذمم .
غش الصديق : و الغدر بالمواثيق ، من خيانة العهد .
لا تدوم : مع الغدر ، صحبة خليل .
أسرع : الأشياء عقوبة ، رجل عاهدته على أمر ، و كان من نيتك الوفاء له ، و من نيته الغدر بك .
ثلاث : هن شين الدين ، الفجور ، و الغدر ، و الخيانة .
غرر الحكم ص253ح5310 .ص258ح5490 . ص332ح 7640.ص345ح 7938 .ص419ح 9599.ص420ح 9616 .ص437ح 10024.ص462ح 10597 .
و قال أمير المؤمنين عليه السلام :
أيها الناس : إن الوفاء توأم الصدق ، و لا أعلم جنة أوقى منه .
و ما يغدر : من علم كيف المرجع :
و لقد أصبحنا : في زمان ، قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ، و نسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة .
ما لهم : قاتلهم الله ، قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ، و دونها مانع من أمر الله و نهيه ، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها .
و ينتهز : فرصتها ، من لا حريجة له في الدين .
نهج البلاغة ص83خ41.
وقال عليه السلام من كلام له في معاوية :
و الله : ما معاوية بأدهى مني ، و لكنه يغدر و يفجر .
و لو لا كراهية : الغدر ، لكنت من أدهى الناس .
و لكن : كل غدرة فجرة ، و كل فجرة كفرة .
و لكل غادر : لواء يعرف به يوم القيامة .
و الله : ما أستغفل بالمكيدة ، و لا أستغمز بالشديدة .
نهج البلاغة ص 319خ200.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام :
لو لا أن : المكر و الخديعة في النار ، لكنت أمكر الناس .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
يجيء كل غادر : يوم القيامة بإمام ، مائل شدقه ، حتى يدخل النار .
و يجيء : كل ناكث بيعة ، إمام أجذم ، حتى يدخل النار .
و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
ليس منا : من ماكر مسلما .
عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال :
سألته : عن قريتين من أهل الحرب ، لكل واحدة منهما ملك على حدة ، اقتتلوا ثم اصطلحوا ، ثم إن أحد الملكين غدر بصاحبه ، فجاء إلى المسلمين فصالحهم على أن يغزو معهم تلك المدينة .
فقال أبو عبد الله عليه السلام :
لا ينبغي للمسلمين : أن يغدروا ، و لا يأمروا بالغدر .
و لا يقاتلوا : مع الذين غدروا .
و لكنهم : يقاتلون المشركين حيث وجدوهم ، و لا يجوز عليهم ما عاهد عليه الكفار .
عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم ، و هو يخطب على المنبر بالكوفة :
يا أيها الناس : لو لا كراهية الغدر ، كنت من أدهى الناس .
ألا إن لكل : غدرة فجرة ، و لكل فجرة كفرة .
ألا و إن الغدر : و الفجور ، و الخيانة ، في النار .
الكافي ج2ص337 ، ح1 ، ح2 ، ح3 ، ح4 ح6.
وقالت فاطمة الصغرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام :
يا أهل الكوفة : يا أهل المكر ، و الغدر ، و الخيلاء .
فإنا أهل بيت : ابتلانا الله بكم ، و ابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسنا .
و جعل علمه : عندنا ، و فهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، أكرمنا بكرامته ، و فضلنا بمحمد نبيه على كثير ممن خلق تفضيلا .
فكذبتمونا و: رأيتم قتالنا حلالا ، و أموالنا نهبا ، كأنا أولاد ترك أو كإبل .
فلا تدعونكم : أنفسكم إلى الجذل ، بما أصبتم من دمائنا ، و نالت أيديكم من أموالنا ، فكأن العذاب قد حل بكم و أتت نقمات إلا لعنة الله على الظالمين .... .
مثير الأحزان ص87 .
ومن أحب المزيد من معرفة : غدر من يسمى بالمسلمين بآل محمد عليهم السلام ، فليراجع خطب أمير المؤمنين والصديقة فاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام ، ويكفيك يا موالي أن تنظر بخطب الإمام الحسين في يوم كربلاء وخطبة زينب عليها السلام في أهل الكوفة ، راجع صحيفة الإمام الحسين الجزء الثامن من موسوعة صحف الطيبين ، فقد تم شرح خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب ، بحدود ثلاثمائة صفحة ، وعرفنا معنى الغدر والخيانة والختل وغيرها من معاني نقض العهد والمواثيق والعقود بصورة مفصلة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وأعوذ بالله السميع العليم : من كل غدر وخيانة ، وأسأل الله لي ولكم : الثبات على دينه وهداه ، وبما عرفه المصطفين الأخيار والطيبين الطاهرين الأبرار من آل محمد عليم الصلاة والسلام ، إنه ولي التوفيق وإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين
************************************
(منقولة ) .تمنياتي لكم بالتوفيق لما يحب الله ويرضاه ..... اخوكم العبد الفاني سيد علي الموسوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ::::: اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ::::: نهنئكم بذكرى ميلاد ثامن الائمة المعصومين الامام علي بن موسى الرضا (ع)غريب خراسان * ونتقدم اليكم بأرق الأماني واحلى التهاني والتبريكات * والحمد والشكر لله ولكم ووفقنا الله وآياكم لمراضيه واسعدني هطولكم المبارك الكريم ومشاركتكم القيمة واكرر شكرا لسعة صدركم ورجاحة عقلكم والله يحفظكم . تحياتي واحترامي . اخوكم سيد علي الموسوي