في الحقيقة منذ ان ولدت وانا ارى اهلي والناس يمشون الى الحسين ع فكنت اتسائل الى من يذهبون هؤلاء ومن يقصدون وماهي الحكمة من مشيهم ايام بلياليها مقابل لاشيء حيث اني كنت انظر الى والدي وهو يرجع بعد المشي فارغ اليدين وبالعكس ارى رجليه قد تورمت من المشي وظهره يؤلمه فكنت اسأل امي ماهذا العمل الذي يعمله والدي الذي لايحصل من ورائه سوى التعب ولااحد يعطيه مبلغ من المال مقابل عنائه والجهد الذي يبذله فتقول لي امي انه الحسين ع عندما تكبر ستعرف مايعني الحسين ع وعندما كبرت قليلا مشيت مع اهلي مع الماشين وكانوا يرددون لبيك ياحسين وعندما وصلنا الى القبر الشريف لم اجد الحسين ع ولكني وجدت ضريحا مذهبا والناس تقبل اعتابه فقبلت العتبة معهم وانا لااعلم ماذا اصنع فدخلنا الضريح الطاهر وكانت هذه المرة الاولى التي ازوره فأحسست بهيبة وخوف ومعه اطمئنان وأنس لم احسه وانا بجانب والدي وامي فقبلت الضريح قبلا لااستطيع ان اعدها ومن يومها انطبع حبه في قلبي وصدقوني اقسمت في وقتها ان لايخرج حبه من قلبي ماحييت وان لاادع زيارته ماحييت وبكيت في وقتها مع الباكين ثم رجعت انا وابي الى بيتنا حزينا كئيبا فقلت لوالدي لما لانبقى في هذا المكان فأني احسست فيه براحة لم احسها في بيتنا فقال لي ابي يابني ان شاء سنرافقه في الجنة وسمعت الكلمة فتفاجئت بها وقلت لابي مالجنة قال يابني هناك بيتنا بعد ان نموت فسكت وبدأت افكر في كلام ابي على طول الطريق المؤدي الى بيتنا .
وبدأت السنيين تمر سراعا فكبرت وكبر حب الحسين ع في قلبي وبدأت امشي للحسين ع لوحدي وبدون مرافقة ابي رغم الصعوبات التي كنا نواجهنا من يزيد العصر الملعون صدام ولكن صدقوني الحسين ع لاينسى من يزوره فكنا في رعايته في ذهابنا ورجوعنا وكان مسيرنا عبر البساتين والطرق الوعرة ونعبر النهر بزورق صغير لان الطاغية واعوانه كانوا يسيطرون على الجسور ويمنعون عبورنا وقد يسر الله والحسين لنا من يتبرع بنفسه وزورقه لنعبر به للضفة الاخرى .
الصفحة الثانية
بعد اخراج القوات الامريكية قوات الطاغية صدام من دولة الكويت حدثت انتفاضة صفر الشعبية وفيها سقطت اغلب محافظات العراق عن سلطة النظام ولكن بمساعدة امريكا استطاع النظام ان يعيد سيطرته من جديد وقد ضربت قواته كربلاء حتى ان حسين كامل يواجه الامام الحسين ع ويضربه بالقنابل ويقول له انت حسين وآنا حسين انظروا ماذا حصل لهذا الطاغية الصغير لقد خرج من العراق وشهر بصدام وبرنامجه النووي ولكن عادته الاقدار الى العراق فلقى مصيره بمعاداته للحسين ع ومات شر موتة انه الحسين ع من يعاديه يندم .
ويروى ان الشاعر جمال الدين الخليعي صاحب الابيات المعروفة
اذا شئت النجاة فزر حسينا
غدا تلقى الآله قرير عين
فأن النار ليس تمس جسما
عليه غبار زوار الحسين
ان ابواه كانا ناصبين العداء لاهل البيت ع ولم يكن لهم ولد فنذرت امه ان صار عندها ولد ستجعله يقتل زوار الحسين ع الذين يأتون من جبل عامل عبر الموصل وصار الولد وربته امه تربية بغض آل محمد وعندما كبر ارادت ان تفي بنذرها وتوجه الخليعي الى الطريق المؤدي الى كربلاء وبدأ ينتظر الزوار ولكن التعب اخذه ونام فمرت به وهو نائم قافلة من زوار الحسين ع ولكنه لم ينتبه من نومه حتى مرت القافلة ولكنه رأى اثر غبارها على وجهه وبدنه فعاد الى بيته وهو نادم لانه فوت الفرصة وقال في نفسه سأرجع غدا فنام في الليل وقد رأى في المنام كأن القيامة قامت وجاء دوره للحساب فأمر به الى النار لانه كان يبغض اهل البيت ع ولكنه رأى ان النار لاتحرقه لان ما على بدنه من غبار زوار الحسين ع اصبح حاجزا عن وصول النار الى بدنه فأنتبه من نومه وبدأ بالبكاء والندم على مامضى وذهب الى كربلاء واعتنق مذهب اهل البيت ع واعتذر لسيد الشهداء على كل مابدر منه وانشد ابياته المعروفة .
الصفحة الثالثة
بعد سقوط نظام صدام في عام 2003 اصبحت هذه السنة ومابعدها المرحلة الذهبية للمشي الى الحسين ع فحدثت امور وعوامل كثيرة ساعدت على تزايد اعداد الماشين الى الحسين ع منها استلام الشيعة للسلطة ولو بعض منها في العراق وايضا التطور الاقتصادي والاجتماعي لسكان العراق ومنها الوعي الديني الذي ساهم الاعلام بشكل كبير في زيادته ومنها انتشار القنوات الفضائية الشيعية وايضا كثرة المواكب الحسينية المنتشرة على طول الطريق المؤدي الى كربلاء ومن كل المحافظات العراقية والمعدة لخدمة زوار الحسين فقط فقد اصبحت المواكب الحسينية بعد السقوط بعشرات الآف بعد ان كانت قبل نلك الفترة محدودة جدا وتصاحبها مضايقات واعتقالات فكل هذا وذاك ساهم في زيادة عدد الماشين الى الحسين ع حتى ان الماشي لايستطيع المشي بسرعة من كثرة الماشين وايضا ان عدد المواكب الكثيرة لايفي ولايستطيع ان يحتوي اعداد الزائرين الكثيرة ولكن حقيقة اقولها ان بركة الحسين لاتضاهيها بركة حتى بيت الله الحرام فأننا نرى السعودية بعظمة امكاناتها المادية واستقرار حالتها الامنية والاقتصادية فأنها لاتستطيع ان تستقبل اكثر من ثلاث ملايين حاج او مايقرب من ذلك ولكن زوار الحسين يبلغون في كل زيارة وبالذات زيارة الاربعين والزيارة الشعبانية مايقارب عشرة ملايين زائر فالحمد لله الذي جعلنا نتبرك بالحسين وبوجود الحسين بيننا في هذا البلد المبارك ببركة الحسين والا فهو لابركة له من دون الحسين وابيه عليهم السلام .
ولكن السؤال الذي كنت اسأله في صغري لم اجب عليه لحد الآن وهو لماذا المشي الى الحسين بهذه الاعداد الكثيرة دون غيره ومالمبرر الذي يبرر ذلك وماهي الاسباب التي تدفع الناس الى فعل ذلك هذا ماسنتطرق اليه في الصفحة الرابعة الرابعة .
من المعلوم ان العادات والتقاليد والمواريث التي يرثها الناس من افكار وافعال وطقوس واعمال كلها لابد وان يكون لها جذور ممتدة على مر الدهور اما هذه الجذور تكون عقلائية او غير عقلائية وحتما نحن عقلاء ونعلم بل متأكدين ان الجذور الغير عقلائية لايمكن ان تستمر وتبقى الى فترة طويلة وكما رأينا فيما مضى كم فرق عقائدية ظهرت ثم اندثرت لا لشيء الا لان قواعدها وجذورها هشة ولاتستطيع ان تصمد امام الافكار القوية الاخرى فأنتهت وذهبت هي وناسها في ادراج الرياح فلم يبقى الا اسمها وذكرها .
ولكن هل قضية الحسين ع مثل هذه الفرق والمعتقدات سوف لاتصمد امام التيارات التكفيرية والعلمانية والملحدة ؟ والجواب واضح حتى للاعمى فمانراه من استمرار الزحف والمشي والزيارة الى ابي عبدالله ع الا هو تأكيد على صحة وعظمة قضيته التي اساسها وجذورها وقواعدها اسلامية بحتة بناها وشيدها جده رسول الله ص فما كان منه الا ان ضحى بنفسه من اجل ان تستمر هذه الصرخة المحمدية الى يوم القيامة .
ولكن من اول من اسس لقضية الحسين ع ربما يعتقد البعض ان التشيع وحب الحسين ظهر بعد استشهاده ولكن الحقيقة والواقع لكل باحث ومتتبع للتاريح الاسلامي والروايات يرى ا ن اول من وضع القواعد الاساسية لثورة الحسين والتشيع هو رسول الله ص وهذا ماسنتناوله في الصفحة الخامسة .