التغيّر قانون الوجود ، وما نحسبه ثابتاً هو متغير من حيث نشعر أو لا نشعر ، فالوجود يخفي في داخله سلسلة طويلة من التغيرات المستمرة ، التي نرى بعضها ولا نرى الكثير منها ، حتى قيل في الفلسفة أن قانون الوجود الإمكاني الثابت هو التغير
_ الوجود الإمكاني طبعاً، وهو ما عدا الواجب جل وعلا كما هو واضح_
والملاحظة المهمة هنا ، هي أن الإنسان يلتفت عادة إلى التغير السريع والنوعي ، أما التغير البطيء فلا يلتفت إليه عادة إلا بعد تمامه ، تماماً كما إذا كنت تنظر لوجهك كل يوم في المرآة ، فإنك لن ترى تغيراً ملحوظاً واضحاً فيه ، لكنك إذا نظرت إلى صورتك قبل عشر سنوات لبان الفرق واضحاً.
وهذا يدعونا _ فيما يدعونا باعتبارنا منتظرين نرجو أن نكون فاعلين _ إلى أن نكون على قدر المسؤولية وأن نلاحظ التغيرات الفردية والاجتماعية البطيئة ، ومعرفة التغيرات الإيجابية من السلبية ، لأن خطر الأخيرة سيكون كارثياً لو فات الأوان.
من هنا ينبغي علينا أن نلتفت إلى أمور عديدة ، مثلاً علينا أن نرصد حركات المدّعين للمهدوية من بداية دعاواهم ، ونحاول أن نئدها في مهدها ، ببيان حقيقة الأمر فيها وكشفها للناس بكل حزم وجدية ، وإلا فإن التسامح معها ربما يغري أناساً ويرمي بهم في واد سحيق ، وقد كنا نعدهم من الصالحين.
كذلك علينا أن نراقب الوافدات الثقافية علينا ونرى مدى تلائمها مع مقتضيات الانتظار والتمهيد لليوم الموعود ، ونعمل على توضيح الأمر لأنفسنا أولاً وللجيل الصاعد ثانياً ، ولا نترك الأمر على عواهنه حتى تتغلغل الثقافة في العقول والنفوس ، فيكون جهادنا آنذاك جهاداً في غير عدو ، ورمياً من دون قوس!
وهكذا علينا أن نراقب عن كثب الأحداث والتغيرات الاجتماعية المحلية والعالمية وما أدى إليها وما أدت إليه ، ونستشرف منها النتائج ، لنرى مدى ملائمتها لأحداث ما قبل الظهور – طبعاً من دون جزم بذلك إلا ما دل الدليل القاطع عليه –
ومن نفس المنطلق علينا أن نراقب أنفسنا نحن ، فلربما نحسب أنفسنا نعمل جاهدين للتمهيد للظهور ، وهو المرجو من كل موال، ولكن ربما قد طرأت علينا بعض التغيرات المادية أو الروحية التي تجعل القلب خاملاً أو مدبراً ، وبالتالي فحالة الإدبار ربما تستمر من حيث لا نشعر ، حتى ينتكس القلب ويجمد ، فلا تؤثر فيه المواعظ.
من هذا كله نعرف السبب في جعل إحدى أهم صفات المؤمن الحق هي أن يكون عارفاً بنفسه ؛ حتى يعرف قدرها ، وبزمانه ؛ حتى لا تهجم عليه اللوابس.